“طوفان الأسرى” قريباً

صدى وادي التيم-متفرقات/

كل من ينتصر للشعب الفلسطيني المقهور ولقضيته في كل أنحاء المعمورة، فرِحَ وشعرَ بنشوة الانتصار السبت الفائت، وشفى غليله وانتقامه من العدو الصهيوني الذي أمعن في قتل وتشريد واحتلال وتدمير بلد عن بكرة أبيه، وذلك على مدار ثلاثة أرباع قرن من الزمن.

لكن الفرحة والنشوة لا تقاس عند الأسرى في سجون الاحتلال، الذين بدأوا يعدّون الساعات المتبقية لهم في أقبية السجون، لا سيما المحكومين بالمؤبدات. وبات موعدهم مع الحرية قاب قوسين أو أدنى.

بلغ عددُ صفقاتِ تبادل الأسرى بين العرب وإسرائيل منذ النكبة عام 1948 حتى اليوم 38 صفقة، وأكبر تلك الصفقات حصلت في أعقاب الحروب الكبرى بين العرب وإسرائيل، وتحديدا عقب حروب 1948 و1967 و1973، حيث أسرت إسرائيل آلافًا من العسكريين والمدنيين في تلك الحروب وبادلتهم بأسراها لدى الدول العربية أو بجثث قتلاها.

ومن ثم راحت تتم صفقات التبادل بين فصائل فلسطينية ولبنانية مقاومة من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، كون الأنظمة العربية إما طبّعت علاقاتها مع الكيان أو وقّعت اتفاقات هدنة معه.

ودائماً كان عدد الأسرى أو الجثث العرب المفرج عنهم يفوق كثيراً ما يقابلهم من الإسرائيليين، لا سيما في الصفقة الأخيرة لحركة “حماس” التي تمكنت من الإفراج عن 1027 أسيراً مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011. بل أكثر من ذلك، قبل عام 2009 أفرجت إسرائيل عن 20 أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو من حماس يثبت أن الجندي جلعاد شاليط لا يزال حيا لديها.

وعليه، فإن الصفقة المرتقبة بين “حماس” والعدو بعد أن تحط الحرب أوزارها، قياساً بصفقة شاليط، سوف تكون مختلفة عن الصفقات السابقة، وفي أقل تعديل، لا بد من أن تُكنس سجون الاحتلال حتى آخر سجين فلسطيني أو عربي مهما كانت فظاعة “جرائمه” بحق الإسرائيليين.

بل أكثر من ذلك، قد لا تقتصر صفقة التبادل المرتقبة على تبادل الأسرى وحسب، إنما سوف تُضمّن “حماس” الصفقة شروطاً عدة من خارج إطار تحرير الأسرى، فمثلاً يمكنها أن تشترط إعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار عنه أو تخفيف قيوده، فهذا القطاع هو الأكثر اكتظاظا في العالم، وسكانه يعيشون أسوأ الظروف الاقتصادية والإنسانية بسبب الحصار المضروب عليهم منذ ما ينوف 17 عاماً.

علماً أنه بدأت أصوات إسرائيلية تطالب بتحرير الأسرى قبل كل شيء، ويقول الكاتب في “هآرتس” آسا كيشر، إن “الدولة ملزمة بأن تقول، بالفم المليء وبشكل لا لبس فيه، إن لها واجبا تجاه كل من يوجدون في أيدي العدو والعمل كما ينبغي كي تعيدهم إلى الديار بسلام، جنودا ومدنيين”.

لكن الكاتب نفسه، ورغم إصراره على وجوب تحرير الأسرى، يسأل عن المقابل: ” كم سجينًا فلسطينيًا من المسموح تحريرهم لأجل فدية الإسرائيليين من أيدي العدو؟ هنا سيكون تبعا لمبدأين: الأول، تحرير سجناء سيكون ملزمًا بأن يتم بشكل لا يرفع جدا الخطر المحدق بالإسرائيليين من قبل السجناء المحررين، ممن قد يتجندون من جديد لأعمال “الإرهاب”. في هذا سيكون لرأي “الشاباك” والجيش الإسرائيلي المفاتيح للعمل”.

ونشير هنا، إلى أن الإسرائيليين لديهم تجربة مرّة مع الأسرى بعد إطلاق سراحهم، إذ يعودون إلى صفوف المقاومة بنمطية وبطريقة أشرس وأفعل، وربما زعيم “حماس” في غزة يحي السنوار الذي أطلق سراحه ضمن صفقة التبادل عام 2011 مثالا صارخًا على ما نقول، والذي ندمت إسرائيل كثيرًا على إطلاق سراحه فيما بعد.

أما الكاتب في “يديعوت” شمعون شيفر، يقترح: “ينبغي أن يقال لقادة المخابرات المصرية، الذين يبقون على اتصال غير مباشر بيننا وبين “حماس”، إننا مستعدون لنحرر دون إبطاء كل السجناء الأمنيين المحتجزين لدينا مقابل العودة الفورية لكل المخطوفين المحتجزين في غزة”.

ويتابع الكاتب، أن “انغلاق حس نتنياهو والحكومة – التي يغيب أعضاؤها ليس فقط عن وسائل الإعلام بل أيضا عن التجند الأكثر أساسية للوقوف ومساعدة أولئك الذين فقدوا عائلاتهم”، ويختم مقاله بأن السبب بما عليه إسرائيل اليوم هو “الخطيئة الكبرى التي وقعت فيها محافل الاستخبارات، وليس للمرة الأولى هي خطيئة الغرور – خطيئة الاستخفاف بقدرات “حماس”.

أيام معدودة ويُطلق سراح الأسرى الذين يعانون الأمريْن في سجون الاحتلال هذه الأيام، لأن سجّانيهم يدركون هذه الحقيقة، وبأن هؤلاء المساجين سوف يعودون إليهم مقاومون أشداء، وربما يصنعون لهم سبتًا آخر أشد ضراوة وقسوة. والأهم من ذلك، فليسترح وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير من إعداد دراسة لكيفية إدارة السجون، عن طريق “فرض عقوبات جديدة، تمثلت، في تقليص مدة الاستراحة بساحة السجن.. وتقليص أصناف المنتجات المعروضة في مطعم السجن.. وتقليص عدد قنوات التلفزيون في السجون، وإلغاء ممثل الأسرى أمام مصلحة السجون، وغيرها الكثير التي تصب في خانة التضييق على المساجين”.

سوف تُخلى السجون يا بن غفير من ساكنيها، وسيقتصر السجن عليك وعلى أقرانك المحجوبون عن نور الشمس، الذين استحالت عندهم كل أيام الأسبوع سبتاً، إذ يمرون بسُبات عظيم وصمت عن الكلام غير مسبوق على أناس يجيدون الثرثرة، واليوم لا يجرؤون على الحديث أو النطق ببنت شفة مع “مواطنيهم” أو مع الإعلام عمّا سيفعلون لأبناء جلدتهم بعد نكبة يوم السبت.

المصدر: مهدي عقيل -الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى