ملف الكهرباء في لبنان يختصر نصف قرن من الفشل والفساد

صدى وادي التيم-لبنانيات/

يكاد لا يصدر تقرير من صندوق النقد الدولي إلا ويشدد على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في قطاع الكهرباء في لبنان لضبط الهدر والاستنزاف المستمر للأموال العامة، مطالباً بإعادة هيكلته ورفع التعديات عن الشبكة وتحسين الجباية، إضافة إلى تعيين هيئة ناظمة للقطاع، إلا أن تلك الإصلاحات لم تشهد تقدماً على رغم جميع الوعود والتعهدات الحكومية.

يعكس ملف الكهرباء حقبة طويلة من نظام الفساد المالي والإداري الذي يشهده لبنان منذ قرابة نصف قرن، وبات يمثل اليوم أحد مسببات الأزمات المالية التي يعانيها هذا البلد، إذ كثيراً ما صرفت مبالغ طائلة لتحسين القطاع وإضاءة منازل اللبنانيين، لكن النتيجة اليوم تغذية كهربائية لساعات قليلة جداً في أحسن الأحوال، مقابل دين كبير تكبدته خزانة الدولة، فيما أنفق على قطاع الكهرباء الجزء الأكبر من اعتمادات الموازنة.

1885 هو العام الذي تم فيه تأمين خدمة الكهرباء في لبنان للمرة الأولى، إنما تأسيس وزارة الطاقة أتى عام 1966 حين تولاها أول وزير للطاقة وهو كامل الأسعد الذي انتخب لاحقاً رئيساً للمجلس النيابي، ومن حينها تعاقب أكثر من 30 وزيراً من كل الأحزاب والتيارات السياسية، من ضمنهم الرئيس السابق كميل شمعون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والياس حبيقة ومحمد فنيش وجبران باسيل وغيرهم.

أما مؤسسة كهرباء لبنان، فأنشئت بموجب المرسوم 16878 بتاريخ 10 يوليو (تموز) 1964 لتتولى أمور إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على الأراضي اللبنانية كافة.

حاجة لبنان للطاقة

خلال الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) تضررت بصورة كبيرة محطات إنتاج الكهرباء والشبكات، ومعها بدأ البلد عهد التقنين وانقطاع الكهرباء الذي لم يتوقف حتى اليوم.

اعتماد لبنان على المحطات الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية بدأ منذ السبعينيات، فيما تتوزع معامل إنتاج الكهرباء بين حرارية وأخرى مائية لتوليد الطاقة، ومنها معمل الذوق والجية وصور والزهراني وبعلبك ودير عمار والحريشة ومعمل الليطاني.

وبحسب تقديرات خبراء الطاقة، فإن حاجة لبنان للطاقة تقدر بنحو 3000 ميغاوات، فيما المتاح من معامل إنتاج الكهرباء يتراوح ما بين 1200 و1600 ميغاوات في ذروة الإنتاج، وهذه المعامل تشكو من الأعطال والتقادم وضعف الإنتاج، بينها معملا “دير عمار” و”الزهراني” اللذان يشكلان 55 في المئة من إجمالي الطاقة الكهربائية الإنتاجية، أي ما يوازي 900 ميغاواط وما بين تسع إلى 10 ساعات تغذية يومية للبلاد.

مشكلات عدة والنتيجة واحدة

تتعدد الإشكاليات التي يمكن رصدها في قطاع الكهرباء في لبنان، لكن أبرزها أن المعامل الموجودة حالياً وتنتج الكهرباء هي قديمة وتعود لأكثر من نصف قرن، مما يعني أنها قد تتعطل وتتوقف عن توليد الطاقة في أي وقت، ناهيك عن شبكات التوصيل القديمة.

ويضاف إلى ما ذكر سابقاً الضعف في الجباية، إذ تنتشر في لبنان ظاهرة سرقة خطوط الكهرباء بصورة غير شرعية في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وفي هذه المناطق أيضاً لا تتم أي جباية صحيحة لفواتير الكهرباء، مما يتسبب بخسارة خزانة الدولة وقطاع الكهرباء أموالاً كبيرة، ناهيك عن غياب الشفافية في تلزيم التراخيص ومشاريع الطاقة.

يعتبر المهندس محمد بصبوص الذي أجرى دراسة شاملة عن قطاع الكهرباء في لبنان أن الخلل الأساسي في القطاع هو كمية عالية من الهدر، موضحاً أن الهدر التقني في الشبكة يلامس 15 في المئة من كمية الإنتاج بسبب سوء الصيانة. أما الهدر غير التقني ومنه التعليق على الشبكة والتلاعب بالعدادات والتمديد من خارج الشبكات من المحطات مباشرة إضافة إلى كمية الطاقة غير المحسوبة، فيقارب 40 في المئة من الطاقة المنتجة.

الهيئة الناظمة

أقر مجلس النواب اللبناني عام 2002 مشروع قانون تُنشأ بموجبه الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ويتشكل مجلسها من خمسة أعضاء ويملك الصلاحية بتحديد تعرفة الكهرباء والإشراف على خصخصة القطاع، لكن تأسيس هذه الهيئة رافقته عقبات عدة ومشكلات منها سلطة مجلس الوزراء في تحديد رواتب أعضاء المجلس بالتشاور مع وزير الطاقة.

وعلى رغم أهميتها، استمر تجاهل الهيئة التي لم تنشأ بعد فيما تقوم حالياً وزارة الطاقة بصلاحيات الهيئة منذ أكثر من عقدين.

ويقول بصبوص إن الفشل بدأ بسبب رفض تفعيل الهيئة والإصرار على حصر صلاحياتها بالوزراء من دون رقابة مسبقة، إضافة الى بلوغ الشغور في مؤسسة كهرباء لبنان نسبة 50 في المئة، ومجلس الإدارة المؤلف من سبعة أعضاء بقي منه عضوان فقط.

المصدر: طوني بولس-independent عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى