“صدمة في بيت الوسط”
يقول أحد المقرّبين من الرئيس سعد الحريري، “لو أرادَ الحريري اليوم تشكيل خليّة أزمة من مفكّرين تنتشل تيّاره ممّا هو عليه، لن يجد جنبه سوى شخصٍ أو إثنَيْن في المستقبل ككلّ على أبعدِ تقديرٍ”.
اليوم، يعاني سعد الحريري، بحسب ما يُشاع ضمن أجواءٍ في بيت الوسط، من ثلاثِ مشاكلٍ أساسيّةٍ.
الأولى، تتمثَّل في الشح المادي وافتقار الرجل إلى مدخولٍ حقيقيٍّ كانت تؤمنه شركاته في السعودية قبل عملية “اختطافه” وتجريده من امتيازاته في “مملكة الخير”.
الثانية، تكمن في تضعضع وضعيته السياسية في لبنان، اذ تعاكس اصطفافاته العلنية رغباته ومصلحته الفعلية، وفي وسطِ هذا التناقض يقع الفشل في الإدارة ونتيجتها الخروج من السلطة.
المشكلة الثالثة “الأساسية”، ترتكز على التباعدِ الكبير بين الحريري وجمهوره، حيث يقول استطلاعا رأي وصلا إلى يد رئيس الحكومة السابق، أنّ نسبة اللبنانيين من المسلمين السنّة المؤيدين له تتراوح بين 17 و21 بالمئة.
شكّل هذا الأمر، صدمة وأعاد خلط أوراق الرجل من جديد. هو الذي اعتقد أنّ باستقالتهِ وحكومتهِ انصياعًا لرغبات الشارع سيشكّل لنفسه رافعة خيالية عن باقي الأفرقاء، فأتته الـ17%.
أبلغَ الحريري المحيطين به، أنّه سيعمد بعد تشكيل حكومة حسان دياب إلى بدءِ مراجعةٍ كبيرةٍ لكلِّ الفترة الماضية.
وينقل عنه مقرّبون ندمه الكبير على الدخول بتسوية سياسية أودت به في نهايةِ المطافِ لاعبًا غير أساسي على الساحة. كان يفضّل الأخذ برأي مرجعية عربية غير خليجية، أسرّت له بعدم ترؤس حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية، ناصحة إيّاه بعدم المشاركة بحكم قد ينقلب عليه الشارع.
رفضَ الإذعان حينذاك، هو الخارج من معركة اغتيال سياسي كانت تهدف الى تنصيبِ شقيقه بهاء على رأس تيار والده السياسي، وهو الخارج بنجاحٍ أيضًا من تجربة نيابية في ظل قانون مجهول كاد أن يقضيَ على عددِ نواب كتلته بأكثر من النصفِ.
يسعى الحريري اليوم إلى إحداثِ تغييرَيْن فعليَيْن، أوّلًا في التحالفات، وثانيًا في مخاطبة جمهوره.
مصدر مقرّب من بيت الوسط، يشير، الى أنّ الحريري اليوم يضع في سلّم أولوياته مواجهة الوزير السابق جبران باسيل. يعتقد الجميع في “المستقبل”، أن رئيس التيار الوطني الحر وحده بلا أي شريك أخرجَ الحريري من الحكم. إذ يجزم هؤلاء، أنّه كان سببًا رئيسيًا في فشل الحكومة السابقة.
نعم، بهذه البساطة، يعتقدون أنّ لو باسيل بقيَ خارجها لسد العجز وبُنيت السدود وعولجت أزمة المصارفِ وحوربَ الفساد شر محاربة.
يتابع المصدر متوقفًا عند محطتَيْن أساسيتَيْن، ١٤ آذار ٢٠٠٥ والتسوية الرئاسية. ويرى، أنّ حلفَ ١٤ آذار سقط بفعل العوامل الإقليمية، ولا يمكن له أن يعودَ الى الحياة لصعوبةِ إقناع وليد جنبلاط بالمواجهة. أما التسوية الرئاسية، فأسباب فشل الحريري فيها باتت معلومة. الآن وُجِبَ البحث عن صياغةٍ جديدةٍ لعلاقاتِ تيار المستقبل.
الباحث في المكوّن اللبناني، لا يرى سوى بالتحالفِ مع الثنائية الشيعية تجربة لم يخضها الحريري.
يفنِّد الرجل صعوبات عدّة تحول دون ذلك، أبرزها وضعية ا ل ح ز ب الإقليمية، إضافةً إلى تذويبِ جليد التعبئة التي مارسها تيار المستقبل على جمهوره تجاه ا ل ح ز ب أمرٌ في غاية الصعوبة، ولاسيما وأنّ أمام هذا الجمهور خيارات أخرى عديدة.
نقطة ثانية يستصعب المصدر تخطّيها، تتمثل في مسألة المحكمة الدولية واتهام عناصر من ا ل ح ز ب بقتل الرئيس رفيق الحريري. ينسف، أي آمال بسلوكٍ هذه الفكرة مسار التحضير أو حتى “قياسِ النبضِ”، على الرغم من أنّه مقتنعٌ تمامًا أنّ التحالفَ بين “المستقبل” وا ل ح ز ب يكاد يخلو من أي عوامل سلبية على الداخل، بدءًا من الشارعين السني والشيعي وصولًا إلى تشكيل أكثرية نيابية ساحقة تحكم بتجانسٍ مرورًا بإمكان لعبِ الفريقَيْن دورًا متوازيًا على الصعيدَيْن الاقتصادي والسيادي كما كان في أيّام الحريري الأب.
يختم في هذه النقطة مؤكدًا، أنّ خيارات الحريري ضيّقة والتقوقع في المعارضة اليوم لن يفيده.
على صعيدِ جمهورهِ، يفتقد الحريري اليوم للعامل الأهم الذي لطالما كان سنده للحفاظ على إلتصاق الشارع به، المال ولا شيء غير المال. ولغياب هذا “المؤثّر”، ومعه الوسيلة الإعلامية الحزبية الناطقة بإسمه، يكاد يكون فارغًا من أي حلول تعيد إليه شارعه.
يؤكد المصدر القيادي نفسه، أنّ تجربة قطع الطرقات في بيروت إبان تسمية حسان دياب غير مشجّعة، ولا تنم سوى عن تدهورٍ في الشعبيةِ، رغم استخدام لغة تقارب المذهبية لتجييش الناس، ليتفاجأ مسؤولو التيار ، أنّ الإقبالَ بقيَ ضعيفًا.
وعن الحلول، يختصر كل شيء بجملةٍ واحدةٍ: “العودة إلى السلطة تعيد الناس إلى تيارهم”.
بين الـ١٧٪ الصادمة وافتقاره إلى الحلول، لا يقبل المنطق فكرة انتهاء زمن الحريرية السياسية، فيما يطلب منها حججًا مقنةً عن دلائل بقائها على قيد الحياة. فهل يذهب الحريري في الفترة المقبلة نحو تحالفات تصدم شارعه وتمهّد لعودته إلى السلطة؟ القرار ملكه وحده هذه المرّة.
“ليبانون ديبايت” – صفاء درويش