مزارعو الجنوب يترقبون عودة الصادرات إلى الخليج.. هل الفرج قريب؟
صدى وادي التيم – لبنانيات /
“كلفة الزراعة حاليًا كتير مرتفعة، وتصريف المنتجات بالسوق المحلية بالكاد عم تجيب كلفتها، وأصلاً السوق المحلي ما بيستوعب هيدي الكميات المنتجة” يقول المزارع الجنوبي حسين مملوك لـ”مناطق.نت”.
مملوك الّذي يعمل في مجال الزراعة منذ أكثر من 30 عامًا، يشكو تبعات الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع كلفة الزراعة في آن. يقول إن كلفة الإنتاج ارتفعت كثيرًا في الأعوام الثلاثة من عمر الأزمة. وفي الأصل تعد كلفة الانتاج الزراعي مرتفعة في لبنان، يواجهها المزارع وحيدًا من دون أيّ دعم رسمي، بسبب كلفة الوقود والبذور والمبيدات والمعدات، ما يرهق كاهل المزارعين وأحيانًا يقلل من فرصة لبنان التنافسية في السوق المحلية والخارجية، فما بالك مع تأزم الوضع أكثر وحدوث الأزمات المتتالية، المعيشية والاقتصادية وأزمة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
يضيف مملوك: “ما فينا نوقف عن الشغل حتى لو عم نخسر. بعض المزارعين ذهبوا إلى خيار قطع أشجار الحمضيات لزراعة أشجار أخرى مربحة أكثر وقابلة للتصدير أكثر”.
ويختم “تأثرنا كثيرًا بقرار وقف الصادرات إلى السعودية ودول الخليج عامة، والضرر حتمًا كبير. البضاعة المنتجة لا يتمّ تصريفها”.
عودة مرتقبة؟
ويجري الحديث راهنًا عن السماح بعودة الصادرات اللبنانية إلى السعودية، حسبما أُعلم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أثناء حضوره القمة العربية في جدة التي عقدت في 19 أيار الماضي، ولكن من دون تحديد موعد ذلك.
وكانت السلطات السعودية، منعت في نيسان 2021، أيّ قبل نحو عامين، دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى أراضيها، وحتى عبرها، بسبب ضبط أقراص مخدرة داخل شحنة رمان آتية من لبنان.
يقول رئيس نقابة تجمع مزارعي الجنوب محمد الحسيني لـ”مناطق.نت”: “منذ الإعلان عن هذا الخبر ونحن ننتظر الإجراءات التنفيذية لقرار العودة عن المنع، من أجل توجيه تحية شكر للمملكة على هذا القرار”.
ويضيف “لم يكن ذنب المزارع، لكنه تضرر وبشدّة من هذا القرار، البضاعة لم تكن لبنانية بل كان لبنان مجرد محطة مرور لها (ترانزيت)، وربما يعد الجنوب الأكثر تضررًا جراء هذا المنع”.
الجنوب ومنتوجاته
تتشكل الزراعات الجنوبية من الحمضيات والموز والأفوكا (وهي زراعة تعتبر حديثة في الجنوب) والفاكهة الصيفية، مثل النكترين والتفاح والإجاص وأنواع أخرى متنوعة بدأت زراعتها في الأعوام الاخيرة.
بداية ينال الجنوب الحصة الأكبر في زراعة الحمضيات، كونها تزرع في الجنوب بنسبة 70 في المئة، وفي منطقة عكار وغيرها من المناطق بنسبة 30 في المئة. أما الفواكه الصيفية فإنها تزرع على كامل مساحة لبنان، وللجنوب الحصة الأقل منها بسبب طبيعته المختلفة، وهي تتركز في الحاصباني والوزاني وغيرها من المناطق، وفق ما يؤكد الحسيني.
“الأثر كان كبيراً”
حين أتخذت المملكة العربية السعودية القرار بوقف الصادرات اللبنانية إليها، وعلى مدى العامين الأخيرين، عانى المزارع الجنوبي، كثيرًا مقارنة بمزارعي المناطق الأخرى، بسبب كساد المحصول. ذلك لأن الجنوب يصدّر بين 50 إلى 60 في المئة من إنتاجه من الحمضيات سنوياً، وهي الكمية الفائضة عنه وإلا فإنها حتمًا تتحول إلى كساد في حال لم يتمّ تصريفها، وهذا ما حصل، ولو بنسبة أقل، في العامين الأخيرين، كون الصادرات الخليجية انخفضت بنسبة كبيرة.
وعادة ما كانت هذه الكمية تُصدّر إلى الأردن والسعودية وعدد من دول الخليج، علمًا أن قرار السعودية بوقف صادرات لبنان تبعه إجراءات مماثلة من بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
يروي الحسيني كيف لجأ بعض المزارعين إلى عملية قطع شجر الحمضيات لزراعة بديل عنها مثل الموز، كونها قابلة للتصدير أكثر، والفواكه الأخرى المربحة أكثر أو تلك التي لا تكون عرضة للتلف بشكل سريع.
بانتظار الفرج!
ويمثل الإنتاج الزراعي، أهم الصادرات اللبنانية، وتشكل السوق الخليجية الوجهة الأساسية له. لذا يتنظر المزارعون أن تعود المياه إلى مجاريها بين لبنان والسعودية على مستوى الصادرات، كونها ستشكل متنفس للمزارع الجنوبي الّذي ضاقت أحواله نتيجة هذا القرار ونتيجة تبعات الأزمة الاقتصادية الراهنة وانخفاض قيمة العملة مقابل الدولار.
وبحسب الحسيني فإن “الأثر سيكون حتمًا إيجابيًا، خصوصًا وأن الخليج يشكل السوق الرئيسي للحمضيات اللبنانية إلى جانب الفاكهة الصيفية، إذ إن زراعة ثمرة الأفوكا بدأ يتمّ حديثًا، ويتوقع أن يكون لها حصتها على مستوى الصادرات مستقبلاً”. وبالتالي سيكون الأثر إيجابي على المزارعين حتمًا.
صناعات غذائية خجولة
على مقلب آخر، ورغم أن الأزمة، ساهمت في تحسن واقع الصناعات المحلية، نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ولجوء المستهلك اللبناني إلى الصناعات المحلية البديلة، التي ملأت رفوف المحال التجارية في الأعوام الأخيرة، إلّا أن معامل صغيرة تكاد تعد على أصابع اليد، ليس أكثر، هو حجم مصانع الغذاء في الجنوب، مثل: مصنع توضيب الموز قبل تصديره ومعمل صناعة عصير الفاكهة وآخر لصناعة دبس الخروب، الّذي انتشرت زراعته بشكل كثيف في الأعوام الأخيرة التي تلت الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد، أيّ بعد العام 2019، حسبما يقول الحسيني. هذه المعامل لا ترقى إلى أن تكون على مستوى وحجم الأزمة المعاشة في لبنان.
“هناك معامل نشأت، خلال سنوات الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالبلاد، كمعامل تجفيف الفاكهة على سبيل المثال، ولكن عددها وحتى إنتاجها خجولاً، رغم الجدوى الاقتصادية الكبيرة لمثل هذه الصناعات، إلّا أن البعض يخاف من مثل هذه الاستثمارات التي تحتاج إلى نفس طويل وسنوات من العمل قبل جني الأرباح” يقول الحسيني، في إشارة منه إلى لجوء أصحاب المصالح إلى الربح السريع والابتعاد عن الصناعات الغذائية كونها لا تجني أرباحًا كبيرة وسريعة كالاستثمارات الأخرى، كما أن الذهنية المعممة في النظام الاقتصادي القائم على نبذ هذه القطاعات على حساب قطاع السياحة والخدمات، يلعب دورًا كبيرًا في الابتعاد عن هذا النوع من الإنتاج.
بالأرقام
وفي قراءة سريعة لحجم الصادرات الزراعية الجنوبية، نجد أنها منخفضة في السنتين الأخيرتين أيّ خلال سنوات المقاطعة، فعلى سبيل المثال، بلغت الصادرات الجنوبية العام الماضي (2022) 36.792.277 دولاراً، و26.412.232 في العام 2021، بينما بلغت في العام 2020، ما مجموعه 7.149.898 فقط نتيجة إقفال الأسواق عالمياً بفعل إنتشار فيروس كورونا ترافق ذلك مع انهيار العملة المحلية وبدء الانهيار الاقتصادي والنقدي الدراماتيكي وتراجع حجم المحاصيل الزراعية.
علمًا أن هذه الأرقام تشمل فقط الصادرات الزراعية المصادق عليها من غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب، ولا تشمل كلّ الصادرات، إذ بعضها يتمّ تصديره عبر جهات أخرى.
وحتى شهر أيار بلغ حجم الصادرات 7.981.102، وهي أرقام قابلة للارتفاع أكثر حتى نهاية العام، خصوصًا في حال عادت الصادرات اللبنانية إلى الخليج، وهو ما يتأمله المعنيون.
والحال أنّ الصادرات الزراعية الجنوبية، ليست مقياسًا لدراسة أثر وقف الصادرات إلى السعودية، إذ لا تقتصر هذه الصادرات على منطقة الجنوب وحسب، وإنما تتعداها إلى مناطق البقاع وزحلة والشمال والتي يمكن أن تبين هذا الأثر بشكل كبير، وبالتالي تتخطى هذه الأرقام بكثير. إضافة إلى ذلك، لا تملك غرفة التجارة أيّ إحصاءات تظهر حجم الصادرات لكل دولة على حدى ومنها السعودية.
تاريخيًا
تشكّل قطاع الزراعة تاريخيًا، من مجموعة من الاقطاعيين والمزارعين، ولم يكن قطاعًا رسميًا قبل نيل لبنان استقلاله. بعد ذلك، كرست الحكومات المتعاقبة سياسة الاقتصاد الريعي (سياحة وخدمات) فيما أهملت الاقتصاد الإنتاجيّ (زراعة وصناعة).
وقد حمل لبنان في حقبة ستينيات القرن الماضي لقب “بستان الشرق” كونه كان يؤمن حاجات دول المنطقة من المزروعات. آنذاك، وصلت مساهمة القطاع الزراعي إلى 13 في المئة من الناتج المحليّ، وهي مساهمة كبيرة نظرًا للواقع الاقتصادي الراهن.
وبعد الحرب الأهلية اللبنانية، أهمل هذا القطاع على حساب القطاعات الأخرى، وتعاملت معه الدولة اللبنانية على أنه قطاع درجة عاشرة وليس ثانية فقط، والدليل على ذلك ما تمثله موازنة وزارة الزراعة من حجم الموازنة الوطنية، وهي موازنة أرقامها لا تذكر، ما يؤكد تقصّد القيّمين على السياسات الاقتصادية في الدولة على تكريس إهمال هذا القطاع.
يُضاف إلى كل تلك الأزمات، واقع احتكار عدد من التجار النافذين في السوق، في مناطق مختلفة من لبنان، يشترون المنتوجات الزراعية من المزارعين والتجار الصغار بأسعار زهيدة، ما يفاقم واقعهم أكثر ويزيد من خساراتهم.
حنان حمدان – مناطق نت