عصاباتُ الإنترنت في لبنان تُحكمُ سيطرتَها.. “نحنُ أقوى من الدولة”!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
فقط في لبنان، قطاعٌ منذ عشرات الأعوام يُعتبر قطاعًا غير شرعيّ، يعملُ ويكسبُ ويُحقّقُ أرباحًا خياليّة من دون المسّ بأي عاملٍ أو شركةٍ، أو أي شخصٍ يعمل داخلهُ… هذا هو لبنان الذي تأقلمنا فيه.. وهذه هي قصّة الإنترنت غير الشّرعيّ..
فبالعودة 14 سنة إلى الوراء، انفتح ولأوّل مرة ملفُّ “الإنترنت غير الشّرعي في لبنان”، فيما عُرف بـ”محطة الباروك” آنذاك، والذي سلّط الضّوء على شكوك التّعامل مع إسرائيل لأهدافٍ تجاريّة وتجسسيّة، ليَفتَحَ الملفُ البابَ على ملفاتٍ كبيرة، ودسمةٍ، حملت معها غوصًا بمغاراتٍ كثيرةٍ تَجني الأموال على حساب اللّبنانيين، حارمةً الدولة من مردودٍ ماليّ كبير.
قطاعٌ موازي لدولة
فعليًا، يسيطرُ قطاعُ الإنترنت غير الشّرعيّ على القطاع الشّرعيّ في لبنان، ليرسم لبنان مفارقةً جديدةً في مفهومِ دولة العناية والرعاية وتوزيع الخدمات، إذ يكون أوّل دولة يسيطر عملٌ غير شرعي(٦٠٪) على آخر شرعيّ(٤٠٪) تابعٍ للدولة من دون أن يتمَّ إجراء اللازم من ملاحقاتٍ قانونيّة، وتوقيفٍ لهذه “العصابات”، التّي قرّرت ومع بدء الأزمة في لبنان أن ينتهج”بزنس” جديدًا يتمثّل بفرض ما يحلو لها من بدلات اشتراكاتٍ يتماشى وهوى مصالحها.
فلا يمرُّ أسبوعٌ إلا وتُرسل شركات الإنترنت رسائل تفيد برفع الأسعار، إلى أن حلّت الواقعة على أكثر من 700 ألف مشترك، حيث وصلت إليهم رسائل تفيدُ بأن اشتراك الإنترنت سيكون مسعّرًا على الدولار ،وبقيمٍ تفوق بآلاف المرات حجم التّكلفة، وهنا يأتي بيت القصيد: إستفادةٌ وسرقاتٌ ممنهجة وعلنيّة أمام أعين الدولة، وعلى حساب المواطن الذي خضع للأمر الواقع.
مصادرٌ من داخل وزارة الاتصالات مُطّلعة على الملفِّ تؤكد لموقعنا “الأفضل نيوز” على أنّ وزارة الاتصالات تعملُ جاهدة على منع قطاع الإنترنت غير الشّرعيّ من التّحكم بقطاعِ الإنترنت بشكلٍ كليّ، إلا أنَّ هذا الأمر هو شبه مستحيل، إذ إنَّ وزارة الاتصالات لا تملكُ أيّ سلطة على الأشخاص الذين يقومون بتوريد الإنترنت، وهذا الأمر مناطٌ بالدّرجة الأولى بالقوى الأمنيّة والسّلطة القضائيّة. فمنذُ عام 2015 تقريبًا صدرت تقارير عدّة تتكلم عن محاربة وزارة الاتصالات مع قطاع أوجيرو خدمات الإنترنت غير الشرعي، إلا أن سوء الإدارة، وعدم وجود رادع حقيقيّ وواضح من قبل السّلطات الأمنيّة أدى إلى تفشي هذه الظّاهرة، مُتجاهلين الدولة ومؤسساتها الرسميّة التي يجب أن تناطَ بها خدماتُ الإنترنت بالحالة الطّبيعيّة.
سعاتٌ خاصّة
يذهب المصدر بعيدًا بكلامه، ليتكلم عن ثروات هائلة تستطيع الشّركات المزوّدة للإنترنت غير الشّرعيّ أن تجنيها من خلال عملها، إذ يشير إلى أن السّعات التي تحصل عليها هذه الشّركات لا ترتبط فقط بوزارة الاتصالات، لا بل أن عقودًا عديدة يصوغها أصحاب الشّركات مع شركات أخرى متواجدة في قبرص واليونان، ليحصلوا منها على سعات، يوردون من خلالها خدماتهم إلى موزعي الأحياء الذين يقومون بدورهم ببيعها إلى المستهلك.
ومن هنا فإنّ البيع يأتي بفارق كبير وكبير جدًا ما بين القطاع الشرعي وغير الشرعي. فمثلاً اليوم، إنَّ أقل اشتراك يحسبه قطاع الإنترنت غير الشرعي هو 10$ “فريش” أو على سعرِ السّوق الموازية، ما يعني فعليًا أنَّ اشتراك الإنترنت ذا السّعة غير المحدودة بسرعة 4 ميغا لا يقل حاليًا عن 800,000 ل.ل، وهذا رقمٌ يشكّل أكثر من “ضعف” نفس الخدمة التي نستطيع أن نحصل عليها من قبل أوجيرو بسعرٍ أقل.
خسائرٌ لا تقع فقط على جيوب المواطنين، إذ تشير مصادر وزاريّة أخرى ضليعة بملفِّ الإنترنت في لبنان إلى أنّ معدل خسارة الدولة للأموال هو رقمٌ خيالي إذ أن الرقم بقي يتصاعد منذ العام 2009 ليصل إلى حدود عام 2021 إلى خسائر بلغت 400 مليون دولار، حُرمت منها وزارة الاتصالات وخزينة الدولة، وذهبت كلّها إلى جيوب موردي الإنترنت غير الشّرعيين.
أزمة أخلاق
أوساطٌ متابعة تشير إلى أنَّ وزيرَ الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال المهندس جوني القرم قد وضع خطةً حاول من خلالها إعادةَ ضمّ الـ 700 ألف مشترك إلى كنف الخدمات الشّرعيّة، وذلك من خلال إشراك ISP التي يبلغ عددها قرابة 100 شركة و DSP والتي يبلغ عددها السّبع شركات عبر توكيلهم بضمهم إلى كنف الموزعين غير الشّرعيين ودمجهم بطريقة شرعية، والاستفادة من خدماتهم بمن فيهم موزعي الأحياء، إذ تستطيع الوزارة حسب الأوساط الخاصة لموقعنا “الأفضل نيوز” أن تتخلص من أعباء الصيانة بشكل يصل إلى ٩٠٪، ما يعطيها هامشًا من الأريحية بظل هذا الوضع الصعب.
إلا أنَّ خطةَ الوزيرِ اصطدمت بالمناطقيّة والسّياسة التّي مَنعت أن تُحَلَّ شركة على حساب أخرى، أو أن يُقصى موزّع بمنطقة معيّنة على حساب موزعٍ أخر محسوب على فريق ما.
هذا كلّهُ جعل هؤلاء الموزعين مرتاحين على وضعهم طالما أن لا ملاحقات قد يتعرضون لها وسط حماية أحزاب نافذة.
ووسط فراغ كبير تخلّفه “أوجيرو” ببعض الأحيان، فإنَّ المواطنين وقعوا ضحية مجموعة كبيرة من عصابات الإنترنت غير الشرعيّ التّي فرضت “أرباحها” التي تراها مناسبة “لجيوب أفرادها”، بغض النّظر عن حجم التّكلفة التي تُعتبر بسيطة مقارنةً بحجمِ الأرباح.
ومن هنا فإنَّ الواقع يبقى كما هو، إذ إنَّ ما يقارب ١٥ سنة متواصلة استطاع خلالها قطاعٌ متأصّل في جذور الدولة وحياة المواطن اليوميّة تأمين أرباح خيالية، فإنّه من غير المعقول أن تستفيق الدولة فجأة وسط هذا الضياع والفراغ والتّفلّت، ليبقى اللبناني أسير مجموعات تنهشُ بلحمه من كل زاوية ومكان.
المصدر:جاد حكيم – خاصّ الأفضل نيوز