الأبراج البريطانية: القصّة الكاملة!
صدى وادي التيم-متفرقات/
أنجزت قيادة الجيش، وفق معلومات “أساس”، الردّ التقني على مذكّرة الاحتجاج السورية على أبراج المراقبة البريطانية الـ 39 المنتشرة على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا. لكن ما هي “القطبة” التي دفعت دمشق إلى إثارة ملفّ الأبراج من دون أيّ اعتراض سابق عليها منذ عام 2012؟
يُفترض بردّ الجيش المنسّق مع رئاسة الحكومة أن يصل خلال ساعات إلى وزارة الخارجية التي ترسله بدورها إلى الخارجية السورية. وقد تراسل هذه الأخيرة لبنان مجدّداً إذا وجدت أنّ الردّ اللبناني لا يفي بالمطلوب حيال ما اعتبرته دمشق “أبراج تجسّس تسهّل استهداف العدوّ الإسرائيلي للعمق السوري”.
لكنّ مصادر موثوقة تقول لـ “أساس” إنّ “مذكّرة وزارة الخارجية السورية المرسلة في 18 الجاري عبر السفارة السورية في لبنان إلى الخارجية اللبنانية ليست موجّهة للسلطات اللبنانية. بل هي رسالة من قوى المحور للحكومة البريطانية على خلفية الموقف البريطاني المعادي لهذا المحور والطرح البريطاني بإنشاء أبراج مماثلة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. خصوصاً أنّ هذه الأبراج لا تتضمّن رادارات وأجهزة تنصّت بل مناظير حرارية موصولة بكاميرات تلتقط الصور وتصبّ تلقائياً في قيادة الجيش باليرزة حصراً. ولا إمكانية دخول إليها من أيّ طرف، ولا وجود لأيّ عنصر غير لبناني فيها”.
كما أنّ ما يؤكّد “استيقاظ” السوريين فجأة على أبراج المراقبة هو أنّ “لجنة التنسيق المشتركة اللبنانية-السورية لم ترسل طوال السنوات الماضية، وفق مصدر عسكري، أيّ شكوى سورية حيال هذا الملفّ إلى قيادة الجيش أو الجهات الرسمية المعنيّة”.
رسالة جانبيّة
تشير معطيات “أساس” إلى أنّه بالتزامن مع وصول المذكّرة السورية حول أبراج المراقبة البريطانية إلى وزارة الخارجية وصلت رسالة سورية “جانبية” بالمقابل إلى جهات حكومية توضح أن ليس المقصود بالمذكّرة السلطات اللبنانية. بل تسجيل الاستياء من الاقتراح البريطاني الذي حمله ديفيد كاميرون والسياسة البريطانية “العدائية” حيال دمشق.
في هذا السياق قالت أوساط قريبة من اليرزة: “قد يكون المطلوب هنا استخدام الجيش كصندوق بريد، وهذا الأمر مرفوض”.
بين الأبراج والقرار السياسيّ
من المعلوم أنّ أفواج الحدود البرّيّة تقوم بمهمّات ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب والنزوح والتصدّي لتسلّل الإرهابيين. وذلك من خلال أبراج المراقبة ونقاط مراقبة حدودية وكاميرات مراقبة ثابتة ومتحرّكة.
يقول قائد عملية “فجر الجرود” في مواجهة “داعش” العميد فادي داوود لـ “أساس”: “تدخل الأبراج التي قُدّمت من قبل الدولة البريطانية ضمن سياق منظومة تتكامل بالرصد والمراقبة ثمّ التدخّل. بحيث تتبع الأبراج لعمل الأفواج. وقد دُشّن أول فوج حدود برّي عام 2009 في شمال لبنان. وأُتبعت له القوّة المشتركة لضبط الحدود التي أُنشئت عام 2007. واليوم يبلغ عدد أفواج الحدود البرّية ستّة تنتشر على أكثر من مئة كيلومتر، وثمّة عمل على إنشاء فوج جديد”.
تراوح فعّالية عمل الأبراج، وفق داوود، بحسب القرار السياسي. “فالقدرة العسكرية متوفّرة حين تتوفّر الإمكانات البشرية والتقنية. لكن يبقى السؤال الأساس: القرار السياسي أين؟ ويمكن إعطاء مثلاً عن حركة النزوح. فقد كان يمكن أن يُبذل جهد أكبر لمنع تدفّق النازحين. لكن هل من قرار سياسي واضح بتكليف الجيش بهذه المهمّة وإقفال الحدود نهائياً؟”.
الأبراج البريطانية
يتحدّث داوود “عن قدرة هذه الأبراج العالية على كشف حركة النزوح والمهرّبين أو أيّ حركة مرور غير شرعي. وهو ما يتيح لفوج الحدود التدخّل. لكنّ فعّاليّتها تصبح أعلى بحكم ترابطها وسدّ ثغرات وجود الأبراج في أمكنة وغيابها في نقاط حدودية أخرى. خصوصاً أنّ بعضها يتمركز في النقاط “الثاوية”. أي تلك التي لا يمكن أن تُرصد بالعين المجرّدة ويصعب جدّاً تمركز عسكريين فيها، والتي يمكن أن تكشف مسار تنقّل الإرهابيين أو المهرّبين”.
أمّا لناحية إمكانية الاعتراض التقني لـ”داتا” الكاميرات الموصولة بأبراج المراقبة يقول داوود: “نحن نعلم أنّ إمكانية الخرق قائمة بأيّ “سيستم” يعمل سيبرانياً أو “بلاتفورم” موصولة على الإنترنت. وهنا تلعب أنظمة الحماية دورها وتختلف بين دولة وأخرى. نتذكّر هنا إعلان الحكومة الأميركية عام 2020 تعرّض شبكاتها لهجوم إلكتروني سيبراني طال عدداً من مواقعها الحسّاسة”.
ملخّص دبلوماسيّ
على خطّ موازٍ، تبيّن أنّ المذكّرة السورية التي وصلت بداية إلى وزارة الخارجية اللبنانية تضمّنت تفاصيل تقنيّة. لكنّ المُلخّص الذي أرسله الوزير عبدالله بو حبيب إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء ووزارة الدفاع، ومنها إلى قيادة الجيش، ووزارة الداخلية، كان أكثر دبلوماسية ومقتضباً. (أرفق بمضمون المذكّرة السورية ومذكّرة سفارة سوريا في لبنان). وأشار إلى طلب الجانب السوري أجوبة “حول تشييد مراصد مراقبة من قبل الجانب اللبناني تكشف كامل العمق في الجمهورية العربية السورية. وتتمّ إدارتها من قبل ضبّاط بريطانيين ولبنانيين. وهي تشكّل أبراج تجسّس تبني عليها إسرائيل كلّ معلومات الاستطلاع في العمق السوري”.
في المقابل تضمّنت المذكّرة السورية احتجاجاً “على وجود كاميرات حديثة ومتطوّرة جداً تتمّ إدارتها من قبل ضبّاط لبنانيين وبريطانيين. كما أنّ تلك الكاميرات مجهّزة بكاميرات مراقبة للكاميرات نفسها موصولة مباشرة بالسفارة البريطانية في لبنان”.
كما أضاءت المذكّرة على ما ينصّ عليه القانون الدولي حيال مسألة الحدود المشتركة. ومن ضمنه “حصول الدولة الثانية على الناتج المعلوماتي من الدولة التي تشغّل المرصد وحقّها بإنشاء مرصد بمسافة صفر عن المرَصد المقابل”.
إيجابيّة الوزير حبيب
مع ذلك، أتت المواقف العلنية لوزير الخارجية “حاضنة” للهواجس السورية. إذ قال إنّ “لبنان لا يقبل أن تشكّل هذه الأبراج عملاً عدائياً ضدّ سوريا”.
يُذكر أنّه في عام 2018 راسلت دمشق الحكومة اللبنانية طالبة بعض الاستيضاحات في شأن “وجود غير لبنانيين داخل غرفة عمليات الأبراج”. وأتى ردّ الجيش مفصّلاً ومطمئناً للجانب السوري الذي لم يطلب استيضاحات إضافية.
هكذا، بعد 12 عاماً من بدء تشييد الأبراج البريطانية ونحو أربعة أشهر ونصف من اندلاع حرب غزة. وبعد حذر سوري رسمي طويل في التعاطي مع الحكومات اللبنانية عقب بدء التمثيل الدبلوماسي بين البلدين عام 2009. وبعد 13 عاماً من بدء النزوح السوري إلى لبنان واندلاع الحرب في سوريا. لم يكن ممكناً، وفق مصدر مطّلع، فَصل المطلب السوري المُستجِدّ عن الاقتراح البريطاني الذي حَمَله وزير الخارجية ديفيد كاميرون خلال زيارته لبنان الشهر الفائت. وتضمّن إنشاء أبراج مماثلة على الحدود الجنوبية مع إسرائيل من ضمن سياق الترتيبات الأمنيّة المطلوبة جنوباً.
أكثر من ذلك، راسلت دمشق وزارة الخارجية اللبنانية من دولة إلى دولة بعد تداول معطيات عن احتمال تعزيز شبكة الأبراج البريطانية على الحدود الشرقية البالغ عددها راهناً 39 برجاً.
بمطلق الأحوال، يبدو المشروع البريطاني بإقامة أبراج مراقبة بريطانية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية فكرةً ولدت ميتة. إذ يرفضها للمفارقة الإسرائيلي والحزب معاً. ولا يبدو أنّها قد تدخل بأيّ إطار “تسوويّ” للوضع جنوباً.
المصدر: ملاك عقيل – اساس ميديا