يوم غزا الكومندوس مزرعة حلتا-كفرشوبا

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/

صفحات من التاريخ
حادثة الشهيد حسين علي شبلي في حلتا-كفرشوبا

عندما وقعت الحادثة كنت في سن التاسعة عشر من العمر، كنت من ضمن مودعيه مع أهل كفرشوبا الذين كانوا يومذاك بين التصفيق و الآهات، لكن صرخة الألم كانت هي الأقوى ،رغم ذلك لم يتغلغل في عقول أهلنا اليأس من أن التغيير في أداء المقاومة التي يعتبرونها طليعة من طلائع حركة التحرر العربي من نير الإستعمار و عبودية الحكام و إن هذه الحادثة لن تكون سدا بينهما على الرغم من الظروف الإجتماعية و الاقتصادية الصعبة و هم في غمرة المواجهة حينذاك مع السلطة الرافضة لإرادة مواطنيها الذين يحتضنون المقاومة في كل البلدات العرقوبية و وادي التيم حاصبيا و قد تغلغلت على مختلف فصائلها في كل القرى و البلدات العرقوبية على أطراف منازلهم و بين معالف الصخور في تلالها و سهولها.
لا أحد كان من قادتها يمتلك الرؤية البعيدة في المنطقة بأن العدو الصهيوني ليس بغافل عن تمددها و مراكز قواعدها على الرغم من علمهم بوجود العدو في مختلف مزارع شبعا التي إحتلت بعد حرب ١٩٦٧ بخمس سنوات و هم لا يظهرون في الليل ولا أحد منهم فكر بأن المقصود وجودهم في كل قواعدهم التي أنشئت في المنطقة فكانت محط أنظارهم مزرعة حلتا، تلك القاعدة التابعة لجبهة التحرير العربية في منزل حسين علي قاسم صالح شبلي ،هذه القاعدة كان يمولها العراق بقيادة الرئيس شهيد الحج الأكبر صدام حسين.
في تلك المرحلة كنت في كفرشوبا و كنت أذهب يوميا إلى قعقور الخيمة غرب البلدة لأشاهد يوميا القنابل الضوئية التي كان يطلقها العدو فوق سهول و بساتين حلتا و الماري و المجيدية .
كانت أجواء تلك المناطق تمتلئ بالإنارة حيث كنت يوميا أذهب إلى ذلك المكان أنا و مجموعة من شباب البلدة لنشاهد تلك الأضواء و كثيرا ما كان برفقتي الدكتور رمضان عبدالله و في يوم ٣-٩-١٩٩٦ وقع الغزو الصهيوني على مزرعة حلتا بقوة كومندس يتجاوز عددها العشرين عنصرا و كانت قاعدة للمقاومة في خلة فسيخة القريبة جدا من بيوت مزرعة حلتا و كذلك في الخريبة أطراف راشيا الفخار و أطراف كفرشوبا، في ذلك اليوم كانت رجال المقاومة في نوم عميق و عدم المبالاة لمخططات العدو الذي جهز لغزو مزرعة حلتا حيث إنطلقت تلك القوة من الخط الفاصل بين فلسطين و لبنان ( العباسية إلى سهل المجيدية و وادي خنساء إلى مزرعة حلتا )سالكة تلال الحرف إلى حرش الصنوبر و هبطوا بإتجاه المزرعة و حطوا رحالهم على نبعة الران الذي لا يبعد عن البيوت سوى دقائق معدودة ، في ذلك المكان التراثي غسلوا وجوههم و شربوا، كل ذلك كان قبل المغيب حيث لم يسدل الليل سواده و الشمس لم تلملم خيوط شعرها وصلوا إلى ذلك المكان و هم يراقبون كل حركة سكان المزرعة في ذلك اليوم كانت زوجة حسين تقوم بتفوير الحليب لترويبه (لبن) عندما شاهدت تلك القوة الكبيرة حدثت زوجها و هي تعمل على وقود الحطب في الموقدة سألت زوجها من هذه القوة الكبيرة و المؤللة التي حطت رحالها على الران ، فكان رده و هو يفك رسن البغل هؤلاء من جماعة فتح حسين الهيبة سوف يتوجهون إلى الخريبة و في تلك اللحظة بعد أن فك رسن البغل و ربطه في الزريبة تغلغل وسواس الشك في رأسه فعمل على التسلل بين بساتين الزيتون دون أن يدري بأن تلك القوة الصهيونية التي حطت رحالها يراقبون حركته حيث وصل إلى القرب منهم مختبئا تحت ظلال شجرات الزيتون، تلك اللحظة شاهدوه فأخذوا يتحدثون مع بعضهم باللغة العربية و باللهجة الفلسطينية و هذا ما زاده يقينا بأن تلك القوة متوجهة إلى الخريبة.
عاد إلى المنزل مقتنعا أنهم من جماعة فتح و بعد الإستراحة سوف يذهبون دون أن يراوده التفكير أنهم يخططون لعملية تطويق المزرعة و إن الهدف الأول هو منزله الذي يأوي القاعدة ،في ذلك اليوم بعد مغيب الشمس عمدوا إلى تطويق المزرعة من كافة الإتجاهات و كانت الطلقة الأولى على منزل حسين الذي إرتقى شهيدا.
و من المتعارف عليه أن كل الرعاة ينامون على أسطح زرائب المواشي لحماية مواشيهم من سطوة الذئاب فكان والده أبو حسين في ذلك المساء قد أوى إلى سطح زريبة ماشيته التي تلفها أشجار السنديان في أعلى بيوت المزرعة و في تلك اللحظة التي إنطلقت فيها الرصاصات على منزل ولده كانت زوجته قد أنتهت من ترويب الحليب و حملت أولادها الأربعة إلى المغارة المحاذية للمنزل، حملتهم و هي تشاهد زوجها يحمل صندوقا من الذخيرة و يصعد سلم السطح مع رفيقه أبو عمران لمواجهة القوة المتقدمة إلى المنزل من أسفل السهل في ذلك اليوم فتك بتلك القوة قتلا حيث أوقع ما يزيد على أصابع اليدين ما بين قتيل و جريح قبل إستشهاده و هو يواجه وحيدا بعد فرار أبو عمران ،في تلك المواجهة التي دمرت فيها المزرعة و إستشهاد حسين الذي لم يلقى أي مساندة أو دعم من قوات المقاومة القريبة في خلة فسيخة أو الخريبة تلك الحادثة وضعت عقول أهلنا بعد إستشهاده كأمواج البحر حائرين ما بين الشك و الثبات في طريق التعاون بين فصائل المقاومة مع عمق إيمانهم بأن المقاومة التي تواجه العدو الصهيوني تمثل عزهم و فخرهم و كرامتهم و أنا هنا كتبت ذلك للتاريخ و ما الحياة إلا عبر و أحداث يسجلها الإنسان الذي يتمتع بالوعي صفحات من التاريخ.

بقلم: صالح عثمان صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى