“طيف تمّوز” يُلاحق الجنوبيين وتخوّف من “جهاد لاند”
صدى وادي التيم-لبنانيات/
تَزخَر الذاكرة الجنوبية بمجموعة حيّة من الحروب والاحتلالات والنزوح والتهجير، التي لا تزال راسخة في وجدان الأهالي، متسلّلة من جيلٍ إلى جيلٍ، بالمرويات وحكايات الآباء أو عبر اختبارها وعيش مرارتها. تشكّلت لديهم خُبُرات متراكمة في التعامل مع قرارات وجودية كهذه. فحجارة بيوتهم بَنَتها الأخطار والتحدّيات الحاضرة، وسط حضور دائم لغياب الدّولة في سياساتها الداخلية من جهة وقُصر كعبها في المحافل الدولية من جهة أخرى. أساساً لا يُركن إليها في الأزمنة المصيريّة. كما أنّ البنى التحتية في الجنوب كما في كلّ لبنان، غير مُجهّزة لمحاكاة الحروب أو أي كوارث طبيعية. لا دويّ لصفّارات الإنذار. لا دعوة للنزول إلى ملاجئ غير موجودة أصلاً.
لا جدوى من اجتماعات حكومية أكانت مُصغّرة أم جامعة، منقسمة أم مكتملة الصورة. لا إطمئنان أو انتظار لما سيقوله هذا الوزير المعني أو ذاك أو أي مسؤول رسميّ. قرار الجنوبيّ الأعزل هو ملجأه. لا خطّة رسميّة للمغادرة. كلّ فردٍ هو مُرشد خياره بالبقاء أو الرحيل وتخمين الطريق التي يجدر سلوكها. وحدها قيادة الجيش اللبناني دعت المواطنين إلى اتّخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر وعدم التوجّه إلى المناطق المحاذية للحدود حفاظاً على سلامتهم.
ليست الحرب الأولى ولن تكون الأخيرة. إنها المعادلة الثابتة في عقول وهواجس الجنوبيين. تزورهم الويلات في عزّ مواسمهم التي يشتهرون بها ويعتاشون منها، أي بين شتلة التّبغ في لهيب حرب تمّوز، وغُصن الزّيتون في «طوفان» تشرين الأوّل. هل يُقطف الحصاد وتدور معاصر الزيت؟ أم تشتغل آلة الحرب وتحصد معها الأرزاق والأرواح؟
رغم تعاطفهم مع القضية الفلسطينية ومآسي شعبها وبطولاته في غزّة والضفّة، وما عانوه من مسلسل الاجتياحات الإسرائيلية للجنوب منذ العام 1978، غير أنّهم يتوجّسون من أن يكون ربط الساحات على حساب فسحات استقرارهم الهشّ الضيّق، وأن يُزجّ بهم في أتون يمكن تجنّبه طالما أنّ النتائج والحسابات غير محسومة أو محسوبة. هل ننتهي من حرب لندخل في أخرى بعد 10 أو 20 سنة؟ ويتساءل العديد من أهالي القرى الحدودية: هل انتقلنا من «فتح لاند» إلى «جهاد لاند»، إشارة إلى «حركة الجهاد الإسلامي» بالسماح لعناصرها باقتحام الحدود وإشعال الجبهة الجنوبية؟ ماذا عن المصلحة اللبنانية؟ لماذا لا تباشر الأجهزة الأمنية والعسكرية وقوّات الأمم المتّحدة (اليونيفيل) بضبط الحدود ومنع المتسلّلين طالما أنّ الحكومة اللبنانية لم تأخذ قرار الإنخراط بالمواجهة الشاملة وربط الجبهات؟ من يعوّض علينا كلفة الدمار والإعمار؟ هواجس مشروعة تُقلق البلدات. لم تنسَ بعد أهوال حرب تمّوز. نزح القسم الأكبر من النساء والأطفال وكبار السنّ لا سيّما في عين إبل ودبل ورميش ويارون وعيتا الشعب وبيت ليف ويارين والضهيرة ومروحين وعلما الشعب والقرى المجاورة نحو بيروت كوجهة أساسية، إضافة إلى مناطق صور.
في المقابل، قرّر بعض الشباب والعائلات انتظار ما ستؤول إليه المستجدّات. لا يريدون إخلاء قراهم نهائيّاً، إذ فرضت مشكلة النزوح السّوري عليهم البقاء، خصوصاً بعدما حصل في رميش في اليومين الماضيين، حيث اصطدم الأهالي مع النازحين رافضين دخول بلدتهم، التي لم تعد تتّسع لأعداد إضافية وتحوّلت إلى مركز نزوح، فيما استقبل «الرميشيّون» أهالي عيتا الشعب ويارون المجاورتين. فالعلاقات الأهلية جيّدة وتعزّزت في حرب تمّوز، ويستعيد الأهالي مشاهد تلك الفترة، يتذكّرون تقاسم اللقمة والمياه، وكيف أن أهالي عيتا الشّعب منعوا «المقاومين» المسلّحين من أبنائهم المنتمين إلى «حزب الله» أو «حركة أمل» من دخول رميش كي لا تتعرّض الأخيرة للقصف الإسرائيلي آنذاك، وفق ما يشير أحد أبنائها. «اليوم، لا يكمن الخوف من عناصر «الحزب»، بل من المسلّحين الفلسطينيين، من «يمون» عليهم؟ من يضبطهم؟».
أمّا المحظوظون من موظّفي «اليونيفيل»، فيمكنهم التوجّه مع عائلاتهم إلى مراكز قوّات الأمم المتّحدة في الجنوب بناءً على معطيات وإرشادات قيادتها وتطوّر الأحداث. حتى أمس، اقتصرت دعوة عامليها على أخذ الحيطة والحذر وعدم التوجّه إلى المناطق الساخنة والتزام المنازل.
المصدر: طوني عطية-نداء الوطن