شواهد مؤثرة من لبنان.. كيف أثّر الدولار على “أطباق الميلاد”؟
كلما ازداد وزن “حبشة العيد”، الطبق التقليدي على مائدة اللبنانيين في عيد الميلاد، كلما ارتفع سعرها في عام واحد من 5 ملايين و500 ألف ليرة، حتى 13 مليون ليرة، مواصلاً تحليقه إلى جانب كعكة العيد.
جورج، مثل الكثير من اللبنانيين يعيد حساباته، ويقرر الاحتفال بالعيد بشكلٍ محدود يتمثل في استبدال أطباق محل أخرى، وحذف بعض المكونات الرئيسية من أطباق أساسية.
في ظلّ هذا الواقع القائم، يأتي السّؤال التالي: كيف انعكسَت الأزمة المالية على تحضيرات، جورج وغيره، لعيد الميلاد؟ ما هو واقع الأسر المتوسطة ذات الدخل المحدود غير القادرة على مواكبة أجواء العيد كما يجب؟
كلّ شيء بالدولار
“الحبشة”، أو الديك الرومي، و”بيوش دو نويل”، كعكة العيد، يشكلان أساس مائدة الميلاد، لكنّ الأسعار خيالية وتفوق قدرة الكثيرين.
“بلينكس” جالت على بعض المتاجر التي تبيع أكلات العيد، فتبين أنّ ثمنها بالدولار ولا شيء بالليرة اللبنانية. فعلى سبيل المثال، يبدأ سعر “حبشة العيد” الكاملة من 150 دولاراً ويرتفع الرقم أكثر كلما ازداد الوزن.
أما كعكة العيد، بيوش دو نويل، فأسعارها تبدأ من 20 دولاراً وتزداد لتصل إلى أكثر من 100 دولار.
إذاً، وبحسبةٍ بسيطة، فإنّ التحضير لطعام الميلاد في لبنان لن يكون أقل من 80 دولاراً بالحد الأدنى، وذلك في حال أرادت العائلة أن تحتفل بالعيد بشكلٍ محدود ومن دون أي بذخ أو تبذير.
الأسعار ازدادت أكثر من 100%
أسعار مأكولات وأطباق العيد اختلفت بين العام الماضي والآن. ففي ميلاد العام 2022، كانت معظم الأسعار بالليرة خصوصاً أن الأسعار حينها لم تكن معروضة بالدولار.
على صعيد كعكة العيد، فإن سعر القالب الصغير منه أواخر العام 2022 كان يبدأ من مليون ليرة، فيما كان الدولار يناهز الـ46 ألف ليرة.
أما حالياً، فإنّ سعرها يبدأ من 20 دولاراً وأكثر، علماً أن سعر الدولار حالياً يناهز الـ90 ألف ليرة.
وبالتالي، فإن سعر القالب الصغير بات نحو مليون و800 ألف ليرة لبنانية، أي أن سعره ارتفع 80% في أواخر العام 2023 مقارنة بالعام الماضي.
وفي ما خصّ حبشة العيد”، فإنّ سعرها كان يتراوح في أواخر العام 2022 بين 100 و120 دولاراً.
إذا تم احتساب القيمة بالليرة، فإن قيمة الحبشة كانت تساوي آنذاك قرابة الـ5 مليون و500 ألف ليرة لبنانية (الدولار بـ46 ألف ليرة حينها). أما اليوم، فإن سعر الحبشة يبدأ من 150 دولاراً، ووفق دولار 90 ألف ليرة، فإن قيمتها تجاوزت الـ13 مليون ليرة لبنانية.
إزاء ذلك، يتبين أن سعر الديك الرومي ارتفع أكثر من 100% بين 2022 و2023، ما يعكس واقع الغلاء الذي يطال أطباق العيد.
مائدة واحدة بقيمة “راتب”
الأزمة التي طالت الرواتب انعكست بشكل كبير على موظفي القطاع العام الذين لا تتجاوز رواتبهم الـ200 دولاراً أميركياً في أحسن الأحوال.
الموظفون هؤلاء يواجهون الكثير من الضغوط المعيشية، فقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الشهرية محدودة جداً، فكيف إذا ارتبط الأمر بتكاليف الأعياد؟
اللبناني جورج، 44 عاماً، يقول لـ”بلينكس” شرط عدم الكشف عن هويته كاملة نظراً لوظيفته في أحد الأسلاك العسكرية، يقول إنّ الظروف الصعبة جعلته يستعدّ للإحتفال بعيد الميلاد ولكن ضمن إطار محدود جداً.
أضاف “المائدة اليوم تحتاج إلى راتبٍ كامل فعلياً. في حال أردنا شراء حبشة العيد كاملة وبيوش دو نويل وغيرها من الأطباق إلى جانب احتياجات أخرى، فإننا نحتاج بالحد الأدنى إلى أكثر من 150 دولاراً، بينما راتبي لا يتجاوز الـ200 دولار أميركي شهرياً. فكيف لنا أن نعيش باقي الأيام؟ الغلاء فاحش واحتفالات العيد باتت للمقتدرين فقط”.
“ادخار من أجل العيد”
يتحدّث جورج عن المعاناة التي تواجهها عائلات كثيرة بسبب الوضع الاقتصادي المُتردّي، مشيراً إلى أنَّ هناك الكثير من الأشخاص المتعففين الذين لا يعلم بهم أي أحد بينما ظروفهم صعبة جداً.
في المقابل، يقول جورج إنَّ فرحة الأطفال باتت أسيرة الظروف.
يتابع: “ماذا عسانا أن نفعل؟ لدينا أطفال ولا يمكننا حرمانهم من فرحة العيد. بكل أمانة، بدأت قبل فترة باقتطاع مبلغ 5 دولارات من راتبي كي أوفر المال لشراء احتياجات العيد. هذا ما استطعت فعله، فالظروف قاسية وأصلاً الرواتب لا تكفي لتسديد كافة المتطلبات خلال أيامنا”.
أطباق ألغيت
الإحتفال بعيد الميلاد يكون بين عائلات تجتمع مع بعضها البعض، والأمر هذا يؤدي إلى تقاسُم تكلفة المائدة وأطباقها.
تقول لينا (46 عاماً)، وهي أمّ لـ3 أطفال إنَّ الظروف الصعبة أرهقت الكثيرين وجعلتهم يستغنون عن أطباق العيد الأساسية مثل الديك الرومي أو الكعكة.
تضيف: “نظراً لأن الأسعار باهظة، فإننا قد نستغني عن الحبشة ونستعيض عنها بالدجاج العادي مع الأرز. هنا، الكلفة ستكون جداً متدنية ويمكن أن تقتصر على 30 دولاراً تقريباً لإعداد طبق كبير من الوجبة يكفي لـ10 أشخاص”.
وتكمل: “هناك أيضاً مأكولات استغنينا عنها خلال العيد، مثل المكسّرات الفاخرة، الكستناء، صحن الجبنة، وبتنا نلجأ إلى خيارات أقل تكلفة. كذلك، الأزمة دفعتنا إلى إعداد مختلف المأكولات في المنزل بدلاً من شرائها جاهزة مثل الكعك الذي بتنا نلجأ إلى إلغائه كلياً عن مائدتنا واستبداله بقالب حلوى عادي نقدمه على مائدة العيد