أيار شهر الصّحة النّفسية: اللّبنانيون الأكثر حزناً وتوتراً

صدى وادي التيم-لبنانيات/

منذ عام 1949، تم تصنيف شهر أيار بأكمله بأنه شهر التوعية بالصحة العقلية في العديد من البلدان حول العالم. كما تكثف الأمم المتحدة في هذا الشهر من حملات التوعية بأهمية الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية، وتقليل الوصمة المجتمعية التي تُحيط بها. وفي ظل الانهيار الاقتصادي التام، والأوضاع السياسية والأمنية، والضغوط التي يعاني منها اللبنانيون، كيف تتم استجابتهم للصحة النفسية؟

معنى الصحة النفسية
حسب المعالجة النفسية ليال عزيزي، “الصحة النفسية هي مستوى الرفاهية النفسية، حيث يتمتع الشخص بعقل خالٍ من الاضطرابات، ويتمتع بصحة نفسية وعاطفية إيجابية”. وتعتبر الصحة النفسية أمرًا ذا أهمية بالغة، إذ يعيش الإنسان في حالة قلق دائم واضطراب داخلي وتوتر من دونها. لذلك، فإن التركيز على صحتنا النفسية يصبح أمرًا ضروريًا تمامًا كما نهتم بصحتنا الجسدية”.

صحة اللبنانيين النفسية
يُعَدّ اللبنانيون من أكثر 10 شعوب توترًا وحزنًا في العالم وفقًا لتقرير غالوب العالمي للمشاعر. تظهر الدراسة أنه مع تصاعد صعوبات الحياة في لبنان، ارتفعت المشاعر السلبية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. ففي هذه الدراسة التي أجريت في العام 2021، تبين أن كل ثلاثة أشخاص من أصل أربعة يعانون من التوتر والإجهاد طوال اليوم. وأكدوا من أجريت عليهم الدراسة أن نصف سكان لبنان أيضًا يعانون من حالات كثيرة من الحزن والغضب. وفي دراسة أجرتها الجامعة اللبنانية أظهرت أن قرابة 17% من اللبنانيين يعانون من اكتئاب شديد منذ انفجار مرفأ بيروت.

في هذا السياق توضح عزيزي لـ”المدن” أن “كل ما مررنا به في لبنان من كورونا، انفجار المرفأ، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ترك آثارًا نفسية مدمرة على الشعب اللبناني، وزادت من نسبة الاضطرابات النفسية. وأحد أبرز هذه الاضطرابات هو القلق النفسي”. وتؤكد أن الإقبال على العلاج النفسي زاد بنسبة تفوق 50%، وذلك بفضل زيادة الوعي بأهمية الرعاية النفسية وتخفيف التحامل على من يلجؤون إليها وعدم اعتبارها “تابو”. ولكن ما زال هناك فئة لا بأس بها توصم المريض النفسي أوالعقلي بـ”المجنون”، وهو تعبير شعبي لا يشجع على مواجهة المرض والعلاج”.

وتضيف “للأسف، ما زال العلاج النفسي يُعتبر من الكماليات. إذ لا يلاقي الدعم رغم أنه ضرورة. ومع الظروف الحياتية الصعبة التي نمر بها في لبنان، يواجه البعض صعوبة في اللجوء إلى العلاج النفسي”. ولفتت إلى أن المعالجين النفسيين على دراية بالوضع ويساعدون كثيرًا من خلال تخفيف التكاليف والتطوع مع جمعيات تقدم الخدمات مجانًا.

صحة الأولاد النفسية ضرورة
الاهتمام بالأطفال ونموهم السليم، وصحتهم الجسدية، على رأس أولويات الوالدين، لكن ذلك لا يكفي إذا كان الهدف هو توفير حياة سعيدة ومستقرة ومليئة بالنجاح لطفلهم. وتعتبر الصحة النفسية الجيدة مفتاح النمو الصحي ولا تقل أهميتها عن الصحة البدنية. فالصحة النفسية لدى الأطفال تتحكم في شعورهم تجاه أنفسهم وتجاه العالم من حولهم، ولها دور كبير في كيفية تعامل الأطفال مع ضغوط الحياة وتحدياتها. كما أن سلامتها تساعدهم على تطوير مهاراتهم الاجتماعية والسلوكية، والتي تنعكس في حياتهم حتى بعد سن الطفولة.

في هذا الإطار تقول المعالجة النفسية للأطفال والاختصاصية في الإرشاد والتوجيه العائلي رهام منذر لـ”المدن” إن تربية الأطفال وفق صحة نفسية متزنة هو أمر أساسي. وذلك لتجنب أي اضطرابات أو مشاكل نفسية في المستقبل، وزيادة المرونة النفسية لديهم وسعادتهم. وتشدد على أنه كلما كبر الشخص ولديه مشكلة نفسية منذ الطفولة ولم يتم علاجها أو تشخيصها، كلما زادت صعوبتها وأصبحت أصعب التعامل معها وعلاجها.

وتجزم منذر أن “لا علاقة للصحة النفسية بالوضع المادي، أي حتى الأشخاص غير المقتدرين مادياً يستطيعون تربية أولاد أصحاء نفسياً، لأن الأساس في التربية هو الحب، التفاهم، الحوار والاحترام، ومساعدة الأولاد على التعبير والتفريغ والاستماع، وليس المال والهدايا”. وتكمل حديثها عن الأوضاع الصعبة التي يمر بها الأهل ومدى تأثر الأولاد بها، قائلة: “عندما يعاني الأهل من تحديات نفسية، يتأثر الأولاد بحالة أهاليهم، ودرجة التأثر تعتمد على صعوبة التحديات النفسية التي يواجهها الأهل”.

تختم حديثها “ليس ضرورياً أن يخضع كل ولد للعلاج النفسي، ولكن من الضروري على الأهل الاستعانة بمرشدة تربوية، لمعرفة ما إذا كان منهجهم التربوي صحيحًا وكيفية التعامل مع الصعوبات والتحديات اليومية، من دون أن تكون لتصرفاتهم تأثيرات سلبية على الأولاد. مع تعلم كيفية إقامة حوار فعال معهم، والتأكد من تربية أولاد يتمتعون بصحة نفسية وسلوكية سليمة”.

في النهاية، تتطلب جميع دول العالم جهودًا ضخمة ومستمرة للتوعية بالصحة النفسية، ليس فقط شهرًا واحدًا. بالإضافة إلى ذلك، فمن الضروري أن يتم تغيير ثقافة المجتمعات، لكي تتقبل الأمراض النفسية والعقلية على أنها مشاكل صحية مماثلة للمشاكل العضوية. يجب ألا يتم وصف المرضى النفسيين أو العقليين بألفاظ مسيئة تعوق علاجهم أو تدفعهم إلى اللجوء إلى التستر خوفًا من التنمر والنبذ. يجب أن يتم توفير بيئة داعمة ومتساوية للجميع، حيث يمكن للأفراد أن يطلبوا المساعدة والعلاج من دون خوف من النبذ أو التمييز. بتكاتف الجهود، يمكننا بناء مجتمع أكثر إيجابية وداعمة للصحة النفسية للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!