المقاومة تفعل معادلة “إغتيال = مسيرة إنقضاضية”… إسرائيل تتقفى الأثر عبر اليونيفيل؟
صدى وادي التيم-امن وقضاء/
في أثناء ارتفاع وتيرة التهديدات التي يطلقها قادة وجنرالات العدو تجاه المقاومة في لبنان، بما في ذلك احتمالية توسيع نطاق الحرب لتشمل مناطق بعيدة، وفي ظل “جسّ النبض العسكري” الذي يجريه العدو في محاولة منه لإظهار مدى جديته في تنفيذ تهديداته، سجل الآونة الأخيرة ازدياد في حركة الدبلوماسيين الغربيين في بيروت باتجاه مسؤولين سياسيين رسميين. ويأتي حراكهم تحت شعار ما أسموه “تنظيم الإشتباك” أو “محاولة تخفيض التصعيد في جنوب لبنان بما لا يؤدي إلى حرب واسعة”.
وفُهم أن مساعي هؤلاء تندرج في إطار “مشاركة العدو تهديداته”. بمعنى “تعويم جو داخلي في لبنان يوحي بأن الحرب باتت قاب قوسين أو أدنى”. وأن العدو بدأ تحضيراته بالفعل لـ”حرب واسعة”. وإن الجيش الإسرائيلي الذي يعمل على خفض نشاطه العسكري الميداني في غزة ويقوم بسحب ألوية عسكرية، سيقابله برفع درجة حضوره عند الحدود مع لبنان. ويجهد هؤلاء الدبلوماسيون وعواصمهم، في محاولة إظهار أن مساعيهم تأتي في سياق “إبعاد شبح الحرب عن لبنان”.
هذه الاجواء انعكست مواقف أطلقها بعض السياسيين الرسميين في مجالسهم على شكل “تحذيرات” من مغبة انجرار الأمور نحو حرب شاملة، بما يوحي أنهم باتوا تحت ضغط وتأثير هذه الدعاية. في وقتٍ نشطت بعض القوى والأحزاب والشخصيات المناهضة للحرب وللمقاومة بشكل عام، في بث دعاية عكسية تظهر عدم استطاعة لبنان تحمّل تكلفة أي “حرب واسعة”، وتسويق دعاية أخرى حول حجم الدمار الذي قد تؤدي إليه، فيما بعض القوى، كحزبي “القوات اللبنانية” والكتائب، ما زالا –وفق ما تظهره مفردات قادتهم- يراهنون على ضربة تؤدي إلى إضعاف الحزب.
كل هذه الاجواء يُراد منها التأثير على الحزب والمقاومة، وخلق جو يؤثر على بيئتها. والمقصود من كل ذلك دفع المقاومة إلى التراجع عن إجراءات وتكتيكات ميدانية وعسكرية اتخذتها أخيراً رداً على محاولات إسرائيلية لتوسيع نطاق القصف والإعتداءات وعمليات الإغتيال، بما في ذلك تفعيل “سلاح المسيّرات” بنسبة اعتماد أكبر ونوعية أفضل من تلك التي طُبّقت منذ 8 تشرين الأول 2023. ما شكل عاملاً حاسماً وأظهر تفوقاً واضحاً للحزب بإدارة الحرب الإلكترونية. هذا بالضبط، ما دفع بالسفراء إلى التحرك، وما قاد العدو إلى زيادة منسوب تهديداته أملاً باستقطاب ضغوطات سياسية تُمارس على الداخل اللبناني.
العدو يبحث عن مسيرات المقاومة
يبقى المهم اليوم، هو مساعي العدو نحو تنويع “تأثيراته” على بعض السفراء والدبلوماسيين وعلى بعض الوحدات العاملة ضمن قوات “اليونيفيل”. وبشكلٍ يثير الريبة، عادت إحدى الوحدات التابعة لدولة بارزة ضمن “اليونيفيل” قبل فترة، إلى طرح موضوع نصب “رادار” ضمن نطاق عملها في القطاع الشرقي، قد سبق لقيادة الجيش اللبناني أن رفضت إنشاءه قبل فترة وجيزة من “طوفان الأقصى”، وجددت الآن رفضها لإنشاء ما يشبهه.
ويأتي الكشف عن هذا المسعى بموازاة مساعٍ أخرى بذلتها بريطانيا بالتحديد قبل أشهر، حين سوّق وزير خارجيتها ديفيد كاميرون الذي زار بيروت بعيد “طوفان الأقصى” وبدء حزب الله “معركة المساندة”، فكرة قوامها تشييد أبراج على طول “الخط الأزرق”. وترافق المخطط البريطاني مع اقتراح فرنسي بزيادة عديد الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف عنصر جديد. واقترحت لندن أن يُصار إلى إجراء اختبار عملي من خلال تشييد مجموعة أبراج ضمن “القطاع الغربي”. وقد أثار الطلب يومها ريبة سياسية وعسكرية، لكون المنطقة تقع ضمن تصنيفات العدو على أنها “دقيقة للغاية”. وتقول تل أبيب إنها من أضعف النقاط العسكرية على طول الجبهة والتي قد يستغلها الحزب بأي تسلل أو هجوم. وبالفعل، تمكّن مقاومون فلسطينون سابقاً من العبور إلى داخل الأراضي المحتلة إنطلاقاً من هذه النقاط.
المقاومة تفعل معادلة “إغتيال = مسيرة”
بالنسبة إلى المقاومة، قررت التعامل مع عمليات الإغتيال التي تتعرض لها بردود ذات ثقل عسكري نوعي من خلال تفعيل ما يمكن تسميته “معادلة المسيّرات”. أي أن كل عملية اغتيال تتعرض لها المقاومة، تواجه بضربة “تكتيكية” عبر سلاح الجو (المسيّرات). تماما كضربتي “عرب العرامشة” رداً على اغتيال القيادي في المقاومة الشهيد إسماعيل باز، واستهداف مقر لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا شمال عكا وعلى بعد مسافة قصيرة من حيفا رداً على اغتيال الشهيد حسين عزقول قرب بلدة عدلون.
وخلال الأيام الأخيرة شهدنا على إدخال المقاومة صنوفاً من الأسلحة المعززة، وصرنا أمام واقع التغيير الدائم في المعادلات. إذ بات الميدان سوقاً يعود إليه فرض المعادلات. وبالتالي فإن كل اغتيال تتعرض له المقاومة يواجه بضربة عنيفة. وهذه تقابل معادلة العدو القائمة على أن “كل ضربة في الجولان تعادل استهدافاً في البقاع الشمالي”.
وفي هذا المجال، يقرأ العدو جيداً. ومن الواضح لديه أن نسق عمل المقاومة تغير وتصاعد. لذلك يمضي صوب إدخال مجهود سياسي كعامل رد موازٍ لـ”معادلات ردع” يحاول تكريسها، أو تكاد تكون أقرب لتعويض عن ردع فقده. وعلى ما يؤكد رصد حركة الميدان، يبدو نسق المقاومة في ارتفاع مستمر.
وهذا يرتبط بارتفاع المجهود الإستخباراتي لديها. وأيضا ًالرغبة في تنويع ردودها على الهجمات الإسرائيلية تحت سقف الضوابط الحالية. أي عدم الذهاب نحو توسيع المعركة. وفي كل مرة يخطو العدو خطوة تجاه توسيع مناطق الإشتباك، ترد المقاومة بزخم أكبر يحمل رسالة للإسرائيلي مفادها “إننا قادرون على الردع والذهاب بعيداً”.
على أن الأهمّ يبقى باعتماد العدو على وسائل متعددة يحاول استخدامها في سياق محاولاته التفوق على “التقدم التكنولوجي للمقاومة”. هذا ما يفصح عنه قادة العدو بكثيرٍ من الإنزعاج. وأهم ما يظهر فيه تأكيد فشلهم بتحقيق نتائج طيلة الأعوام السابقة من خلال الضربات التي تستهدف سوريا وفق ما أسموه “منع المقاومة من تطوير قدراتها”. وهنا، يعبّر العدو عن مشكلة “ردارية” تتعلق بصعوبات يواجهها في شأن تحديد حركة المسيّرات الصغيرة. سواء المفخخة او تلك المنوط بها أعمال الرصد.
ويكمن الفشل التقني للعدو في قدرة هذه المسيّرات على تجاوز موجات التشويش الدائمة والإحاطة التقنية التي يمارسها العدو على طول الجبهة. وتظهر في هذا المسار أهمية الإستهدافات التي قامت وتقوم بها المقاومة لوسائط العدو الإلكترونية في المواقع المتقدمة.
المصدر: ليبانون ديبايت- عبدالله قمح