بين البصمة الكربونية والإنبعاثات العسكريّة… العدو يضرب المناخ!
صدى وادي التيم-متفرقات/
قد يسهل علينا استحضار، عشرات الأمثلة والمواقف، الّتي تمنّع فيها أصحاب القرار في العالم العربيّ وخصوصًا في لبنان، عن تدبّر التغييرات الّتي طرأت على أولويات الحوكمة والسّياسة، أو أقلّه استبصار مآلات هذا التخلف.. اليوم، وفي عالمٍ تبدو فيه الأولويات والاهتمامات العالميّة، سائلة -غير مستقرة وذات ديناميكيّة متجدّدة- بات الحديث عن الموضوعات المتغاضى عنها عربيًّا، كالتأثيرات البيئيّة ومخاطر التّغيّر المناخيّ، ضرورةً مُلّحة. لاسيما بعد الأحداث المناخيّة المتطرفة الّتي حفلت بها منطقة الشرق الأوسط في السّنة الفائتة، مضافةً للقلاقل الأمنيّة والصراعات المُسلّحة كحرب غزّة أخيرًا. ومساهمتها في مضاعفة انبعاثات الكربون، وما له من سطوة طويلة الأمدّ على المناخ. وتوجيه الاتهامات جهارةً عوضًا عن مداراة الحياء من القول والاتهام المباشر.
وإذ سلّطت الحرب على أوكرانيا، الضوء على خطورة انبعاثات الغازات الدفيئة للجيوش أو ما يصطلح على تسميتها بالانبعاثات العسكريّة ومسؤوليتها في أزمة الاحترار المناخيّ، في زمنيّ الحرب والسّلم، وانبثاق مطالبات بإضافة بنود تتضمن هذه الانبعاثات على اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ، وورد أساسًا على لائحة المطالب الحقوقيّة في قمّة المناخ “COP28” الّتي عقدت في الإمارات قبل أشهر (راجع “المدن”).. جاءت حرب غزّة والاشتباكات في جنوب لبنان، كتأكيد لهذا المطلب الجوهريّ، ولتكريس العدالة المناخيّة كحقٍّ لا يتجزأ من حقوق الإنسان وضمانة لاستمراريته، وكخطر مُحدق يسلتزم التدخل الفوريّ. وللأسف، لم يتمّ طرح هذا الملف على الرغم من أهميته وإقرار دول الأطراف بضرورته، جديًّا على طاولة المفاوضات في قمة المناخ أو المفاوضات الدوليّة كجزءٍ من الحركة العالميّة للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار استباقًا لكارثة مناخيّة عالميّة وليست أقليميّة وحسب. فإسرائيل تخالف اتفاقيّة الإطار ومعاهدتي باريس وكيوتو.
الانبعاثات العسكريّة الناتجة من الحرب
كشف بحثٌ نُشر قبل شهرين في موقع “Social Science Research Network” وأعادت نشره صحيفة الغارديان، أجراه الباحث، وأحد كبار المحاضرين بجامعة كوين ماري البريطانيّة، بنجامين نيمارك، أن الانبعاثات المولّدة للاحتباس الحراريّ خلال أول شهرين فقط من الحرب على غزّة، كانت أكبر من البصمة الكربونيّة السّنويّة لأكثر من 20 دولة متوفقة في توليدها للانبعاثات. وتُعزى الغالبيّة العظمى (99 بالمئة) من ثاني أكسيد الكربون المنبعث ما يُعادل 281 ألف طن متري، إلى القصف الجوي الإسرائيليّ والغزو البريّ لغزة، وكان ما يقرب من نصفها بسبب طائرات الشحن الأميركيّة الّتي تنقل الإمدادات العسكريّة إلى إسرائيل. ووفقًا للدراسة الّتي تعتمد على عدد قليل وحسب من الأنشطة كثيفة الكربون، ما يجعل من احتماليّة أن تكون أقلّ من الواقع واردة جدًا، فإن كلفة المناخ خلال الشهرين الأولين من الهجوم العسكريّ الإسرائيليّ كانت تعادل حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم.
وتمتاز الدراسة الّتي نُشرت حينها بتحليلٍ شامل يركز على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من مختلف مصادرها، بما في ذلك مهمات الطائرات والدبابات، وانبعاثات الوقود من المركبات الأخرى، بالإضافة إلى الانبعاثات المرتبطة بصنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ. ومع ذلك، يجدر الذكر أن هذا التحليل لا يشمل الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري مثل الميثان. ما يعني أن الصورة الّتي تقدمها الدراسة تظلّ جزئيّة ولا تمتد لتشمل الملوثات السّامة الأوسع نطاقاً التي ستظل تؤثر لفترة طويلة بعد النزاع وما يعقبه من عملية الإعمار.
البصمة الكربونيّة وتأثيراتها على غزّة والجوار
وكان نيمارك، قد أوضح في تقرير نُشر على موقع “The Conversation”، كيفية حساب البصمة الكربونيّة (carbon footprint) للجيوش. مشيرًا إلى وجود أربعة أنواع من الانبعاثات المتولدة عن الحروب، وتفسر كيفية حساب كل نوع. تتضمن هذه الانبعاثات (باستخدام الخبرات في الحرب الروسيّة على أوكرانيا والأميركيّة على العراق):
– النطاق 2: المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة غير المباشرة.
– النطاق 3: الّتي تشمل الأنشطة غير المباشرة مثل التوريدات العسكريّة وتقنية المعلومات.
-انبعاثات النطاق 3 بلس: الّتي تتضمن الأضرار الناجمة عن الحرب وعمليات إعادة البناء.
وانتهت الدراسة إلى تأكيد عدم تناسق آلة الحرب لكل جانب، وإمعان إسرائيل في التخريب المنهجيّ لكل أشكال الحياة في غزّة، والمناطق المجاورة، ومغبة هذا الصراع المستمر على غزّة، والمناطق المجاورة وضمنًا البحر الأحمر ولبنان والأردن ومصر، والمنتجة طرديًّا لآثار مميتة وقاتلة على البيئة لمئات السّنين في غزّة، وكوارث أخرى بيئية تطاول الهواء والتربة والمياه (تعطل محطات الصرف الصحيّ في قطاع غزّة وتحويل المياه الآسنة وغير المعالجة إلى البحر يوميًّا).
وفي سياقٍ متصل، كانت قد دعت منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا (Green Peace MENA) سابقًا، إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدارك خطورة المأزق البيئي والمناخيّ المُحدق وبصورةٍ عاجلة. وجاء موقفها بعد التقارير الّتي أكدّت غرق سفينة الشحن “روبيمار” في البحر الأحمر، حيث يُعتقد أن السفينة كانت تحمل أكثر من 41 ألف طن من سماد نترات الأمونيوم مما يشكل خطرًا حقيقيّا وملموسًا على النُظم البيئيّة البحريّة الحساسة في المنطقة؛ والّتي يمكن بدورها أن تنتشر في البحر الأحمر وتخّل بنظام التوازن البيئي البحريّ. وقد يؤدي ذلك الى المزيد من التداعيات المتعاقبة الّتي تؤثّر على السّلسلة الغذائيّة. ومن المحتمل أن ينتج عن هذا الاضطراب عواقب بعيدة المدى. بينما قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإجراء بحثٍ للتداعيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة لحرب غزّة على الدول المجاورة، وتطرقت فيه إلى الكوارث المحدقة بهذه الدول.
المصدر: بتول يزبك- المدن