حربٌ من نوعٍ جديد في لبنان.. أهلاً بـ”مواجهات الإنترنت”!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
بعد إضرابٍ دام لأيامٍ عديدة تخللها انقطاعٌ في خدمات الإنترنت والإتصالات في مختلف المناطق اللبنانية، قرّر موظفو هيئة “أوجيرو”، أمس، العودة إلى العمل بعدما وجدوا أن أصداء إضرابهم “بلغت المدى المطلوب محلياً وإقليمياً وحتى لدى الهيئات النقابية الدولية”، وفق بيانٍ صادر عن نقابة موظفي الهيئة.
في الواقع، فإنّ عودة موظفي الهيئة إلى العمل كان أمراً ضرورياً بالنسبة لوزارة الإتصالات، إلا أنّ هناك مشكلة أكبر كانت أكثر تأثيراً من الإضراب، وهي تجرّؤ عاملين في قطاع الإتصالات على “التكسير ببعضهم البعض”. حقاً، هذا ما حصل حينما اتهم موظفون في هيئة “أوجيرو” شركتي “ألفا” و”تاتش” بشراء الإنترنت بأسعارٍ زهيدة، إذ قيل إن “الشركتين تأخذان خدمة الـE1 على سعر 475 ألف ليرة لتبيعه بزيادة 40 ضعفاً تقريباً”. هنا، فقد أعطيَ مثال على أن “ألفا” أو “تاتش” تشتريان الـ80 جيغابايت مقابل 60 ألف ليرة تقريباً (نصف دولار)، وتبيعان كل 10 جيغا بنحو 10 دولارات، أي أنهما تربحان أكثر من 10 دولارات في كل عملية.
المُفارقة هنا أن هذا الكلام الذي قيل عن مسألة الأسعار ومبيعات الإنترنت من “أوجيرو” لشركتي الخليوي، جاءت من موظفين في القطاع، فالهجوم كان مباشراً وبشكل واضح، والسؤال الذي طُرح: ما الغاية من هذه اللغة الهجومية؟ هل بات موظفو قطاع الإتصالات في مواجهة مع بعضهم البعض؟
خلال إضرابات “تاتش” و “ألفا”، لم يشهد أي تحرك للموظفين هجوماً على “أوجيرو”، وهذا الأمرُ كان ملموساً. الكلامُ هنا ليس دفاعاً عن شركتي الإتصالات، لكن الوقائع كانت تثبت ذلك، إذ ما من بيان أو كلام صدر عن موظفي الشركتين يطالُ “أوجيرو” وعملها، بل على العكس، فقد كان التعاون كبيراً ومستمراً ودائماً بين الطرفين ولا إشكالية أصلاً لأن التكاملية قائمة. حُكماً، هذا الأمر تثبته وقائع ثابتة اليوم، إذ تبين أن فرقاً تابعة من شركتي “الخليوي” بادرت إلى تشغيل سنترالات عائدة لأوجيرو في مناطق مختلفة من أجل استمرارية العمل.. إذاً، هذا الأمر يؤكد أن العلاقة أساسية بين الأطراف الفاعلة في قطاع الإتصالات، وبالتالي فإنّ الإتهامات العلنية الذي جاءت من موظفين في “أوجيرو” يجب تداركها فوراً.
وفي سياق ما يحصل، كان لنقابة موظفي ومستخدمي الشركات المشغلة للقطاع الخليوي بيانٌ شجب فيه “الحملات المشبوهة لشيطنة قطاع الإتصالات لاسيما الخليوي منه”، مؤكدة أنها “ستتصدى لها”، وأضافت: “الموظفون حافظوا على استمرارية الشبكة والخدمات، وقد كانوا مصدر جذب لكثير من الشركات الإقليمية والعالمية للتعاقد معهم”.
مع هذا، فقد نبهت النقابة إلى “ضرورة مقاربة الأمور مقاربة علمية مبنية على وقائع لا على أهداف مدمرة”، مشيرة إلى أنّ “الموظفين سيبقون يداً واحدة في سبيل ما يطمح إليه أي زميل لناحية تحسين وتحصين وحماية حقوقه”.
هنا، فإنّ بيان النقابة جاء مُنصفاً وشاملاً للموظفين في كل الشركات، كما أنه لم يكرس أي مواجهة مع موظفي “أوجيرو”، بل ضمّ صوته إليهم في معركتهم الحقوقية والمطلبية.
من جهة أخرى، وبعد التمحيص والإستفسار من قبل أخصائيين، فقد تبيّن أن شركتي الإتصالات تشتريان الـ”E1″، وهي خدمة مرتبط بسعة الإنترنت. وفي الأصل، فإنّ سعر هذه السعة منصوص عليه بمرسوم حكوميّ، وبالتالي لم تطلب الشركتان سعر الـ”E1″ من “أوجيرو”، كما أنهما لم تفرضا التعرفة. من جهة أخرى، فإنّ السعة التي تشتريها “تاتش” و “ألفا” لا تعني أنها الإنترنت بحد ذاتها، بل هي تخضع لمعالجة ولتطوير من قبل الشركتين من أجل استغلالها واستثمارها في الإنترنت المحمول الذي لا تقدمه “أوجيرو” في الأصل. وكمثال بسيطٍ جداً: الـ”E1″ هي لوحٌ من الخشب ومنه سيتم صنع 3 كراسٍ وطاولة صغيرة، علماً أن هذه الصناعة أيضاً تحتاجُ إلى مواد أخرى أيضاً لإتمامها بمنأى عن اللوح الخشبي. هنا، فإن عملية التطوير قد حصلت من قبل فريقٍ متخصص بهذه الصناعة، فحول الـ”E1″ من مادة جافة إلى أمور محسوسة وجيدة وذات جودة عالية. مع هذا، قد يكون اللوح الجاف بـ20 دولاراً، في حين أن الكراسي مع الطاولة سيتم عرضهم للبيع بـ50 دولاراً، لأنه تمت صناعتها، توضيبها، رشها، تزيينها وغيرها من الأمور.
مع هذا، تقول مصادر ناشطة في قطاع الإتصالات لـ”لبنان24″ إنّ أسعار الخدمات يتم طرحها بناء لتكلفة تطويرها وغيرها من الأمور، كاشفة أن شركتي “ألفا” و “تاتش” أرسلتا كتاباً تفصيلياً إلى وزير الإتصالات جوني القرم تشرحُ من خلاله آلية الشراء من “أوجيرو” والأمور التقنية التي توضح الأمر المرتبط بملف الـ”E1″.
بدوره، أكّد رئيس لجنة الإتصالات النيابية النائب إبراهيم الموسوي لـ”لبنان24″ إن “اللجنة فتحت تحقيقاً بأي ملفٍ يرتبط بقطاع الإتصالات مهما كان حجمه ومهما كانت الجهة المرتبطة به”، مشيراً إلى أنّه “لا خيمة فوق رأس أحد، وهناك قرارٌ بمتابعة الملفات المرتبطة بالقطاع حتى النهاية، ومن صلاحيات اللجنة المطالبة بالمساءلة والمحاسبة”.
ولفت الموسوي إلى أنّه “سيعقد يوم الإثنين المقبل إجتماع لبحث مسألة الـE1، ومن المقرر أن تتم مناقشة الملف بكامل تفاصيله بحضور وزير الإتصالات الذي سيقدم ما لديه من معلومات ومعطيات من شركتي الإتصالات”، وأردف: “اللجنة لا يحق لها إستدعاء أي شركة، بل هي تتعاطى مع الوزير الذي يقوم بدوره في متابعة الملف مع الشركات واستطلاع أمورها، والأساس هو أنه لن يكون هناك أي تهاون مع ملفٍ يشوبه فساد أو ثغرات قانونية”.
إذاً ما يتبين من كل الملفات المطروحة هو أنّ “حرب الإنترنت” وتكلفتها قد بدأت في لبنان حقاً، فالمواطن هو الضحية أولاً وأخيراً. إلا أنه ومع ذلك، فإن ما يجب الإلتفات إليه هو أنّ قطاع الإتصالات يجب أن يبقى مُصاناً لأنه من القطاعات التي تعتبرُ محورية جداً في لبنان.. فمن خلاله، تأتي الإيرادات، وعبره تتم مواكبة التطور التقني، ومن خلاله يرتبطُ لبنان بالعالم، ومن دون إتصالات سنكونُ معزولين تماماً في أي لحظة وأي توقيت.