إسرائيل أبلغت أميركا: نخطّط لغزو جنوب لبنان
صدى وادي التيم-امن وقضاء/
لم تغِب جبهة جنوب لبنان عن اجتماع مُستشار الأمن القوميّ الأميركيّ جيك سوليفان مع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي يومَ الجُمعة الماضي. وكذلك حضرت في زيارة وزير الدّفاع لويد أوستن يوم الإثنين لتل أبيب.
بحسب معلومات “أساس”، حملَ المسؤولان رسالة أميركيّة مُفادها: “نتّفقُ معكم أنّه لا يُمكن العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) على الحدود مع لبنان، لكنّنا نُصرّ ونُؤكّد على ضرورة الحلّ السّياسيّ وعلى أن لا تفعلوا أيّ شيء يمكن أن يستفزّ الحزب”.
يعودُ سبب الاهتمام الأميركيّ إلى معلومات وصلَت إلى واشنطن تُفيدُ بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت يُفكّران بشكلٍ جدّي في إطلاق عمليّة عسكريّة تحت عنوان “إبعاد الحزب عن الحدود”.
لقد سمِعَ سوليفان وأوستن في تل أبيب من المسؤولين الإسرائيليين أنّ ما حصلَ يوم 7 أكتوبر في مستوطنات غزّة هو “لا شيء أمام ما يُمكن أن يفعله الحزب على الجبهة الشّماليّة”. قال الإسرائيليّون لأوستن وقبله لسوليفان: “سنعطي الدبلوماسيّة فرصة أخيرة لأسابيع قليلة. وسنقبَل في حال ابتعدَ الحزب 10 كلم، على أن لا يعود إلى مواقعه التي استهدفناها طوال الشهرين الماضيَيْن”.
ما سمِعَه الأميركيّون في تل أبيب نقلته مجلّة “تايمز” البريطانيّة عن مسؤولٍ إسرائيليّ رفيع المستوى قال: “ما حدث في الجنوب (غلاف غزّة) لا يقارن بما يمكن أن يفعلوه هنا (في الشّمال)”، وتابع: “العقيدة الإسرائيلية هي نقل الحرب إلى الجانب الآخر”.
من جهته قال مُستشار الأمن القومي الإسرائيليّ تساحي هانغيبي في مُقابلة مع القناة 12 العبريّة إنّ الكيان “قد يضطرّ إلى خوض حرب ضدّ الحزبِ لمنع وقوع نسخة أكثر دموية من أحداث 7 أكتوبر في شمال إسرائيل”. وأضاف: “لن يعود السّكان إذا كان ما نفعله في الجنوب ضدّ حماس لن نفعله في الشمال ضدّ الحزب”.
في الوقت نفسه تتصاعد أصوات من رؤساء بلديّات المستوطنات الشّماليّة بشكلٍ شبه يوميّ، والتي تدعو إلى القيام بعملٍ عسكريّ ضدّ الحزب. إذ تُواجه القيادة السّياسيّة الإسرائيليّة ضغوطاً من المستوطنين الذين باتوا يُعلنون عبر شاشات التلفزة العبريّة أنّهم لن يعودوا إلى منازلهم في حال انتهت حرب غزّة من دون إبعاد الحزب و”فرقة الرّضوان” عن الحدود. وتضمّ المنطقة الشّماليّة، بحسب دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة، 1.3 مليون شخص. وهو رقمٌ كافٍ لحسم أيّ انتخابات مُقبلة في إسرائيل. وهذا ما يجعل من مستوطني الشّمال “قوّة ضاغطة” على القيادة السّياسيّة الجامحة شهيّتها تجاه الحرب.
5 نقاط أساسيّة وحاسمة
هكذا بات الإسرائيليّون يُفكّرون بجدّية في التهديد الآتي من الشّمال. لكن في الوقت عينه لا يُمكِن إغفال حقيقة أنّ حرباً واسعة مع الحِزبِ ستُكلّف تل أبيب أضعاف ما تواجهه في قطاع غزّة. ويمكن أن نستعرض 5 نقاط أساسية:
1- تقول صحيفة “ديلي ميل” البريطانيّة إنّ التّخمة الصّاروخيّة لدى الحزب قادرة على “إرباك” منظومة القبّة الحديديّة والدّفاعات الجويّة الإسرائيليّة. وذلكَ نظراً إلى كميّة الصّواريخ التي يمتلكها الحزب والتي تزيد على 100 ألفِ صاروخٍ، من مختلف العيارات والمديات.
2- تُشكّل الصّواريخ الدّقيقة التي يمتلكها الحزب مثل صاروخ “فاتح 110″، الذي يبلغ مداه 300 كلم ويبلغ وزن حمولته نصف طنّ من الموادّ الشديدة الانفجار، مصدر قلقٍ جدّيّ لدى القيادة الإسرائيليّة، بحسب ما تقول صحيفة “هآرتس” العبريّة. وهي تُقدّر أنّ الحزب بات يمتلك الآلاف من هذه الصّواريخ، وعشرات الآلاف من صواريخ زلزال 1 و2 اللذيْن يراوح مداهما بين 160 و210 كلم وتبلغ حمولتهما 600 كلغ.
كما تقول الصّحيفة إنّ ترسانة الحزب تضمّ عدداً من صواريخ سكود بمدى يبلغ 700 كلم وحمولة 800 كلغ. ويذكر تقرير لـ”معهد واشنطن لدراسات الشّرق الأدنى” أنّ النّظام السّوريّ زوّد الحزب بهذه الصّواريخ سنة 2010، وهي بحسب المعهد “أسلحة استراتيجية كان حافظ الأسد قد منع وصولها إلى الحزب لفترة طويلة كجزء من سياسة حافة الهاوية المدروسة بشأن لبنان والتي قيّدت قدرة الحزب القتالية وجعلت الزعيم السوري الحكَم الذي لا غنى عنه في الحرب”.
3- يستطيع الحزبُ أن يُكمِلَ “الحصار البحريّ” الذي بدأه الحوثي في البحر الأحمر. إذ يمتلكُ العشرات من صواريخ أرض – بحر “ياخونت” الرّوسيّة المُتطوّرة، التي تُحلّق على علوّ مُنخفض، وهو ما يُصعّب مهمّة كشفها، ويبلغ مداها 300 كلم وحمولتها 200 كلغ.
4- أمّا العمليّة البرّية فهي التّحدّي الأكبر أمام الجيش الإسرائيليّ. إذ إنّ الضّربات الجويّة لا تكفي لإبعاد الحزب عن الحدود من دون عمليّة برّيّة. وهذا يعني أنّ الجيش الإسرائيليّ سيقع حتماً بمصيدة دبّاباتٍ أصعب من تلكَ التي يواجهها في غزّة، خصوصاً مع استخدام الحزب قبل أيّام قليلة منظومة “دوبل كورنيت”، النّسخة المُطوّرة من “كورنيت” في استهداف ثكنة “متات” الحدوديّة.
تُقدّر هآرتس امتلاك الحزب الآلاف من هذه الصّواريخ، إلى جانب أسلحة أخرى مضادّة للدّروع. وهي تُطلَق من مسافة 3 – 5 كلم، أي من دون التحامٍ مباشرٍ مع الآليّة كما هو حال مُضادّات الدّروع التقليديّة.
5- كما تتردّد معلومات نقلتها صحيفة “وول ستريت جورنال” مطلع تشرين الثّاني الماضي مفادها أنّ منظّمة “فاغنر” الرّوسيّة سعت إلى نقل منظومة “بانتسير- إس1” للدفاع الجوّيّ التي تتصدّى لأهداف على ارتفاع 15 كلم. وهذا إن صحّ يعني أنّ الطائرات الإسرائيليّة ستواجه تهديداً قد يُفقدها ميزة المناورة على علوّ منخفض، وكذلك الأمر بالنّسبة للتصدّي لأهداف جو – أرض والمُسيّرات.
الحزب لن ينسحب
قد تكون التصريحات الإسرائيليّة المُتعاقبة من نتانياهو وغالانت وبيني غانتس في إطار الضّغط السّياسيّ لدفع الجهود الدّوليّة الرّامية إلى تخفيف التّوتّر على الحدود ودفع الحزب إلى الانسحاب شمال نهر الليطانيّ. لكنّ الحزبَ ليسَ في واردِ البحث أو التّفكير في هذا الاقتراح.
لقد كانَ المبعوث الرّئاسيّ الفرنسيّ جان إيف لودريان يلتقي برئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمّد رعد لنقل المُقترحات الأوروبيّة حين أطلقَ الحزب “طائرة مُسيّرة انقضاضيّة” نحوَ موقع إسرائيليّ تزامناً مع انتهاء الهدنة في قطاع غزّة.
كما أنّ الحزبَ ينظُر إلى ما يحصل في غزّة كتهديدٍ وجوديّ له ولنفوذه في لبنان والإقليم. وقد يكون من الخِفّة الاعتقاد أنّ الحزبَ الذي يستمدّ قوّته ونفوذه السّياسيّ من ترسانته العريضة من الصّواريخ والمُسيّرات قد يقبل بالانسحاب إلى شمال الليطانيّ مُقابل “صفقة رئاسيّة”. إذ فقدَ أكثر من 100 مُقاتل من عناصرِه في هذه المعركة، وهذا يدلّ على أهميّتها بالنّسبة إلى قيادته.
كذلك الأمر بالنّسبة إلى ما يُنقَل من مُقترحات أميركيّة حول حلّ مسألة الحدود البرّيّة. إذ إنّ من يقرأ بيانات الحزب “الحربيّة” بتأنٍّ يجدُ أنّه أعادَ استحضار مسألة “القُرى السّبع”، وباتَ في أغلب عمليّاته يُركّز على المواقع ضمن تلكَ السّرديّة الجغرافيّة: “المالكيّة، كريات شمونة (خالصة)، رميم (هونين)، وغيرها”، ويُرفقها بعبارة “البلدة اللبنانيّة المُحتلّة”. وهذا يدلّ على أنّه لن يُظهِرَ ليونةً في مسألة الحدود البرّيّة إذا طُرِحَت في هذا التوقيت ورُبِطَت بمسألة الانسحاب إلى شمال الليطانيّ.
5 أسباب للحزب أيضاً
كثيرة هي الأسباب التي تدفع الحزب للتّصلّب في وجوده على امتداد الشّريط الحدوديّ من ساحل النّاقورة وصولاً إلى مزارع شبعا:
1- يُريدُ الحزب أن يكونَ شريكاً في “الانتصار” إذا ما صمدَت حركة “حماس” في وجه الحرب الإسرائيليّة. وهذا ما يستطيع “تقريشه” في الدّاخل وفي الإقليم.
2- تُعتبر نظريّة “وحدة السّاحات” الإرث الأكبر الذي تركه قائد قوّة القدس السّابق قاسم سليماني. وهذه اللحظة تُعتبر مصيريّة بالنّسبة إلى تثبيت هذه النّظريّة من عدمه، وكذلك بالنّسبة إلى “قوى المحور” برمّته.
3- يسعى الحزبُ عبر وجوده على الحدود إلى محاولة ردع أيّ تفكيرٍ إسرائيليّ في نقلِ الحربِ إلى لبنان لضربه في حال استطاعَ نتانياهو ضربَ حماس في غزّة، وإن كانَ هذا الأمر بعيد المنال حتّى السّاعة.
4- يطمح الحزبُ إلى تثبيت وجوده العسكريّ والسّياسيّ في التغيّر الإقليميّ بعد حرب غزّة وعمليّة حماس في 7 أكتوبر. ويدخل في ذلك محاولته وإيران تعزيز حلفائهما الإقليميين من سوريا وصولاً إلى اليمن ومروراً بالعراق. إذ ما يحصلُ في جنوب لبنان والبحر الأحمر وشمالي العراق وسوريا ليسَ منفصلاً عن المُحادثات غير المُباشرة بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان.
5-إنّ أيّ انكفاءٍ للحزب عن الحدود، بالدّبلوماسيّة في هذه المرحلة، يُعدّ هزيمةً على المقياسَيْن السّياسيّ والعسكريّ، خصوصاً إذا ما كانَ ذلك من جانبٍ واحد. وهذا يعني أنّ الحزبَ سيضطرّ بعدها إلى تقديم التنازل تلوَ الآخر.
هي حافّة يرقص عليها نتانياهو والحزب. فالأوّل يسعى إلى إنقاذ مستقبله السّياسيّ من نيران “طوفان الأقصى” بأيّ ثمنٍ. والأخيرُ يُريدُ الحفاظ على وجوده العسكريّ والسّياسيّ. وبينهما الحِراك المُتصاعد تدريجيّاً من رأس النّاقورة إلى سفوح جبل الشّيخ، على وقع المُبادرات الدّبلوماسيّة الرّامية لسحب صواعق التفجير.
فهل تنفجر قنبلة لبنان بين يديْ نتانياهو أم تسبقها الدّبلوماسيّة؟
المصدر: ابراهيم ريحان – اساس ميديا