غرافيا: محمود شباط..بقلم سلمان لمع
صدى وادي التيم-رأي حر باقلامكم/
بدأ حياته مكافحا، واجه بثقة، شأن كثيرين، واقع حياة قاسية كانت، إصرار على تحصيل علمٍ صعب المنال، ولكن الرجل حدّد الهدفَ والوجهة: (سأطلب العلم ولو في الصين).
وبعد،
عرفت الرجل بداية تسعينات القرن الماضي، وعلى تلك “السطيحة” جمعتنا ركوة قهوة، متبوعة ب “شربة تانك” تكررت صباحات لقاءاتنا، هو العائد من إجازة في هجرة يعيش، ويبدأ يومه في تقليب تراب “الحاكورة”، ويتلمس شجيراتها، وانا المستأجر شقة في بناء يملك، فحكى لي قصص حياة ملأى بفقر كان، وعسر واجه.. ودأب مواجهة..
روى لي حكايته، ذاك الصبي الذي كان يتأبط “أشباه” كتب ودفاتر، وينتقل مشياً بأقدام ثابتة من قريته، الى حيث هناك مدرسة في بلدة مجاورة، لم يثنِهِ حرٌّ ولا قرّ، ولا مطر ولا ثلوج.. فكان يعيدني بالذاكرة الى “أنا” عشتها، وصعاب واجهتها، فتشابهنا في معاناة رحلة التحصيل العلمي وحتى في بوارح الهجرة طلبا لتحسين حال ومآل..
قضى الرجل شبابه في “هجرة الحاجة” التي حملته الى بلاد الخير في المملكة العربية السعودية التي شكلت وجهة عمل لشبابنا في العقود الاخيرة من القرن الماضي.. وما تزال..
فحمل معه رائحة التراب، ولواعج الحنين، وعبق هواء الحارات، ومعارج طرقاتها، وبيوتها، وأسماء أصحابها، بذاكرة مثقلة أمينة.. لم تمنعه ظروف عمله، من توثيق بعضها، في حكايا تروي غابر زمان، وتضيء على أسماء ناس كانوا، في جغرافيا القرى يوما.. فشكل الرجل “ذاكرة تراثية” فريدة تأخذ الزمن في رحلة الى الوراء، فتروي وتسجل وتستعيد..
وقبل وبعد،
في هجرته التي دامت لعشرات السنين كتب ووثق وأفاض، إذ تقرأ كتابه (أيّهما أمّي) تدرك عمق وجدانية تحكي المشاعر الإنسانية في أبهى تجلياتها، وسلاسة كتابة وفكرة واسلوب…
أصدر الرجل في مغترب عمله، اكثر من كتاب، فكان “القاص المهاجر” الذي حمل بلاده في عقله والقلب، فحكى (عودة النوارس الى عين سنبل) تلك العودة التي يعيشها أي مهاجر حنيناً الى دفء الوطن، وطمأنينة الشواطىء، إذ تضرب لجج بحور الحياة، وتصخب..
وبعد عودته النهائية الى الوطن، يحيا الرجل متابعا رسالة الأب العظمى في متابعة شؤون وشجون عائلته، تضحية ومحبة وجناح فيء يحمي… ويكتب ويواكب ويتابع نشاطه الادبي والثقافي، ويوميات مجتمع أحب..
وإذ تطول الحكاية وتضيق المساحة الفايسبوكية، تبقى الأمانة ان أشير الى دماثة خلق وأخلاق الرجل، وبهاء حضوره، وجميل حديثه، وأصالة فيه راسخة، وحبه لأرض هذا التيم، يكتبه ويعيش شذى زهره، ونسائم هوائه، وحياة أهله، وناسه، والربوع…
وكلمة،
هو ابن هذا الوادي وعاشقه، ومن حاضرة عيحا ورحب سهلها، والمرتقب جمال راشيا من تلالها، الكاتب المبدع، والمثقف الموغل في رهف إنسانية وكلمة سواء وكل تواضع،
هو الصديق الاستاذ أبو أياد محمود شباط…