الإنسان في مواجهة الذكاء الاصطناعيّ… هل انقلب السّحر على السّاحر؟
صدى وادي التيم-متفرقات/
إخترقت مُصطلحاتٌ حديثة الفضاء الإلكترونيّ، مُصطحِبةً معها موجة من التّطوّرات “الخارقة” والتي تفوق قدرة الإنسان على الاستيعاب. فمَن منّا لم يسمَع سابقاً بالـAI أو الـChatbot أو ببرنامج الدردشة ChatGPT؟ ومَن لم يُحاول تفكيكَ لغز هذا العالم الجديد – “القديم” الّذي بدأ يفرضُ نفسه علينا بتقنيّاتٍ وبرمجيّاتٍ حديثة تهدف إلى إعطاء الأنظمة الحاسوبيّة القدرة على “التّفكير” والتعلّم واتّخاذ القرارات بمستوًى يُشبه القدرات البشريّة؟
ويُنظر اليوم إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي على أنّها لا تزالُ في مهدها، على الرّغم من تطوّرها الهائل في مجالاتٍ مُختلفة كالتعليم والترجمة والرعاية الصحية ومكافحة الجريمة والطب وحتّى في تفاصيل الحياة اليومية من خلال القدرة على التحكّم بالأجهزة المنزلية أو اتّخاذ قرارات استراتيجية. ويبقى السؤال الأبرز: هل يُمكن لهذه الأنظمة، وتحديداً للذكاء الاصطناعيّ، أن يحلّ مكان الإنسان؟ فيمحو دورَه في المجتمع وفي مكان عمله؟ أم انها تأتي لتدعمه ولتطوّر من قدراته، فتوفّر وقته وماله وطاقته؟
لا شكّ أنّ مفهوم الذكاء الاصطناعيّ يبدو غامضاً بالنسبة إلى معظم المستخدمين لجهة الفُرص أو حتى المخاطر الّتي تُتيحها أنظمته. وفي ظلّ المخاوف المتكرّرة بشأن تطوّر مجالات الذكاء الاصطناعيّ، يشرح خبير المنصات الرقميّة جان ماري الباشا في حديثٍ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ، مفهوم الذكاء الاصطناعيّ، الّذي على حدّ تعبيره “يتمثل بخوارزمية أو ما يُعرف باللغة الانكليزيّة بالـAlgorithm، ويسمح هذا النوع الجديد من الذّكاء، للأجهزة الإلكترونيّة أن تُفكّر، وتتصرّف، وتستجيب كما لو انّها إنسان. فالذكاء الاصطناعي تطوّر، ووصل إلى مرحلة يستطيع فيها تقليد البشر، فيكون أسرع من الإنسان، لأنه مرتكز على ما يُسمّى بالـ “Machine Learning” التي يتمّ تحفيظها بيانات مترابطة”.
تاريخ الذكاء الاصطناعيّ
وعلى الرغم من أنّ بعض المستخدمين يعتقدون أنّ الذكاء الصطناعي تقنيّة جديدة تحاكي الذكاء البشريّ على أداء المهامّ والواجبات، وتُطَوّر معلوماتها استنادًا إلى البيانات التي تجمعها، إلّا أنّ هذه الأنظمة بدأت رسمياً منذ خمسينات القرن الماضي، وبدأت تتسع رقعة انتشارها بعدما تنامى الحديث عنها في زمننا الحاضر، وتحديداً منذ سنواتٍ قليلة.
“طفرة” إلكترونيّة
وفي هذا الإطار، يفنّد الباشا هذه “الطّفرة” الإلكترونيّة، قائلاً: “في السابق، أي منذ نحو ثلاث سنواتٍ، كنّا نحتاج إلى قدرة حاسوبيّة معقّدة لاستعمال الذكاء الاصطناعيّ وللاستفادة من وظائفه المتعدّدة، أمّا اليوم، فصار الذكاء الاصطناعيّ سهلاً، غير معقّدٍ ومتاحاً لكلّ مستخدمٍ بشكلٍ مجانيّ، حتّى يستطيع توظيفه لأغراضٍ شخصيّة، يُحبّها، ويراها مهمّة بالنسبة إليه. فمثلًا، يُمكن لأي مستخدم أن يُغيّر خلفيّة صورته أو يُعدّل صوت فنان.. وهذا نوعٌ من الذّكاء الاصطناعيّ الذي صار متوفراً عبر التّطبيقات الإلكترونيّة”، معتبراً أنّ “هذه الخطوة ذكيّة من قبل كلّ مَن استثمر في الذكاء الاصطناعي في الفترة الأخيرة، لأنّه حفّز النّاس على استكشاف هذه الأدوات، بشكلٍ سهلٍ ومجانيّ كي يدخلوا عالم الذكاء الاصطناعيّ بشكلٍ سريع”.ويرى الباشا أنّ الذكاء الاصطناعيّ ينسحب على شتّى المجالات العمليّة فيُساعد الإنسان في مختلف أعماله ودراساته؛ إذ ان المحامي لم يُعد بحاجةٍ إلى دراساتٍ طويلة في مجال الحقوق، لأنّ الذّكاء الاصطناعيّ يأتي اليوم ليُساعده في اتّخاذ المخارج القانونيّة المناسبة للدفاع عن موكله بشكلٍ سريع ومن دون أي ثغرة.
أما في المجال الحياتيّ والشخصيّ، فيقول باشا إنّ “الذكاء الاصطناعي يُرافقنا يومياً وهو يكمن بالتالي في بياناتنا الشخصيّة، ومن هنا تُطرح مسألة خرق الذّكاء الاصطناعي لبياناتنا ولحياتنا”.
الذكاء الاصطناعيّ والخلل
يتابع قائلاً: “إلى جانب خرق البيانات الشخصيّة، لا نزال اليوم نواجه خللاً في الذّكاء الاصطناعيّ، لناحية انّه بحاجةٍ إلى تطوير تقنيّ مستمرّ وتغيير في البرمجة بما يتناسب والظروف الجديدة، نظراً لأنّ البيانات المدعَّمة لا تكون عادةً مكتملة ولا واسعة وهي بحاجةٍ إلى تعديلاتٍ دائمة”.
استثمار الذكاء الاصطناعي
ومع حالة الزّخم التي يحظى بها الذكاء الاصطناعيّ بين المستخدمين، يؤكّد باشا أنّه من المهم استثماره في حياتنا اليومية، إذ يمكن لمَن يقوم بمهامّ متكرّرة أن يشغّلها ويُفعّلها بطريقة أوتوماتيكيّة من خلال تسليمها للذكاء الاصطناعيّ، فهو يُحدّد أهمية هذه المهام ويرتّبها ويُقيّمها فيوفر على المستخدم الوقت”.واليوم، تطوّر الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ، وذلك جاء بفضل تقنيّة جديدة تُسمّى بالتعلُّم العميق Deep Learning، والتي تُعطي الذّكاء الاصطناعيّ القدرةَ على استنباط أفكارٍ جديدة. ويشرح باشا في هذا الإطار أنّه “يمكن للمهندس أن يبتكر أفكاراً بمساعدة الأنظمة الذكية ويمكن للشاعر أن يستعين بالذكاء الاصطناعيّ لنظم قصائده، ويُمكن لمن يُريد ابتكار آلة أو تصميم معيّن، اللجوء إلى للذكاء الاصطناعي الذي سيُساعده على إنجاز مهامه المختلفة”.
الإنسان VS الذكاء الاصطناعيّ
وشدد باشا لموقعنا على أنّ “الذكاء الاصطناعيّ أتى ليساعد الإنسان وليس ليقوم بمهامّه. فنحن اليوم لم نصل بعد الى المرحلة التي فيها يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يحلّ مكان الإنسان، وهذا يدلّ على أنّ الانسان ستتغيّر طبيعة عمله، ولكنه لن يبقى من دون عمل، وهذا يعود بنا إلى الحقبة الماضية وتحديداً إلى الثورة الصناعية، حيث تمّ تطوير آلات جاءت لتساعد الإنسان ولا لتمحوه أو تقضي على دوره”.
مخاطر كثيرة.. و”ثقة عمياء”؟
وفنّد باشا المخاطر التي يطرحها الذكاء الاصطناعيّ، والّتي وصفها بالكثيرة، “لأنّ المستخدمين بدأوا يثقون بهذه الأنظمة ويعتبرون أنها مُصدِّرةٌ للحقيقة ومصدرٌ موثوقٌ يُمكن الارتكان إليه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إنّ الموظفين ومتعلّمي المدارس، بدأوا يستخدمون تطبيقات تعتمد على تقنيّة الـGenerative Artificial Intelligence أو ما يُعرَف بالذّكاء الاصطناعيّ التوليديّ، على غرار تطبيق الـ”ChatGPT” الذي يُقدّم خدمةَ توليد النّصوص، ويعتبرون أنّ الإجابات المتوفرة صحيحة، ولا تحتمل بالتالي أي لبس أو شك، فيتحوّل هذا الذّكاء الاصطناعيّ إلى مرجعٍ في الحياة اليوميّة والمهنيّة، وهنا تكمنُ المخاطر، لأنّ الذكاء الاصطناعيّ يكون أحياناً “منحازاً”، إذ انه يعودُ في إجاباته إلى الـmachine learning التي “لقّنته” المعلومات ومن ثم إلى محاكاة البيانات المضمّنة. وفي حال لم تكن الإجابات موضوعية وبالتالي حيادية، يميل الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة إلى الانحياز، لا بل إن بعض الأدوات تكون منحازةً عمداً بهدف بثّ أفكار خاطئة وغير دقيقة. وهنا يُمكن للمستخدم أن يُلاحظ لدى طرحه على الـ ChatGPT سؤالاً مرتبطاً بجنس الإنسان، أنّ الجواب لن يكون علميّاً، لأنّه سيُمهّد لفكرة إمكان التعرُّف إلى جنسٍ مختلفٍ عن الذكر والأنثى، وهذا يُشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يُعيد صياغة أيديولوجيا جديدة، ربما تكون أحياناً خاطئة أو بعيدة كل البُعد عن العلم والعقل.والجدير بالذكر أنّ متخصصين في هذا المجال حذّروا من تحوير الحقائق. ومن أبرز هذه الأسماء، إيلون ماسك، الّذي أعلن في الفترة الماضية عن إطلاق شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي، والتي يسعى من خلالها إلى اقتحام هذا المجال، مطلقاً عليه اسم “إكس إيه آي” (xAI) والتي تهدف بشكلٍ أساسيّ إلى تفادي الانحياز في الذكاء الاصطناعيّ. واللافت، أنّ ماسك حذّر في أكثر من مناسبة من تطوّر الأنظمة الذّكيّة، مُبدياً خشيتَه من تفوُّقه على البشر، لذا، اقترح وضع قوانين ومعايير تحدُّ منه ومن أدواته في محاولةٍ للسيطرة عليه”.
أضاف باشا: “المشكلة الأكبر اليوم هي أنّ الذكاء الاصطناعيّ بدأ يخرقُ عالمَ الأسلحة، والخوف الأكبر هو من فقدان الرحمة بين الشعوب. إذ يُطرح السؤال الآتي: هل يُمكن لآلةٍ أن تتفادى ارتكاب جرائم حرب؟”.
إنجازات وتطلّعات كثيرة.. الـAI إلى “نهضة”
ويحمل باشا نزعة أملٍ في كلامه عن الذكاء الاصطناعيّ، واعداً بإنجازاتٍ كبيرة قد تتحقّق في الفترة المقبلة ضمن هذا المجال، فقال: “اليوم، في عالم البرمجة التطلعات كبيرة، وهنا، نتحدث عن ادخال الذكاء الاصطناعيّ في المجال الصناعيّ والطبيّ. فُيمكن لروبوت مثلاً أن يقوم بعمليّة جراحيّة أكثر دقّة من السّابق إنما بالتّعاون مع الأطباء. وننتظر اليوم من الذكاء الاصطناعيّ أن يُطوّر أيضاً الأدوية وأن يكشفَ مبكراً عن الأمراض التي قد يُصاب بها الإنسان بفضل البيانات الموجودة عن البشر على مدى 10 أو 20 أو 30 سنة لاكتشاف حلول سريعة وناجعة”.
وأردف قائلاً: “سوف يساعدنا الذكاء الاصطناعي في حياتنا وفي مستقبلنا. فالسيارات ذاتيّة القيادة تُعدُّ من أوضح مظاهر تطوُّر الذكاء الاصطناعيّ، إذ باتت السّيارات تقود نفسها بنفسها، ومن دون أي حاجةٍ لسائق بشريّ، كذلك، إن الماكينات الصناعية تشهدُ تطوراً ملحوظاً، والبرمجة أيضاً تسلك طريق التطوّر نفسه. أمّا المستخدمون فسوف يستفيدون بدورهم من الذّكاء الاصطناعيّ باستعمالاتهم البسيطة اليوميّة”.
ويحمل الذكاء الاصطناعيّ في مختلف مراحل تطوُّره أثراً على نمط الحياة، وأحد لا يستطيع أن يغفلَ مدى تأثيره أيضاً على صحّة الإنسان النفسيّة والعقليّة. في هذا الإطار، لا يسعنا إلّا أن نتطرق إلى التأثير النفسيّ للأنظمة الذكية على المستخدم.
الاستفادة أولّاً..
وتناولت الدّكتورة في علم النّفس والمُتخصّصة في علاج الإدمان إيمان رزق في حديثٍ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ، طريقة تفاعل الإنسان مع البيئة المحيطة به وخصوصاً مع الانظمة الذكية والروبوتات، مطمئنةً إلى “أهمية اللجوء إلى الذكاء الاطناعي في المجالات المختلفة التي يُمكن أن يُوظّف فيه، بشرط أن يستفيد الانسان منها ليخدمَ نفسه أولاً ويستفيد منها على صعيد تطوير ذاته وتحسين حياته، لأن الذكاء الاصطناعيّ يختصر المسافات والأموال ويُسهّل الحياة، والأهم، أنه يُوفّر الوقت”.
التّفاعل البشريّ لا يُعوَّض
وشرحت أنّ الروبوتات أُدخِلت إلى حياتنا خصوصاً بعد جائحة كورونا، حيث استطاعت أن تحمي المُمرّض والطبيب من التقاط العدوى وذلك من خلال توصيلها الأدوية إلى باب المريض. كذلك، إنّ هذه الأنظمة المتطوّرة اجتاحت قطاع التعليم. ففي المدارس الأجنبيّة، ظهرت الروبوتات في النظام التعليمي لتساعد المعلّم في أداء واجبه المهنيّ، وهذا لا يعني أنها ستحلّ مكان الانسان أو العامل، لأن التفاعل البشري لا يُعوّضه أي تفاعل افتراضي، وهو بالتالي الأساس وأفضَل وأَسْلَم تفاعل على الإطلاق”.
وتابعت: “الإنسان خلق بنفسه هذه الأنظمة الذكيّة وطوّرها ليستفيد منها ويسهّل أعماله ويربح الوقت، والمهمّ ألّا تتحوّل هذه الأنظمة والتطبيقات الذكية إلى أدوات جديدة تُعزّز الإدمان الإلكتروني والتكنولوجي، ما قد يُمهد لاحقاً لحالة مرضيّة خطيرة، وخصوصاً عند الأولاد أو المراهقين، إذ تقع على عاتق الأهل مسؤولية مراقبة أدائهم وتصرفاتهم ونتاجهم المدرسيّ وتفاعلهم مع الآخرين، لأنّ هذه الأنظمة قد تُدمّر الأدمغة وتؤثّر بشكلٍ سلبيّ على الإنسان، مُقلّلةً من ذكائه في حال سوء استخدامها”.
الإنسان رادع نسفه
وعن الأخلاقيّات في هذا المجال، تلاقت الدكتورة رزق وكبار الباحثين في المجال الإلكترونيّ، لاعتبارها أنّه من الصعب ضبط الفضاء الالكترونيّ الواسع الذي لا حدود له، مطالبةً بالامتثال إلى الأخلاقيات لضبط هذا العالم الافتراضي الشّاسع”. وختمت بالقول: “يبقى الانسان رادعاً لنفسه ويجب تكثيف البرامج والدروات التّدريبية التي تطلقها المؤسسات العالميّة والمنظمات التي تعطي أهميّة لبناء الوعي لدى المستخدم”.
إذاً، الذكاء الاصطناعي هو أداة قويّة يُمكن أن تكون مفيدةً إذا تمّ استخدامها بشكلٍ صحيح ومسؤول، وقد تُسهم بالتالي في تقدّم المجتمع وتحسين جودة حياتنا وزيادة الوعي في ما بيننا، مع التأكّد من التعامل مع تطوّر الذكاء الاصطناعيّ بعنايةٍ وأخلاق ومع مراعاة الخصوصية والأمان وضبط الأنظمة الذكيّة احتراماً للإنسانيّة. فيبقى الإنسان إنساناً.. والآلة تبقى آلة.
المصدر: جيانا موسى – نداء الوطن