لبنان كما يبدو عن بعد 15 ألف ميل… مشهد يتكرّر!

المشاكل اليومية التي يعيشها اللبنانيون بكل تفاصيلها المملة هي ذاتها تتكرر، من دون أن تلوح في الأفق بوادر حلحلة أو إنفراج، على أي مستوىً كان، سياسي أم إقتصادي أم معيشي، مع ما تفرضه تلك التعقيدات من أعباء ثقيلة يُجبرون على تحمّلها، على طريقة “مجبر أخاك لا بطل”.

على المستوى السياسي إعتقد اللبنانيون، أو هكذا صُور لهم، أنه بمجرد حصول الإنتخابات النيابية، وبمجرد وصول نواب جدد إنتخبهم “الشعب العظيم”، ستحّل النعم عليهم وسيفيض الخير، وهم غافلون عن حقيقة أن “دود الخلّ منو وفي”، وأن ما توهموه حقيقة لم يكن سوى احلام يقظة ليس إلا. فلا شيء تغيّر، على رغم أن بعض الوجوه قد تغيّرت وأستبدلت بأخرى لكنها تنتمي إلى المدرسة السياسية ذاتها من دون أن يتمكّن هذا الشعب من إحداث التغيير المطلوب، أو بالأحرى التغيّير الذي وُعد به فعاش على أمل تحقيق الوعد، الذي دخل في روزنامة الوعود التي سبقته، والتي أصبحت تتفوق بصيتها على عرقوبية الايام الخوالي.

ربما لا يوافقني البعض على نظرتي التشاؤمية، وانا الآتي من بعيد عن بلاد الارز ما يقارب الخمسة عشر ألف ميل، حيث اللبنانيون متواجدون بأعداد كبيرة يفتشون عن رزقهم في بلاد التناقضات بين الصقيع الشديد شتاء والحرّ الأشد صيفًا، وهم يتتبعون تفاصيل ما يجري على أرض الأجداد والأباء أكثر من اللبنانيين المقيمين أحيانًا كثيرة، فينتابهم القلق وتتملكهم الهواجس، وهم الذين ذاقوا مرارة الإبتعاد عن الوطن الذين يحبون غصبًا عنهم وليس بملء إرادتهم، ويتخوفون من أن يكرّر التاريخ نفسه فيجد من لا يزال يؤمن بإمكانية حدوث معجزة ما في المكان الخطأ الذي لم يقرروا إختياره عن سابق تصميم وتصور، وقد سبقهم إليه الوف من اللبنانيين، الذين هجرّتهم الحروب العبثية، والتي أتخذت على مدى أعوام أسماء كثيرة وتوصيفات لا تعدّ ولا تحصى، ومن بينها حروب لا تزال مفاعيلها السياسية حاضرة وبقوة على الساحة السياسية الراهنة، على رغم مرور أكثر من 27 سنة.

معظم اللبنانيين الذين تسنى لي لقاءهم في مونتريال يتوافقون، وقد يكون في ذلك بعض من غرابة، على أن اللبنانيين المقيمين لا يزالون يعيشون كذبة كبيرة، في الوقت الذي يقفون فيه على شفير الهاوية والإفلاس، وهذا أمر لم يعد من أسرار الالهة، بل بات حديث الصالونات وهاجس الجميع، من دون أن يبادر أحد بالطبع إلى تقديم الإقتراحات التي من شأنها إبعاد شبح الإنهيار التام، إذ لم نعد نسمع سوى شكاوى المسؤولين قبل المواطنين، وهو أمر يدعو إلى الإستغراب والدهشة.

فالبلاد تعيش من دون حكومة منذ ما يقارب الثلاثة اشهر، وكأن اللبنانيين يعيشون ترفًا ما بعده ترف يسمح للمسؤولين عن البلاد والعباد بأن يمارسوا هواية “الدلع”، مع العلم أن الجميع يستشعرون خطورة الوضع الأقتصادي وما يمكن أن يؤدي إليه الإنهيار، الذي لن يوفرّ أحدًا. فالمركب المحاط بشتى أنواع العواصف مهدّد بالغرق. وفي حال غرقه لن ينجو من المصير المحتّم أحد. 

هذا غيض من فيض كذبة جحا التي صدّقها وأخذ يركض خلفها لاهثًا بعدما أطلقها لغاية في نفسه. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى