الجيشُ على الحيادِ جنوبًا
صدى وادي التيم-لبنانيات/
سقطَ شهيدٌ وعددٌ من الجرحى للجيشِ اللّبناني، في الجنوب، دون مواجهة مع العدو الإسرائيلي، الّذي يستهدفُ مواقع الجيش المُتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، والمنتشر فيها عند الخطّ الأزرق، الذي تمّ ترسيمه بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في ٢٥ أيار ٢٠٠٠، وتحفّظ لبنان على ١٣ نقطة، قضمها الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشّمالي من بلدة الغجر.
فلبنان مُلتزم بالقرار ١٧٠١، الّذي صدر في ١٢ آب ٢٠٠٦، مع العدوان الإسرائيلي عليه، وتحديدًا مقاومته وبنيته التّحتيّة، فأوقف الأعمال العسكريّة، لكنّه كان يخرق القرار، والاعتداء على السّيادة اللبنانية برًّا وبحرًا وجوًّا، فتمّ تسجيل آلاف الخروقات، من قبل الأمم المتحدة وقواتها في جنوب الليطاني.
ولم يكن الجيش حياديًّا، عند كلّ اعتداء إسرائيلي على الأرض اللبنانية، بل كان يتصدّى لجنود الاحتلال في أكثر من نقطة حدوديّة، لا سيما في العديسة، عندما حاول العدو اقتلاع شجرة من داخل الأرض اللبنانية، فوقف بوجهه جنود الجيش وضبّاطه ومنعوه من تحقيق هدفه، وفي هذه البقعة استشهد الرقيب عبد الكريم المقداد، قبل أيّام، في قصف إسرائيليّ، وجرح معه ثلاثة من الجنود.
هذا العدوان الإسرائيلي، ضدّ الجيش، وهو ليس الأول على مراكزه عند الشّريط الحدودي، وقد أخلى بعضها، وهذا يؤكّد بأنّ الكيان الصّهيوني، يتحيّن الفرص، لشنّ حرب جديدة على لبنان، وقد سبقته المقاومة، بإشغاله عند الحدود، بعد عمليّة “طوفان الأقصى” التي قامت بها “كتائب القسّام” التّابعة لحركة “حماس” في ٧ تشرين الأول الماضي، فدخل “حزب الله” باشتباكٍ ضمن قواعد معيّنة، كي لا تتوسّع الحرب، فصوّب سلاحه باتجاه المواقع العسكريّة، وكان يردّ على أيّ اعتداء يطال المواطنين، وهو فعل ذلك عندما كان يتعرّض للجيش، الذي يلتزم عدم الرّدّ، عملًا بالقرار ١٧٠١، والتّوجّه إلى الأمم المتحدة، لتقديم شكوى، أو إبلاغ عن الاعتداء.
وسارعَ العدوُّ الإسرائيليّ، إلى الاعتذار، وبأنّه لا يقصد الجيش، الذي تريده أميركا وإسرائيل ودول أخرى، لتطبيق القرار ١٧٠١، وإقامة منطقة منزوعة السّلاح، وإخراج “حزب الله” منها، لا سيّما “قوّة الرّضوان” التي يخشاها العدو الإسرائيلي، وهي تضمّ نحو ٢٣٠٠ عنصر، ومهيّأة للدّخول إلى الجليل الأعلى في فلسطين المحتلّة، كما فعل مقاتلو “كتائب القسّام” في غلاف غزة.
من هُنا يعودُ السّؤال حول دور الجيش، الّذي قد يعود الخلاف بين اللّبنانيين، عن المهام الّتي سيقوم بها، هل سيكون “حرس الحدود” للكيان الصّهيوني، كما أراد منه اتفاق الهدنة في العام ١٩٤٩، والّذي اشترط على الجيش أن لا يتسلّح، إلّا بسلاحٍ محدّدٍ في الاتفاق، ممّا سهّل على العدو الإسرائيلي، القيام باعتداءاته على لبنان على مراحل ومنعه من استغلال مياهه في نهري الوزاني والليطاني، إضافة إلى عدم السّماح ببناء جيش مُقاتل، كما كان العدو الإسرائيلي يفعل، اذ كان شعار النّظام السّياسي وأركانه، وتحديداً حزب الكتائب واليمين اللّبناني أنّ “قوّة لبنان في ضعفه”، وهذا ما كان يردّده رئيس حزب الكتائب بيار الجميل أو طلب رئيس حزب الكتلة الوطنيّة العميد ريمون إده استدعاء ما كان يسمّيه “البوليس الدولي” للفصل بين لبنان والكيان الصّهيوني، ومنع وجود مسلّح عند الحدود، بعد أن تمركزت حركة “فتح” وفصائل فلسطينية أخرى في منطقة العرقوب، والّذي تسبّب الوجود الفلسطيني المسلّح، بحربٍ داخليّة في لبنان.
لذلكَ فإنّ وقوفَ الجيش على الحياد، واستحضار تنفيذ القرار ١٧٠١، بعد ١٧ عامًا على صدوره، يُعيد لبنان إلى مرحلة الانقسام الدّاخلي، حول الجيش، بعد أن أظهرت المقاومة قوة لبنان في ردع العدو الإسرائيلي، وقيام ثلاثيّة “الجيش والشّعب والمقاومة”، الّتي يُعارضها أطراف لبنانيّون، يدعون إلى حياد لبنان، وهو شعار رفعه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ويلاقي مؤيّدون له، منذ وجود الكيان الغاصب، الّذي من ضمن مشروعه ضمّ لبنان إلى “إسرائيل الكبرى” وسعى إلى أن تكون حدود دولته العبريّة، عند نهر الأولي قرب صيدا.
فالمعركةُ في الجنوب، فتحَها “حزب الله”، لاستنزاف العدوّ الإسرائيلي من ضمن “وحدة الساحات”، تخفيف الضّغط العسكري عن غزة، وهو لن يتراجع عن دوره العسكريّ عن غزة، وهو لن يتراجع عن دوره العسكريّ في هذه المرحلة، الّتي يتعرّض فيها للضّغط الدّوليّ، كما لمطالب أطراف لبنانيّة، أن يُخلي جنوب اللّيطاني للجيش ليبدأ إقامة منطقة منزوعة السّلاح، تنفيذًا للطّلب الإسرائيلي، في وقت يعتبر الكيان الصّهيوني من بين الدّول الأربع الأقوى عسكريًّا.
إنّ دورَ الجيشِ في الجنوب في تطبيق القرار ١٧٠١، أعاد النّقاش حوله.
المصدر: كمال ذبيان – الأفضل نيوز