رحلة المايوه من البيكيني إلى البوركيني

صدى وادي التيم-لبنانيات/

موقع (The Age) يعرف البيكيني بأنه لباس سباحة مصمم للمرأة، سُمّي بالبيكيني نسبة إلى شُعب البيكيني التابعة لـ”جزر مارشال” في المحيط الهادئ، ويتكون من قطعتين. واحدة تغطي الصدر، وأخرى تغطي الفخذ، تاركة مسافة عارية بين القطعتين. غالباً ما يلبس في الطقسين الحار والبارد أو أثناء السباحة. وأشكال قطعتي البيكيني تشبه الملابس الداخلية للنساء، وللبيكيني ألوان مختلفة. ترتديه النساء على شواطئ البحار كاشفاً عن 90 في المئة من جسد المرأة. لكن بحسب بعض المراجع، تاريخ البيكيني قديم، وعرف العالم على ما يبدو شكل مايوه القطعتين عبر السبّاحات في روما وأثينا القديمتين. وبصرف النظر عن بعض الأدلة الواقعية على أن السبّاحات في اليونان القديمة وروما تنافسن في زي من قطعتين، فإن تاريخ أزياء الاستحمام النسائية وخلافاته طويل جداً. في مقال مطول لموقع (Slate)  الأميركي، بعنوان A Brief History of The Bikini، “تاريخ موجز للبيكيني” يوليو (تموز) 2015، يتحدث أنه في مطلع القرن العشرين، لم يكن من الممكن تصور قبول المجتمعات الغربية للبيكيني. وكانت السباحات يبذلن جهوداً غير عادية لإخفاء أنفسهن على الشاطئ، إذ كن مضطرات لاستخدام أداة غريبة من العصر الفيكتوري تسمى آلة الاستحمام، عبارة عن كوخ خشبي على عجلات، تدخله المرأة بكامل ملابسها، لترتدي في الداخل ملابس السباحة الضخمة، ثم تجر الخيول أو البشر العربة إلى البحر، لتنزل المرأة للسباحة من دون أن يلاحظها أحد. في العقود التي تلت ذلك، خففت قواعد الملابس على شاطئ البحر إلى حد كبير. عام 1907، واجهت السباحة الأسترالية ونجمة السينما الصامتة أنيت كيليرمان، اتهامات بالظهور غير اللائق، لأنها ظهرت على شاطئ “ريفير” في بوسطن، ببدلة سباحة بلا أكمام.

تلى الاتهام معارك قانونية أدت إلى تخفيف القيود المفروضة على ملابس السباحة على الشواطئ في جميع أنحاء البلاد. ثم دخلت سباحة السيدات منافسات الألعاب الأولمبية بداية من أولمبياد ستوكهولم 1912، فبدأ صانع صوف في بورتلاند، يدعى كارل جانتزن، تسويق زي سباحة مبتكر من قطعة واحدة، بلا أكمام وبلا سيقان.

بحلول عام 1915، كانت النساء الأميركيات يرتدين ملابس محبوكة من قطعة واحدة. وظهرت أوائل الأربعينيات، ملابس السباحة من قطعتين، والتي تشبه في قطعتها العلوية البيكيني، لكن القطعة السفلى كانت كبيرة بما يكفي لتغطية السرة والوركين. ومع الوقت، سمحت أستوديوهات هوليوود بظهور الفنانات مرتديات زي السباحة مع قطعتين على الشاشة، مع شرط مشدد يفرض حظر ظهور السرة.

أزمة السرة

وتدريجاً، تجرأ بعض المصورين على تصوير مرتديات البيكيني، لكن اختراق البيكيني للحواجز المجتمعية نحو الشواطئ الأوروبية سار ببطء، ناهيك عن مقاومة الاختراع “البذيء” في الولايات المتحدة بعد الحرب. وأدان العديد من المعلقين مظهر النساء بتلك الطريقة، فحظرته الكثير من المجتمعات.

في الأربعينيات ووفقاً لما جاء في “كتاب البيكيني” لكيلي كيلورين بنسيمون، عُرفت النساء الجذابات باسم “القنابل”، وكان أي شيء شديد القوة “ذرياً”. لذلك، عندما صمم اثنان من الفرنسيين بشكل مستقل بدائل بسيطة للقطعتين صيف عام 1946، حصلت كلتا البدلتين على ألقاب نووية. حيث ابتكر المصمم الأول، جاك هايم، بذلة صغيرة تسمى الذرة. ولويس ريارد، قدم تصميمه في الخامس من يوليو (تموز)، بعد أربعة أيام من بدء الولايات المتحدة الاختبار الذري في جزيرة بيكيني أتول. في حيلة تسويقية جريئة إلى حد ما، أطلق ريارد على ابتكاره le bikini، مما يعني أنه كان اختراعاً بالغ الأهمية مثل القنبلة الجديدة.

رحلة “البيكيني” عبر السنين

يشير موقع “برايت سايد” Bright Side، في تقرير حول ملابس البحر، إلى أنه حتى نهاية القرن الثامن عشر، كان الناس يستحمون إما بملابسهم الداخلية أو عراة في بعض المناطق، من دون اعتماد قطعة معينة من الملابس. ومع فتح المجالات حول العالم للسفر والسياحة، تغيرت الملابس التي بدأت في الانتشار حتى وقتنا الحالي.

وشهد عام 1910 أول ظهور لملابس سباحة للنساء، وتألفت وقتها من فستان وسروال عريض، بينما كان الرجال يستحمون في سروال طويل يصل إلى الركبة وقمة تغطي صدورهم المشعرة. عام 1920 تأثرت أزياء ملابس السباحة بالأولمبياد، عندما أصبحت السباحة رياضة رسمية، كان من الواضح أن المايوهات الكبيرة تمنع الرياضيين من تحقيق أفضل النتائج، وفي هذا العام فاجأت السباحات الجمهور بملابس السباحة الكاشفة التي تظهر ذراعيهم وأرجلهم.

عام 1930 كان مظهر المايوه مشابهاً لتلك الموجودة في العقد السابق، ولكن بدأ صنعها في مجموعة متنوعة من الألوان المختلفة، ويعود الفضل هنا إلى Coco Chanel، العلامة التجارية التي بدأت في إنتاج ملابس سباحة للرجال تظهر صدرهم بجانب إتاحة السراويل القصيرة.

أثرت الحرب العالمية الثانية عام 1940 على جميع مجالات الحياة، بما في ذلك ملابس السباحة، وكان من الضروري تقليل كمية النسيج لإنتاج الملابس، هكذا جاءت ملابس السباحة المكونة من قطعتين. ولاحظ المهندس لويس ريارد، الذي كان يدير شركة عائلية للملابس الداخلية، أن النساء غالباً ما يلبسن ملابس السباحة للحصول على سُمرة أفضل، ومن هنا جاءت فكرة تصميم المايوه البيكيني.

وفي عام 1946، قدم هذا النموذج الجديد لملابس السباحة للنساء، ولكن كان رد فعل الجمهور مثيراً للجدل، لأن الناس لم يكونوا مستعدين لمثل هذه الملابس الكاشفة، إلى درجة أن ريارد لم يجد عارضة أزياء محترفة تقبل بارتدائه، فاستأجر إحدى راقصات التعري، تبلغ من العمر 19 سنة، وتدعى ميشلين برنارديني، لتكون أول من ترتديه. بعدها، ظل البيكيني محرماً لسنوات، وكان الأمر يتطلب تصاريح خاصة لترتديه الفنانات في الأفلام. ما لبث أن اعتمدت صناعة السينما البيكيني للنجمات على الفور، كمادة جاذبة للجمهور، وقدمت عائداً جيداً في شباك التذاكر، وكان ذلك عام 1950. أول امرأة تجرأت على الظهور في ملابس السباحة الكاشفة، كانت النجمة الساحرة بريجيت باردو.

لم يتغير الوضع كثيراً، خلال عام 1960، حيث اختار عشاق الموضة نماذج مختلفة من ملابس السباحة، ولكن الشيء الرئيسي هو أن ملابس السباحة، أصبحت تصنع من مادة مرنة جديدة وتجفيف سريع وهي “الليكرا”. وبقي البيكيني رائجاً عام 1970. في الثمانينيات، عادت ملابس السباحة من قطعة واحدة إلى الموضة، وأصبحت حفلات السباحة شائعةً حول العالم.

استمرت موضة ملابس البحر ذات القطعة الواحدة في التسعينيات، ولكن الأحمر كان الأكثر انتشاراً. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عاد البيكيني الصغير ليحتل المرتبة الأولى مرةً أخرى، من خلال تصميمات مختلفة وألوان متعددة.

عام 2004 تم تصميم المايوهات ذات الأكمام الطويلة، والتي كانت تناسب المحجبات أكثر، ووجدت إقبالاً من الكثيرات، للحفاظ على البشرة من أشعة الشمس، وأطلق عليه اسم”البوركيني”.

“البوركيني”

كما “البيكيني” كذلك “البوركيني” أثار جدلاً واعتراضات واسعة ولا يزال، في الغرب وأستراليا بخاصة. حيث اندلعت أعمال شغب عنيفة على شاطئ كرونولا بسيدني، بين شبان من أصول شرق أوسطية وأستراليين أرادوا “استعادة الشاطئ”، في حين كانت فرنسا قد أصدرت قراراً بمنع “البوركيني” على شواطئها، كما منع العديد من المدن والبلدات الفرنسية ارتداء “البوركيني” بعد هجوم نيس الدموي الذي أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنه، وراح ضحيته 84 شخصاً، عام 2016. ما لبثت أن دافعت مصممة هذا اللباس، اللبنانية عايدة مسعود زناتي، والتي تعيش في أستراليا، في مقال مطول في صحيفة “الغارديان” البريطانية، عن “البوركيني”.

وتحدثت عن البداية والتي تعود إلى عام 2004، قائلةً إن “الفكرة برمتها بدأت حين واجهت ابنة أختي بعض المشكلات في الانخراط ضمن فريق كرة الشبكة في مدرستها، وكان على أختي الكفاح لاحقاً من أجل انتزاع هذا الحق لابنتها المحجبة”. وتابعت أنه عندما قبلت الفتاة ضمن الفريق الرياضي ذهبت العائلة لتشجيعها، ولكن عايدة لم تشعر بالارتياح حين رأت ابنة أختها بلباس غير مناسب للرياضة وتتصبب عرقاً، فخطرت الفكرة ببالها، وتساءلت حين عادت إلى منزلها لم لا تصنع لباساً يناسب النساء المحجبات أكثر لا سيما في الأنشطة الرياضية. وقالت “أردت ألا يحرم أي شخص من أنشطة رياضية بسبب قيود تفرض بداعي التعفف”.

وقالت إنها صممت البوركيني قبل 10 سنوات في سيدني، والذي يغطي الجسد من الرأس إلى أخمص القدمين، بهدف تمكين المسلمات من التمتع بالشاطئ. وقد جربته بنفسها وارتدته للمرة الأولى، وذهبت فيه إلى البحر، وللمرة الأولى اختبرت هذا الشعور الرائع، بحسب توصيفها، بالسباحة وبالحرية. وتابعت “البوركيني لباس صممته لإعطاء الحرية للمرأة المسلمة المحجبة وليس لأخذها منها”.

مايوه على شاطئ صيدا

وما كان ينقص لبنان إلا افتعال أزمة تضاف إلى أزماته. الناشطة الاجتماعية ميساء حنوني إحدى سيدات مدينة صيدا (جنوب بيروت) قصدت المسبح الشعبي برفقة زوجها للاستمتاع بأشعة الشمس والسباحة. حنوني درجت على هذه العادة منذ خمس سنوات، لكن هذا العام قام شيخ برفقة أتباع له، بلغ عددهم 15 شخصاً تبعاً للإعلام، بالاعتداء اللفظي عليها وعلى زوجها، بسبب ارتدائها المايوه، ووصل الأمر لرجمهما بعبوات الرمل وطردهما من المسبح. ووفقاً لما صرحت به تلك السيدة أن هذا يحدث معها للمرة الأولى، وشددت على أنه لا يحق لأحد أن يمنعها من ممارسة حريتها، قائلة “هذه مدينتي وهذا بيتي. الدستور يكفل الحرية الشخصية، وبالتالي لا يحق لأحد أن يُنصّب نفسه على رقاب وحرية الناس، وأن يُقرر ما هو الصح وما هو الخطأ”. وكانت بلدية صيدا قد نشرت أخيراً لافتة كبيرة عند مدخل شاطئ مسبح صيدا، اشترطت فيها على رواد الشاطئ الالتزام بتعليمات الدخول، وأهمها التقيّد باللباس المحتشم، ومنع إدخال المشروبات الكحولية، ومنع أصوات الموسيقى المرتفعة. وأثار قرار بلدية صيدا جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي. وشددت البلدية، في بيان لها، على أن عناصرها وشرطتها وإدارة المسبح ستراقب تطبيق الشروط والإرشادات، داعية رواد الشاطئ إلى الالتزام والتقيّد بها.

هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام اللبناني اتسعت تداعياتها من اجتماعية إلى سياسية، حيث طالب أحد المعترضين السيدة حنوني أن تذهب إلى شاطئ جونية (شمال بيروت)، ما أثار حفيظة شريحة مسيحية اعتبرت ما حصل، مع حوادث مماثلة، يؤكد أن لا حل إلا بتطبيق الفيدرالية لتفادي مثل هذه الأمور. كذلك شريحة واسعة من اللبنانيين أعادت طرح السؤال الآتي: هل يحق لأي تجمع أو طرف بحجة “الخصوصية المعينة” أن يتحول إلى قاض وجلاد، وأن يصادر دور السلطة، من أجل فرض آرائه على بقية المواطنين، في بلد دأب على حماية الحريات وحق التعبير؟ هناك من يعتبر أن اللباس ليس حرية شخصية للرجل وللمرأة على حد سواء، حيث يجب الالتزام بقواعد المجتمع. بالوقت نفسه يجب احترام طقوس وعادات وتقاليد الآخرين، من دون فرض القيم المجتمعية على أي كان.

قالوا عن “البيكيني”

عام 1950، أجرت مجلة “تايم” مقابلة مع قطب ملابس السباحة الأميركي فريد كول للتعليق على البيكيني، فقال إنه لا يشعر إلا بالازدراء تجاه مثل هذه الملابس، لأنها صُممت لنساء فرنسا الضئيلات، مضيفاً أن الفتيات الفرنسيات لديهن سيقان قصيرة، ولذلك يرفعن ملابس السباحة على الجانبين لجعل أرجلهن تبدو أطول. لكن بعد ست سنوات من ارتداء برنارديني للبيكيني، أدت بريدجيت باردو دور البطولة في فيلم The Girl In The Bikini، ثم عام 1962، وخرجت أورسولا أندريس الألمانية السويسرية، من الأمواج في فيلم Dr. No، وهي تؤدي دور فتاة جيمس بوند.

ولاحقاً، كان لانتشار حمامات السباحة دور كبير في انتشار البيكيني، إذ أعطى النساء مكاناً منعزلاً لاختبار الملابس الجديدة، وسرعان ما أصبح البيكيني في كل مكان. عام 1964، نشرت مجلة رياضية أول غلاف لفتاة ببيكيني أبيض، ثم عام 1967 كتبت مجلة “التايم” أن 65 في المئة من الشابات أصبحن يرتدينه. وتعززت شعبية البيكيني من خلال ظهوره في أفلام معاصرة مثل How To Stuff a Wild Bikini، وكانت الفنانات والعارضات يقمن بشفط معداتهن أثناء تصوير مشاهد البيكيني لتبدون أكثر جمالاً.

وفي فترة السبعينيات، ظهرت عارضات أزياء مثل شيريل تيغز، التي امتلكت القوام الرياضي المثالي الرائج حتى اليوم. أدى ظهور هذا النموذج المثالي إلى تساؤل العديد من النساء: من يجب أن ترتدي البيكيني بالضبط؟ في الستينيات من القرن الماضي، أصدرت إميلي بوست الكاتبة الأميركية المتخصصة في الإتيكيت، مرسوماً، بأنه مخصص للشخصيات المثالية فقط، وللصغار جداً. لكن منذ ذلك الحين، شجع عدد من مصممي ملابس السباحة، أبرزهم ماليا ميلز، النساء من جميع الأعمار وأنواع الجسم على ارتداء البيكيني. عندما واجهت مصممة ملابس السباحة نورما كمالي، سؤالًا عن الشخص الذي لا ينبغي له ارتداء البيكيني، قالت أي شخص لديه بطن. لكن لاعبة الكرة الطائرة الشاطئية المحترفة غابرييل ريس، قالت إن الثقة وحدها يمكن أن تجعل المرأة مناسبة لارتدائه.

المصدر: سوسن مهنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!