الحرب على الجبهة اللبنانية.. بين الرغبة الإسرائيلية وعدم المصلحة الأمريكية

صدى وادي التيم-لبنانيات/

زار قائد القيادة الوسطى الأمريكية “مايكل كوريلا” مقر القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي شمال فلسطين المحتلة على الحدود مع لبنان، وأجرى تقييماً للأوضاع مع الجانب الإسرائيلي والتقييم يعني هنا “للاطلاع على خطط الحرب الإسرائيلية الجاهزة لذلك”. في الواقع توجد داخل إسرائيل آراء تدعو إلى شن حرب على لبنان وتوجد لهذه الآراء آذان صاغية داخل الإدارة الأمريكية بفعل عوامل داخلية تتعلق بالانتخابات ولكنها تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

 وأكثر من ذلك تمثل الخطوة الأمريكية استعداداً علنياً في الانخراط المباشر مع الجيش الإسرائيلي على الجبهة  اللبنانية في حال توسُّع الحرب مع حزب الله، وهذا يتوافق مع ما تفعله في غزة من مشاركة عبر الخبراء العسكريين ووضع التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في خدمتها، وتقديم معلومات استخبارية ضد حركة حماس، بالإضافة إلى ما تقوم به في البحر الأحمر من مشاركة عسكرية مباشرة في الحرب ضد أنصار الله اليمنية.

أبعاد الصراع القائم

 وفي السياق نفسه تتلخص أهداف الولايات المتحدة من الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس إلى إنهاء القضية الفلسطينية عبر هزيمة المقاومة الفلسطينية عسكرياً من دون أن يؤدي ذلك إلى خلق توترات في منطقة الشرق الأوسط تؤثر على المصالح الاستراتيجية الأمريكية وتستخدم في ذلك “دبلوماسية البوارج”. بدورها تتمثل أهداف “دولة إسرائيل” بالتطابق مع الأهداف الأمريكية لكنها تدفع أكثر نحو التوتر الإقليمي والحرب الشاملة في المنطقة التي ستدفع نحو تدخل عسكري حتمي للولايات المتحدة ومواجهة حرب شاملة ستؤدي إلى دمار هائل وشامل على صعيد المنطقة. 

وفي موازاة ذلك تتمثل أهداف محور المقاومة بالصمود عبر الانخراط الشامل والمدروس في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية ومنع تصفية القضية الفلسطينية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.

في الحقيقة يُظهر الصراع الحالي المأزق الرئيسي الذي وصلت إليه السياسة الإسرائيلية-الأمريكية من خلال مراوحة الحرب على قطاع غزة مكانها بحيث إن إسرائيل فشلت في كل الفترات الزمنية التي وضعتها لإنهاء المقاومة الفلسطينية، ولم تتمكن من تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، ولا يوجد مصلحة استراتيجية إسرائيلية في إيقاف الحرب فراحت تعلم على استمرار الحرب في أماكن أخرى، فانتقلت إلى الضفة وهناك اتجاه يعمل على نقلها إلى الساحة اللبنانية ويتناقض ذلك مع المصالح الأمريكية، لذلك تعمل الولايات المتحدة على تقدير الموقف وتقييمه بما يحافظ على المصالح والوجود الأمريكي في المنطقة واستمرار العملية العسكرية في غزة، أي فصل غزة نهائياً عن المنطقة والسماح لإسرائيل بالتعامل مع الشعب الفلسطيني هناك بالقتل والتشريد من دون أي عواقب قانونية. لا يمكن توقع توسع الحرب من دون موافقة أمريكية مسبقة، ومسألة التدحرج نحو حرب كبرى تؤدي إليه الأحداث الحربية الجارية على الحدود مع لبنان ليست في الحسابات الاستراتيجية للدول لما يتعلق بالحرب نفسها فاشتداد المعارك واحتدامها شيء والحرب الشاملة شيء آخر. 

الاحتمالات المتوقعة للحرب على للجبهة اللبنانية

الاحتمال الأول: توقف الحرب في غزة بفعل عوامل خارجية أو عوامل داخلية إسرائيلية، وهذا الاحتمال سيقود إلى توقف جبهة الإسناد اللبنانية وتعود الأوضاع كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو احتمال قائم ولكنه ضعيف على اعتبار أن “إسرائيل” ترفض وقف إطلاق النار في غزة بدعم من الولايات المتحدة ولن تقدم على ذلك إلا بفعل تغيير داخلي تتعرض له سواء عسكريًّا أكان متعلقًا بالجيش نفسه أو سياقًا سياسيًّا يفرض وقف الحرب ولا يوجد مؤشرات على وجود ملامح لتغيير في الاتجاهين. والاتجاه الثاني لهذا الاحتمال أساسه بروز معطى خارجي مستجد يفرض وقف الحرب في قطاع غزة متعلق مباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية سواء عبر العلاقة المباشرة والدعم لإسرائيل أو عبر المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي وهو أيضاً اتجاه ضعيف مؤشراته غير ناضجة بفعل الرفض الأمريكي. من جهة ثانية ترفض إسرائيل عودة الأوضاع على الحدود اللبنانية كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وتطالب بتغييرات تشمل القرار1701 وترفض وجود المقاومة اللبنانية مباشرة على الحدود وهو أمر غير مقبول من الجانب اللبناني وهذا يقودنا إلى الاحتمال الثاني.

الاحتمال الثاني: توقف الحرب في غزة مع رفض إسرائيل وقفها على الحدود مع  لبنان، وهذا يعني أن ترفض إسرائيل وقف إطلاق النار على الجبهة  اللبنانية، وتقوم بشن حرب على المقاومة في لبنان من أجل فرض واقع جديد، وهذا احتمال قائم ولكنه ضعيف. يعوق هذا الاحتمال عدم قدرة المستوى العسكري على تحمل حرب على الجبهة الشمالية، كون الجيش الإسرائيلي منهك بفعل الحرب المستمرة في قطاع غزة، إضافة إلى أنه لم يحقق أهدافه حتى الآن، ويحتاج إلى فترة ليستعيد بناء قوته. إضافة إلى ذلك تملك المقاومة في جنوب لبنان قدرات عسكرية تجعل من المواجهة معها مكلفة ومصيرية على “دولة إسرائيل” وهو ما تدركه إسرائيل والولايات المتحدة معاً. 

في الحقيقة يدرك الجميع أن هذا الاحتمال هو الأكثر تدميراً حيث سيصيب معظم دول المنطقة وخاصة إسرائيل بدمار وخراب هائل، ويحتاج من أجل تنفيذه إلى قوة ثالثة لعدم قدرة إسرائيل على الإقدام عليه منفردة، وهذه القوة هي الولايات المتحدة الأمريكية التي ستخوض مباشرة حربا ضد حزب الله مما يفرض على محور المقاومة التدخل المباشر بالحرب ضد الوجود الأمريكي في المنطقة، وتأخذ الحرب الشكل الإقليمي وتكون مساحتها على امتداد الشرق الأوسط، وتكون نتائجها حاسمة اتجاه دولة إسرائيل والوجود الأمريكي في أوراسيا، وقد تتطور وتدخل فيها الصين وروسيا وحلف الناتو. يعوق هذا الاحتمال عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في خوض حرب شاملة ومباشرة في المنطقة تشكل نتائجه خطراً استراتيجياً على المصالح الأمريكية. وهذا الاحتمال يتناسب مع أحزاب المعارضة الإسرائيلية وفي حال حصوله ولن يعارضه اليمين الإسرائيلي.

الاحتمال الثالث: استمرار الحرب على غزة واستمرار جبهة الإسناد اللبنانية، أي استمرار الوضع القائم كما هو من دون أي تغييرات بحيث تتقبل إسرائيل الواقع كما ترسمه المقاومة وتعمل فقط على التعامل معه وتتعايش مع تهجير أكثر من 200000 ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة، كونها غير قادرة على تغيير الواقع القائم طالما لم تستطع أن تنهي الحرب في غزة، فهي غير قادرة عل فتح جبهة أخرى، هذا احتمال قائم ويعمل الجانب الأمريكي والأوروبي، في ظل الارتباك الاستراتيجي، على ضبطه ومنع تطوره ويتناسب في الوقت الحالي مع أفكار عدم تطور الحرب وامتدادها، وهو الاحتمال القائم والمستمر حالياً وهو الأكثر ترجيحاً حتى الآن لانتفاء المصلحة الأمريكية في توسيع الحرب.

الاحتمال الرابع: استمرار الحرب على غزة وشن إسرائيل حربًا موازية على الجبهة اللبنانية، وهو ما يرغب به اليمين الإسرائيلي ولا قدرة لديه على تنفيذه لافتقاره إلى الإمكانات والقوة الكافية، وهذا يعيدنا إلى الاحتمال الثاني، حيث لا قدرة لإسرائيل على العمل بمفردها، في عمل كهذا يفترض التدخل من قوة ثالثة، هذه القوة ستكون سببًا في دخول الولايات المتحدة الأمريكية حربًا إقليمية مدمرة وهو احتمال ضعيف، ويقابل الاحتمال الثاني، لانتفاء المصلحة الأمريكية.  

تبقى جميع هذه الاحتمالات خاضعة للتطور والتعديل بفعل المستجدات وتطور الأحداث العسكرية والسياسية خاصة مجريات الحرب في قطاع غزة، والمعطيات الداخلية لجميع دول محور المقاومة، التي تعمل الولايات المتحدة على تقويض وتشويه وخلق القلاقل السياسية داخلها، وتدفع نحو بناء الوهن داخل بيئتها، وجعلها عاجزة عن التصدي ومقاومة أي عمل عسكري إسرائيلي مرتقب.

المصدر: د. علي ناصر – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى