معلومات استخباراتيّة أميركيّة: من يقاتل جنوبًا ليس قوات النخبة في الحزب

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

هل تدفع المنطقة ومعها لبنان ثمن التباين الاميركي- “الاسرائيلي” حيال كيفية ادارة الحرب الدائرة على عدة جبهات، وان بمستويات مختلفة؟ هذا السؤال عاد الى الواجهة في ظل الخلاف على واقع ادارة العملية العسكرية في غزة، وكذلك على اليوم التالي للحرب، فضلا عن التباين الكبير في كيفية التعامل مع طهران وحلفائها.
وفيما تعتمد الادارة الاميركية استراتيجية ضبط النفس لمنع انزلاق المنطقة الى مواجهة شاملة، تتعمد “الحكومة الاسرائيلية” المصغرة المنقسمة على نفسها القيام بخطوات استفزازية، كانت ذروتها على الجبهة الشمالية من خلال استهداف الجيش اللبناني على نحو مباشر، بهدف ايقاع خسائر بشرية في صفوف جنوده وضباطه، وهذا ما يعيد الى الواجهة من جديد احتمال قيام مسؤولي كيان العدو “بالهروب الى الامام”، من خلال حسابات خاطئة غير مبنية على واقع الميدان، وانما على الواقع السياسي المأزوم لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الذي يتربط مصيره باطالة الحرب وربما توسعتها.

الخلاف الرئيسي يبدأ من ساحة المواجهة في غزة، وكلما طالت الحرب وتعقدت، فان الخلاف مع الاميركيين سيتوسع اكثر، كما تقول اوساط ديبلوماسية، فواشنطن ترغب بشدة بالتخلص من حركة حماس، لكنها لا تثق بقدرة “الجيش الاسرائيلي” على تحقيق ذلك! وهي لم تحصل بعد على جواب حول طريقة تحقيق الاهداف المعلنة، ونصحت “الاسرائيليين” بتحقيق “صورة انتصار” رمزية، دون تحقيق انتصار فعلي في الحرب بشكل عام، لكن “اسرائيل” تصر على عكس ذلك، وفي الوقت نفسه لم تحقق اي نصر “رمزي” حتى الآن، ولهذا تحاول الادارة الاميركية وضع جدول زمني غير مفتوح، خوفا من خروج الامور عن السيطرة في اكثر من جبهة، وهذا ما يغضب “الحكومة الاسرائيلية” التي تشعر بالرضى على الجسر الجوي الاميركي، الذي يواصل نقل الاسلحة المتطورة، لكنها تشعر “بالضغط” لانها مقيدة في الزمان والمكان، ولهذا تحاول المناورة لاحراج الاميركيين وربما توريطهم.

وهكذا “يتهرب ” نتنياهو من نقاش الأميركيين حول ما سيحدث في القطاع في اليوم التالي للحرب، بعد هزيمة حماس (التي من غير الواضح إذا كانت ستتحقق)، باقرار غالبية المحليلين “الاسرائيلين”، وهو يصر على أن السلطة الفلسطينية لن تكون جزءاً من الحل. وهو بذلك يحرج الاميركيين مع حلفائهم العرب، الذي يطالبون باجوبة غير متاحة حتى الآن، وهذا ما رفع من مستوى الارتياب في مصر والاردن من وجود “قطبة مخفية”، لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين بحكم الامر الواقع، وهو ما يحاول الاميركيون نفيه، دون تأكيد عكسه؟!

ويبدو ان الاستياء “الاسرائيلي” من الاميركيين لا يتعلق فقط بالجبهة مع حماس، فبرأيهم ثمة تطور دراماتيكي من “بوابة” اليمن، حيث الحوثيون يزيدون هجماتهم على المواصلات البحرية في بحر العرب والبحر الأحمر. وبرأي حكومة العدو لم تعد هذه مشكلة “إسرائيلية” فحسب، فإطلاق المسيرات والصواريخ في الحقيقة موجه ضد سفن بملكية “إسرائيليي”ن بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنه أضر أيضاً بسفن أخرى وموجه أيضاً نحو قوة المهمات الأميركية. والهجوم الحوثي هذا قد يشوش على حركة الملاحة في قناة السويس ويزيد من كلفة الملاحة، ثم التسبب بزيادة واضحة في تكلفة الاستيراد لدول كثيرة.

ووفقا “للاسرائيليين”، فان هذه المشكلة هي مشكلة الولايات المتحدة اولا، ويتعين عليها معالجتها عاجلا لا آجلاً عبر التخلي عن سياسية التحفظ، والبدء بالاحتكاك المباشر مع الحوثيين، لان التهديد بعقوبات اقتصادية لن يحقق اي هدف، وقد حان الوقت لأن تتعامل الولايات المتحدة مع صنعاء وكذلك مع طهران، التي تحرك كل شيء دون ان تدفع اي ثمن

وفق تعبير صحيفة “هآرتس”!

وفي هذا السياق، لفتت تلك الاوساط، الى ان استهداف موقع الجيش اللبناني في العديسة في جزء منه كان “رسالة اسرائيلية” للاميركيين عبر الساحة اللبنانية، فهو تجاوز ل”خط احمر” اميركي تردد صداه في البيت الابيض ووزارة الخارجية، اما مضمونها فهو ان “اسرائيل” ليست في وارد الانصات للنصائح الاميركية بعدم توسيع رقعة الاشتباك، وبعدم استهداف مراكز الجيش اللبناني، الذي ترى الادارة الاميركية ان دعمه ضرورة لمواجهة نفوذ حزب الله على المدى الطويل. ولهذا فان هذا الخرق “الاسرائيلي” لقواعد الاشتباك السائدة حاليا على الجبهة في الجنوب، يعتبر مؤشرا خطيرا بالنسبة للاميركيين، الذين باتوا يخشون من خروج الامور عن السيطرة داخل الحكومة الامنية المصغرة ، حيث بلغت الخلافات مداها بين اعضائها، وباتت “لعبة المصالح” الشخصية هي الحاكمة في ادارة الحرب، سواء في غزة او على الجبهة الشمالية مع لبنان.

ووفقا للمعلومات، فان السفارة الاميركية في بيروت وثقت الهجوم على مركز الجيش، واطلعت الخارجية الاميركية على تفاصيله، وقد جرى تصنيفه ب”الهجوم المباشر غير المبرر”. وتتحدث المعلومات الديبلوماسية عن “سخط” اميركي واضح حيال “الخطوة الاسرائيلية” التي تقوض:

– اولا: الحملة الداخلية الممنهجة التي تديرها اعلاميا وسياسيا، لاتهام حزب الله بتوريط لبنان بحرب لا شأن له فيها، ذلك ان استهداف المؤسسة العسكرية يوحد اللبنانيين!

– ثانيا: ان عملية الاستهداف تقدم مؤشرات خطيرة عن وجود رغبة لدى بعض اعضاء المجلس الوزاري “الاسرائيلي” لتوسيع الحرب، من خلال خطوات استفزازية قد تدفع الامور الى “نقطة اللاعودة”، وهو ما لا ترغب به واشنطن، التي لا تزال تضبط نفسها على كافة الجبهات.

هذه المعطيات، تثير الكثير من القلق في دوائر القرار في واشنطن، في ظل قناعة لدى الكثير من مسؤولين كبار في الخارجية، بان الدعم “الاعمى لاسرائيل” قد تدفع ثمنه الولايات المتحدة باهظا في المنطقة الموجودة فوق “برميل بارود”، وهو قلق تسرب ايضا الى بعض الدوائر في البنتاغون، ولهذا ثمة ضغوط داخلية لمحاولة كبح جماح نتانياهو لمنعه من القيام بخطوات متهورة، قد تدفع الجميع الى “الهاوية”. وفي هذا السياق، حصل “الاسرائيليون” على معلومات استخباراتية اميركية تفيد بان المواجهة القاسية مع حزب الله حاليا، لا تخوضها فرقة “الرضوان”، التي تقدم دعما لوجستيا محدودا لفرقة عسكرية اخرى تدير العمليات راهنا، وهي اقل تدريبا وتسليحا، وغالبية مَن سقطوا من الطرف الآخر لا ينتمون الى “الرضوان”، بحسب الاميركيين..

وتهدف هذه المعلومات الى تحذير “الاسرائيليين” من التفكير باي مغامرة “مجنونة”، على اعتبار ان من يواجههم بقسوة في الميدان الآن ليست قوات “النخبة” في حزب الله، وعندما تدخل المواجهة ستكون هناك حسابات أخرى. ولهذا يجب ان تكون الردود العسكرية مبنية على وقائع لا اوهام “الكابينيت”، التي قد تؤدي الى حرب شاملة غير محسوبة النتائج. فهل تنجح اميركا في ترويض “الثور” الهائج؟ ام تدفع ثمن دعمها غير المحدود بخروج الامور عن السيطرة؟

المصدر: ابراهيم ناصرالدين – الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!