فوضى عارمة يثيرها مسلسل “فوضى” بحلقاته الجديدة

صدى وادي التيم-متفرقات/

أعلنت منصة نيتفليكس Netflix عزمها على انتاج الجزء الخامس من المسلسل الإسرائيلي “فوضى”، الذي بدأ بث حلقات جزئه الأوّل في الثاني من كانون الأول 2016 باللغات العربية والعبرية والانجليزية، وقد تمّ بث الجزء الرابع في نهاية العام الماضي. وتتناول السلسلة قصة وحدة سرّية في الجيش الإسرائيلي تسمى “مستعرفيم” أي “المستعربون”، تنفذ قوّاتها الخاصة مهمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي تتنكر كالعرب. ولا يعتمد المسلسل فقط على سياسة التخويف من المجتمع العربي الفلسطيني، بل يضخّمه ويشرّعه، حيث يصور الفلسطينيين على أنهم مخلوقات مخيفة وغريبة الأطوار، تعيش في أماكن لا تجرؤ إلا القوّات الخاصة على المغامرة بدخولها.
وذهب بعض المدافعين عن مسلسل “فوضى”، إلى اعتبار هذه السلسلة تجسد في الواقع مخططاً يسارياً، كونها تصور تعقيد حياة الفلسطينيين، وتبيّن أن الناس على الجانب الآخر بشر أيضاً. وفي الواقع، تكتنف وحدة “المستعربين” في الجيش الاسرائيلي الكثير من السرّية والغموض، وهي واحدة من الفرق الإسرائيلية الخاصة التي يتم تشكيلها من شتى الأجهزة الأمنية. ووفق تقرير لـ “الجزيرة”، يتقمص عناصر هذه الوحدة بدور فلسطينيين ويندسون بينهم لأداء مهام استخباراتية أو لتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات، كما شاركوا في العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة خصوصاً في غزة وجنين.
في هذا الصدد، قال الخبير في الشؤون العبرية حسن حجازي لـvdlnews إن الصراع العربي-الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة من خلال “القوة الناعمة” والحرب الثقافية عن طريق هذا النوع من الأعمال والدراما المشوّهة للواقع”، معتبراً أن هذه الوسائل تتسلل وتدخل إلى مجتمعاتنا بطريقة سلسة”.
وأكد حجازي أن “هناك تعارض في “فوضى” حاولت إسرائيل أن تفصله عن السياق المباشر للصراع كما حاولت أن تعكس بعض الجوانب الإنسانية للقاتل في وحدة المستعربين”، معتبراً أن المنتجين “يقدّمون القاتل الإسرائيلي بطريقة مختلفة خصوصاً أنها تدخل عبر سياق درامي شيّق وفيه الكثير من الجذب والتشويق”.
وتابع: “المسلسل يهدف إلى إعادة تقديم صورة ليس فقط للجندي الإسرائيلي، إنما، لأهم وأكثر الوحدات إجراماً وقتلاً” مشدّداً على أن وحدة “المستعرفيم” هي من الوحدات التي تمارس الأعمال القذرة والإجرامية ضدّ الفلسطينيين تحديداً.
وفي الحديث عن السياق العام للمسلسل، قسّم الخبير في الشؤون العبرية “فوضى” إلى مشهدين، “الأوّل يقدّم المستعرب الإسرائيلي بصورة إنسان لديه صداقات وعلاقات ودّية مع “الفلسطينيين غير العدائيين” ويهتم بالقيم العائلية”. في المقابل يصوَّر الفلسطيني على أنه “مجرم وهدفه قتل المدنيين، بينما المستعرب هدفه حماية المواطنين الإسرائيليين من العمليات الفلسطينية”.
وأدان حجازي هذا العمل كون “الخلفية الأصلية للصراع المتمثلة بنضال ومقاومة الفلسطينيين من أجل استعادة حقوقهم لم تبرز في السلسلة، إنما ما برز بوضوح هو وجهة النظر الإسرائيلية، والجانب الإنساني لدى الاسرائيليين”. كما أن المسلسل أظهر العرب على أنهم يرغبون في الكثير من الأحيان بارتكاب جرائم وعمليات دون أن يأخذوا في الحسبان الآثار الإنسانية لهذه الأعمال.
وعند سؤاله عن أي تحرّكات ممكنة لهذه الوحدة على الأراضي اللبنانية، استبعد حجازي الأمر بحيث يعتقد “أن الواقع اللبناني لا يسمح بدخولهم كون الطابع العسكري هو الطاغي في الصراع، فلا يمكن للإسرائيليين المخاطرة وإدخال هذا النوع من الجنود إلى بيئة لبنانية معادية لا يوجد فيها تداخل مدني كما هو الحال في فلسطين”.

غير أنه أكّد أن “هناك نوع آخر من الجنود كانوا يدخلون لبنان كوحدة “متكال” وبعض الوحدات الأخرى، وكان لها طابع استخباراتي”. وأوضح أنها “كانت تدخل بشكل مدني لكن لم يكن لها نفس المهام الموكلة لـ “دوفدفان” (فرقة المستعربين الأوائل)، إنما كانوا يعملون على زرع أجهزة تجسس ونقل العتاد للعملاء ونقل متفجرات بحيث لم يشمل عملهم على الاعتقالات والاغتيالات”.
في ظل ارتفاع منسوب التوتر على الحدود الجنوبية، واستخدام المقاومة لغة التهديد والوعيد المعتادة، لا يسعنا القول سوى إن صوت المدافع والصواريخ ورفع الأصابع ما زال يعود بالنتيجة المرجوة. إنما اليوم في عصر العولمة، تنتهج إسرائيل استراتيجيات جديدة لتجنب إراقة دماء جنودها وقد تكون أكثر فتكًا وأكثر سهولة في خرق المجتمعات العربية. إن هذه الاستراتيجيات تتمثل بتوجيه الرسائل عبر الأعمال الدرامية المقدمة على منصات مثل Netflix وسواها من المنصات الرائجة بين الشباب العربي. بالإضافة إلى ذلك تمثل هذه الجهود محاولة لإسرائيل لنشر الفكر الصهيوني بين الشباب العرب الذي سرعان ما يتأثر بالأفلام والمسلسلات الجذابة والشيّقة.
يعود ذلك لسببين: أوّلهما افتقار العالم العربي اليوم لرجالات وزعماء يلعبون دوراً ملهماً ومثالاً يختذى به، ومن جهة أخرى يجد المجتمع العربي نفسه اليوم في حيرة من أمره، إذ يطوق للتماثل بالثقافة الغربية، في حين يتمسك العرب بهويتهم الشرقية مما أدى إلى خلق فجوة في الثقافة العربية تحاول من خلالها إسرائيل التوغل وخرق البيئة الشرقية المعادية لها. هذه العوامل جعلت من المجتمع العربي هدفاً سهلاً لنشر رؤية إسرائيل بغية قبولها عربياً بقوالب درامية ومثيرة ومشوّقة.

فهل يرجّح هذا الأسلوب الجديد الكفّة لصالح إسرائيل في الصراع؟
وهل لدى العرب القدرة والنيّة الحقيقيّة لمواجهة هذا الخطر المحدق بالسرعة المرجوة قبل فوات الأوان؟

المصدر: كريستيان أبي خليل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى