كيف سيكون العالم بلا رجال؟
صدى وادي التيم-متفرقات/
روت مَلَك؛ وهي فتاةُ بائسة لم تتم العشرين عامًا بعد، لم يحالفها الحظ في دخول الجامعة، فبقيت في بيت الأهل بهدوء، تعمل بصمتٍ واجبات المنزل، وتنتظر نصيبها لينتقل عملها المنزلي إلى منزل آخر. روت ما حدث معها عندما استيقظت صباحًا ذات يوم، نهضت من الفراش لتبدأ وظيفتها بتجهيز الفطور لأخيها وأبيها قبل ذهابهم إلى العمل، وعلى عكس ما جرت العادة، لم تلحظ أيًّا منهما على طاولة الطعام.
“لقد كان حلمًا غريبًا، ومخيفًا. استيقظتُ خائفة، ولكن عندما نهضت مسرعةً إلى المطبخ، ووجدت أبي وأخي، ارتاح قلبي قليلًا”. تابعت: “فكرتُ فيما بعد، ماذا لو كان هذا الحلم حقيقة يومًا ما؟ ماذا لو استيقظتُ على كونٍ بلا رجال؟”. تأملت ملك سؤالها، وأخذها خيالها بعيدًا، في إيجابيات هذا الأمر وسلبياته.
لمْ تعد حيواناتك المنوية ذات أهمية كبيرة:
لنبدأ بفكرة أنه لا يمكن أن يولد إنسان بدون نطفة من الذكر، لتلقيح بويضة الأنثى. ولكن عفا الزمان على هذا الأمر، فاليوم، نشهد الكثير من عمليات التلقيح الصناعي، بل وإن استخدام العلماء الخلايا الجذعية الجنينية لصناعة الحيوانات المنوية (النطاف) الاصطناعية، جعل وظيفة التكاثر بلا رجال، أسهل.
كيف ستكون الحياة بلا رجال؟
عام 2018، طرحت ناشطة نسوية تُدعى إم راز (Em Razz) سؤالًا على متابعاتها من النساء، حيث طلبت منهنّ تخيّل يومٍ كاملٍ (24 ساعة) بلا رجال، ماذا ستفعلنَ في هذا اليوم؟ وإليك مختصرًا لبعض الردود:
“سأذهب للرّكض في منتصف الليل”
“سأتجول عارية إذا كان الطقس ملائمًا”
“لن أرتدي حمالة صدر أبدًا، سأغني وأرقص عاريةً مع إبقاء أبواب ونوافذ منزلي مفتوحة. أحب الرّجال، لكن العيش مع الخوف الدائم شيءٌ سيئ”
“سأرسل بناتي المراهقات إلى العالم دون القلق عليهنّ”
“سأرقص في الطريق دون أن يتحرّش بي أحد، أو أن يخطر له أني أرقص من أجل إثارته”
“سأنهي الكثير من الجمل التي بدأتها”
“أتخذ لي مكاني الخاص، قواعدي الخاصة. لن أضطر للتنظيف بعد أحدٍ سوى نفسي. أترك المنزل عندما أريد وأرجع متى أريد. أرتدي ما أريد. آكل دون الاهتمام بوزني!”
“سأشعر بأمان”
“سأكون واثقة بنفسي أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي”
وتلك كانت عيّنة من مشاكل النساء بوجود الرجال على كوكب الأرض. لنرحّب سويًا أيها القارئ العزيز بدقائق معدودة مع كوكب زمرّدة في الفقرة التالية، والذي تسكنه الزمرّديات فقط.
أهلًا بك في كوكب زمرّدة: لا للتعنيف!
ربّما أكثر ما يميّز جنس آدم -بالعموم وبنظرة مجتمعيّة- هو القوّة الجسدية، التهكّم والتحكّم والسّيطرة الكاملة على جنس حوّاء، أمّه، أخته، زوجته، ابنته. فهو من يحقّ له ما لا يحقّ لغيره، وكثيرًا ما نرى وحتى هذا اليوم، قصصًا تُروى عن أشباه الرّجال، الذين يستبيحون أجساد حُرماتهم، ويعاملونهنّ على أنهنّ أكياس شَرَف. طبعًا اختلف الأمر في السنوات الأخيرة، مع زيادة وعي المرأة بحقوقها، وزيادة وعي الدّول المهتمة بكل ما يخصّ الجنس الأنثوي، ولكن ما زالت المرأة مُستباحة في الكثير من المناطق حول العالم من قِبل أي رجل يُعتبر أحد محارمها.
وفقًا لمنظمة الصّحة العالمية، وبحسب الإحصائيات التي أُجريت لدراسة مدى تعنيف الرجال للنساء حول العالم، تبيّن أن واحدة -أو أكثر- من كل 3 نساء من جميع أنحاء العالم، قد تعرّضت للعنف الجسدي (جنسي وغير جنسي) بفعلِ رجل. لذا لا شكّ في أن تتمنى البعض منهن لو أنهنّ خُلقن بلا أب أو أخ، أو لم يتزوّجن!
أهلًا مجددًا في كوكبنا زمرّدة: لا للتحرّش والاغتصاب!
عندما أصبحتُ واعية راشدة، عرفت أن هناك بعض النساء اللواتي يتحرّشن بالرّجل بغية استدراجه، وإغرائه وإيقاعه في شباكهنّ. ولكن هؤلاء لسن موضوعنا الآن، فعندما تستدرج امرأة رجل، يصبح الأمر كما لو كان هو يستدرجها، كلاهما سيتلوثان بحفرة الوحل ذاتها. ولكن لا أعتقد أنه هناك امرأة يمكنها اغتصاب رجل رغمًا عنه، أو التحرّش به دون أن ينبس ببنت شفة، لأنه يخاف من المجتمع، إنما كلنا يعرف أنه المغتصب، المتحرّش، والمستغلّ لحقارة المجتمع.
إذًا في عالم لا يحوي رجال، ليس هناك من متحرّش، ولا مغتصب ولا معتدٍ، ولا مضايقات في الأماكن العامة. وليس هناك خوفٌ من المجتمع وقضايا الشّرف التي تجعل الكثيرات اليوم يلجأن إلى الانتحار، لأنهنّ لا يمتلكن شجاعة الكلام، ولا يستطعن أخذ حقّهن، لأنه مُبتَلَع مسبقًا من قِبل المجتمع والأهل.
أكثر أمانًا: لا للحروب!
منذ الطفولة، تأتي الطفلة الصغيرة بدميةٍ لتلبسها فستانًا وتلعب معها وكأن هذه اللعبة ابنتها، بينما يقوم أخوها بنزع الرأس، أو ضرب اللعبة ضربًا مبرحًا ويلعب بالأسلحة البلاستيكية. إذا ما ضربنا بالحرب مثالًا، فهي تبدأ من رئيس دولةٍ ذكر، ويخوضها المجنّدون الذكور. هناك مجنّدات نساء بالطبع، ولكن جميعنا يعلم سيادة الجنس الذكوري فيما يخص الجيش والحروب.
نعم تُشنّ الحروب كطريقة للتغيير الاجتماعي، ولكن أعتقد أن معظمنا يتّفق أن الحروب شيء سيئ، وعمومًا، لا تخوض النساء الحروب! ربما تدافعن عن أنفسهنّ نعم، ولكن لا تخوض النساء الحرب للتنافس مع نساء أخريات. إذًا ينتصر الرجال في تقرير الشرور والعزم على الحروب. طبعًا لا يمكننا التعميم أبدًا، ولكن كقاعدة عامة، لا يسيل لعاب كل الرجال على بدء الحروب، ولكن معظم الذين يسيل لعابهم لبدء حرب، هم رجال.
هناك رجال طيّبون، ولكن الأشرار منهم خلقوا خوفًا لا يمكن محوه عبر أجيال كاملة، بل إنه يتطوّر عبر السنين. يُقال: “السّمكة المتّسخة تُفسِد بركةً كاملة”.
أهلًا بسوق العمل والاستحقاق الوظيفي!
تساوى اليوم الذّكر والأنثى أكثر من أي وقتٍ مضى فيما يتعلّق بسوق العمل، فأصبحنا نرى القادة من النساء، وتتولى المرأة الأعمال رفيعة المستوى، تتعلم وتتقدّم وترتقي إلى المناصب العالية. ولكن تواجه من جهة أخرى الكثير من التحديات، وأهمها فجوة الأجورالتي يحددها التمييز بين الذكر والأنثى على أساس الجنس.
تعاني النساء عمومًا في سوق العمل، لأنهنّ نساء: تتعرّضن للاستغلال، الاستخفاف بقدراتهنّ، وما تفرضه التزامات الزواج عليهنّ ما يخفّض من طلبهنّ إلى سوق العمل، بالإضافة إلى المشاكل الروتينية: التحرّش والاعتداء اللفظي أو الجسدي، واليوم، التحرّش عبر وسائل التواصل، كلّ ذلك سيُمحى بمحي الرّجال.
أهلًا بفنجان القهوة الصّباحي بدون مسؤولية رجل أو ذكر!
الزّواج سُنّة اجتماعية تحتّم على كِلا الطّرفين سياسة قيادية بشكل معيّن، فكما هو مفروضٌ على الرّجل الإعالة، فالمفروض أن تهتم المرأة بالمنزل من طبخٍ وتنظيف وغسيل، طبعًا مع عدم الولوج حاليًا إلى أهمية التشاركية في هذه الأمور. ولكن بشكلٍ عام، جميعنا يعرف أن النسبة الأكبر من الكائنات التي تخلّف أوساخًا وراءها وتحتاج إلى من يعتني بها، هم الرّجال. ربما ليس الجميع، ولكن أقول وبالتأكيد: حوالي 95% منهم -رأي شخصي- هم هكذا. نعم يحتاج الزوج والأب والابن إلى العناية الكاملة بالنظافة، لأنهم اعتادوا على وجود الحسّ الأنثوي الكافي للعناية بهذه الأمور، والتي يعتقد الذّكور أنه من المعيب أن يعتنوا بها أنفسهم
ومن دون رجال، ليس هناك ملابسٌ على الكرسي تحتاج الغسيل، ولا جوربٌ نتن الرائحة يحتاج الغسيل ولكنّه مرميٌّ تحت السرير من أسبوع، ولا صحونٌ مكدّسة في المطبخ تحتاج الجلي، ولا طبخة مختلفة كل يوم، ولا مشاكل من أجل المصروف! نعم ستأكلين وتشربين وتغسلين وغيرها، ولكن بأريحية تامة، بدون كركبة الرجل وما يفتعله من مشاكل لأنه غير مبالي بما تفعلينه أصلًا.
التعبير عن الذات بكلّ أريحية:
يشمل التعبير عن الذات كل ما يخصّ المرأة: ستعبّر عن نفسها بكل صراحة على مواقع التواصل، لن تضطر إلى تمويه الاسم أو الخوف من اكتناز معلوماتها الشخصية، أو الخوف من رسائل الـ Others الغبية. ستستطيع الكثيرات ارتداء ما يحلو لهنّ، بدون تعليقات مسيئة، وبدون تلطيش، أو سماع: “طبوشة، جسمها نحيلٌ كالعود”. على الرغم من قناعتي أنه لا يمكن لأحد أن يحدد كيف يجب أن يكون شكل جسمي، ولا وزني، أنا فقط من أحدد، وإذا قررت التغيير، فسأتغيّر لأرضي نفسي عن نفسي فقط، لا لإرضاء الرجال، ولا لمنافسة الأخريات، ولكن توجد الكثير من النساء اللواتي يصغين إلى التعليقات المسيئة، ويحاولن تغيير أنفسهنّ. قلّة ثقة بالنفس للأسف.
التخلّي عن الكثير من أدوات المكياج والتجميل، على الرغم من أني أختلف مع الكثيرات في هذه النقطة أيضًا، وقناعتي تقتضي بأن أكون جميلة روحًا وشكلًا، أضع المكياج الخفيف الذي يخفي عيبًا ما، أو يُبرز جمالية منطقة ما في الوجه. لا يقتضي كونك امرأة أن تضعي المكياج، فالرجال اليوم يضعون المكياج أيضًا . ولكن لا زلنا نرى الكثيرات اللواتي يتجمّلن لأجل أن يُقال عنهنّ فاتنات وأيُّ رجل يتمناهنّ. منطق سخيف.
دينيًّا:
لن نوضّح في هذه النقطة سوى أمرٍ واحد: النساء في الدّين أتباع ولسنَ قادة. انظر من حولك، جميع قوّاد الأديان المختلفة هم من الرّجال. الطائفية والفتنة تبدأ من بعض رجال الدّين، وتُنثَر في عقول الأتباع، سواء من النساء أو من الرجال. أكتفي بهذا القدر في الحديث عن تأثير الرجال في موضوع الأديان. فلو اختفى الرّجال عن سطح الكوكب، سيعمّ الأمان الدّيني غالبًا.
نستطيع العيش بدونهم ولكن …
نحن لا ندافع عن النساء في مقالنا هذا، لم نذكر أنهنّ ملائكة رحمة، بل توجد الكثيرات من الأفاعي، الخبيثات، الشريرات، واللواتي تتصرّفن بشكل أقذر من الكثير من الرّجال، ولكن مقالُنا هذا يتخيّل فكرة عامة وهي عالمٌ بلا رجال، كون الرّجل هو المسيطر على مرّ السنين، وهو الذي يرمي الجوارب على الأرض لتلملمها زوجته أو أمه.
في عالمنا اليوم، أصبحت المرأة أكثر حرّية، ويمكنها العيش تمامًا بلا رجل إذا أرادت ذلك بنفسها. ولكن على الجانب الآخر، هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا بالفعل نحبّ وجود الرجل، ولا يمكننا -عقلانيًا- تصوّر الحياة من دونه:
التنوّع:
لا يمكنكِ قضاء حياتكِ مع ذات الصديقة طوال العمر، ولا يمكنك ارتداء ذات الفستان في جميع مراحل حياتك، لا يمكنك أكل الفلافل بشكلٍ يومي، وعلى هذا النمط، يمكن اكتشاف أنه لا يمكن تخيّل عالم بلا أحد الجنسين. التنوّع هو أحد الأركان الأساسية للحياة الطبيعية على سطح الأرض، في جميع المجالات. نحن بحاجة إلى الأشخاص من جميع الأجناس والأعمار والأديان والتوجهات السياسية.
الحب والجنس:
نعم يمكنني أن أحب أمي، صديقتي، كلبي، ولكن الحب العاطفي الذي يحتاجه الإنسان بيولوجيًا، لا يمكن اقتناصه إلا مع رجل. نعم المرأة بحاجة رجل يحبها، تمارس معه علاقة عاطفية يحتاجها جسدها لأنها غريزة، تنجب منه أطفالها إذا أرادا.
بعض الرّجال أمان وسَنَد حقيقي:
طبعًا هناك رجال جيدون، يقدّرون المرأة ويحترمونها ويمكن الاعتماد عليهم كأزواج لبناء عائلة. العائلة لازمة ليساعد الطرفين بعضهما في الواجبات المنزلية، وتربية الأطفال. فمهما كانت المرأة حديدية، ستكون تربية الأطفال وتكوين أسرة سعيدة، أسهل بوجود شريك.
الأمان الذي يوفّره الأب لا يمكن تعويضه، شخصيًا، أشعر بين يديّ أبي بالقوّة، أحب كوني ابنته، أحب غفرانه لي أخطائي، مداراتي حتى عندما أكون مخطئة، أشعر بوجوده بالأمان الفعليّ. أكره أنني أقول ذلك، ولكن نعم هناك شواذّ في هذا الموضوع، هناك بعض الأهل الذين لا يمكنكِ الشعور معهم بهذه الأحاسيس. لا مشكلة، هنا يمكننا أن نكون أقوياء بأنفسنا سيّدتي.
وعلاقة الحب لا تقتصر على حب الشريك، فأنا أحبّ أخي جدًا، أشاركه تفاصيل حياتي، كل التفاصيل تمامًا، وألجأ لأبكي بين يديه عندما تخنقني الحياة، لا ألجأ لصديقتي، ولا لأمي، بل لأخي.
الفطرة السّليمة تقتضي حاجة كِلا الجنسين لبعضهما، على الرّغم من إمكانية عيش كل منهما بمفرده. يمكنك أن تقف على رجلك اليُمنى فترة، فترة قصيرة، ولكنها ستبدأ بإثارة الوجع والرّجفان في مرحلة ما، لن تقدر على الاستعانة بها لوحدها، وستستعين باليُسرى قطعًا حتى تَقِف. وجود الرجال: الأب أو الأخ أو الزوج أو الصديق، إلى جانب الإناث، هو فطرة رحمانية، طبعًا الرّجال الجيّدون بطبعهم، أما الذكور، فمن الأفضل أن نعيش بدونهم.