جنى الحنفي تفوز بمسابقة وائل الدحدوح لافضل نص

صدى وادي التيم-لبنانيات/

فازت الزميلة في موقع جنوب ٣٦٠ جنى الحنفي في مسابقة وائل الدحدوح جبل فلسطين- لأفضل نص، والتي أقامتها مجلة رؤية الثقافية.

وكانت جنى قد شاركت في مسابقة وائل الدحدوح لافضل نص والتي اقامتها مجلة رؤية الثقافية وكتبت

استطاع بخوذة وكاميرا أن يصبح لوحده جيشاً.
سلاحه لم تشعّ لأجله السماء في عزّ الليل. وقوّته لم ترتجف بسببها أنامل الأطفال القابضة على صقيعها. تأهب في الصفوف الألى وأطلق الرصاصة التي يحتاجها العالم… إنها الحقيقة.
حملها في روحه كأنها يتيمة, ومشى يطوّع النيران بأنامله السّمراء ليحميَها. يحدّق به الموت من كل جهة فيعانده بابتسامة وعناق. وقدّم للموت من روحه نبضةً نبضةً ليعلّمَ القبر أنه لن يستطيع أن يكتم صوتاً ذابت أوتاره لأجل رسالة الحق.
إنه النسخة المصغرة عن فلسطين: إنه وائل الدحدوح.

في السابع من أكتوبر, حمل وائل الدحدوح خوذته, قبّل أم حمزة من جبينها ووصّى أولاده أن يظلّوا أبطالاً مثله.
ودّع ملامح غزة التي يمشي هواها في دمائه. وقال بصوته الثابت رفم الألف سبب للانهيار أننا صامدون في غزة, وأن الانتصار موعدنا مهما طال ليل الظلم. وظلّ الأيقونة… المخضرم في الصحافة, تنتظره القلوب خلف الشاشات ليثبّتَ لها أملها بالنصر. لكنه لم يكن يدري أن أولاده -الحلم المنتظر- سيصبحون خبراً عاجلاً.
ضاقت عليه الأرض, وشعر أن الأنقاض بين ضلوعه هذه المرة… وتحتها عالقةٌ أمنياته ترسل له نداء استغاثة بصوت مبحوح:
-قصفوا الدار فوق روسنا يابا.
فردّ وهو يخنق دمعته: تنتقمون منّا بالأولاد؟ معلشّ! فأصبح حرف شين وشدة لوحدهما أبجدية للصبر.
احتضن الدمع, ربّت على قلبه المشتعل: ما زال أمامي الكثير.
ما زالت التغطية مستمرة… وما زالت الدروس مستمرة.

عاش مع الجرح وعاش فيه. وصارت عيونه مرآة للعالم. وحفرت تجاعيد الحجارة في وجهه كتاب جروح, حبره الحزن وقرّاؤه العيون العاجزة… والمتعاجزة.
قال يا رب هذا قلبي وأنت الكفيل. نصب خيمته في قلب المعاناة, وتشبثت بسترته الواقية حتى كبَّلت يديه!
-بهذه اليد ودعتُ سامر, بهذه اليد حنوتُ على العذاب, بهذه اليد قلت للمحتل لا, بهذه اليد قرصتُ أجساد أولادي لعلّي أتأكد أن الموت لا يمزح معي.
حملتُ غزة بين يدي فهل تراها تهزمها رصاصة؟!

ودارت الأيام وجارت, يوم بسنة وشهيد بألف دمعة, ووائل بصوته يهز العالم. يحارب بالفكرة فيصمد على صوته شعب محاصَر بالداخل وقلوب لمّ شملها الوجع في الشتات.
علمتنا غزة أن الجرح على الجرح دواء.

وبينما كان يواسي الآلام على طول نزيفها في خان يونس, يستمر بإلهام القلوب وتربيتها, جاءته طعنةٌ في مساحة من الروح ظنّ الموت أنها لا زالت سليمة. من يقنع الموت أن روح الوائل أصبحت مأهولة بالندبات؟! وفي تفاوض طارىء وعجول, رُفعت الجلسة مع الموت وخطف روح حمزة… ابنه البكر وصديقه في المهنة والوجع.
-هذه المرة يا سماء اسمعيني قليلاً: وهبتُك الصغار كي لا ينسى الصغار. وصعد إليك الكبير ليتربى الشباب, ووقفت بين النيران وتصالحتُ معها ليصمد الكبار.
سلّم أبو حمزة جوهرة أخرى من روحه فبكَت معه الملائكة. وحاول أن يفرد أصابع حمزة الشهيد على وجهه, دفنها في لحيته كأن الدنيا أصبحت في نظره يداً!
وعاد للتغطية بعد ساعات فعلّم الدمعة كيف تكون غالية فعلاً. تراه هل كان يكابر لأنه ينتظره أن يصحو من نومه الأبديّ؟ ربّما… لكنه أراد أن يعلّمنا ثمن الحقيقة: تأتي الروح لتدافع عن فلسطين أو تندفن في أرضها. نقطة انتهى. كان معنا وائل الدحدوح, من قلب الصبر, من قلب الفخر: رجلٌ برتبة وطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى