الهزّات الخفيفة محليّة ومطمئنة… “لا شيء غريبا في حصولها يومياً”
ما قبل الهزّة الأرضية فجر السّادس من شباط، ليس كما بعده بالنسبة للبنانيين بشكل خاص، وسكان المنطقة التي تأثرت بالزلزال التركي عموماً. منذ ذلك اليوم، والناس تعدّ الهزات الأرضية، من دون أن تقدر على التفريق بين العادية منها وبين الارتدادية، فكلّها تدفع إلى «الرّعب غير المبرّر» وفق الاختصاصيين.
تحوّلت مراقبة حركة الأرض إلى هاجسٍ، تستخدم لأجله خدمات الأخبار العاجلة، أو التطبيقات العلمية الراصدة للزلازل حول العالم، والتي تشهد إقبالاً لافتاً للنظر على الهواتف، إذ تسبّب زلزال تركيا، والمشاهد المرافقة في قهرمان مرعش وشمال سوريا بفزع وهلع لدى عامة الناس.
ولزيادة الطين بلّة، لا يكاد يمرّ يوم منذ فجر السّادس من شباط الجاري من دون تسجيل هزّات أرضية في الدائرة الواسعة المحيطة بمركز الزلزال، التي تزيد مساحتها على مساحة فرنسا. آخر الهزّات التي شعر بها بعض اللبنانيين كان أمس ظهراً، على إثر وقوع هزّة مقابل شواطئ مدينة اللاذقية السّورية، بقوة 4.7 درجات وفقاً للمركز السّوري للزلازل، وتلتها عدّة هزات ارتدادية لم تزد قوّتها على 2.7 درجات.
انشقاق تركيا
هلع بعض اللبنانيين، وانتظارهم مشهداً مشابهاً لما جرى في تركيا «مبرّر إنسانياً، لا علمياً» لدى بعض الاختصاصيين في الجيولوجيا، فما وقع على الأراضي التركية قريب من لبنان على كلّ المستويات، جغرافياً وجيولوجياً واجتماعياً، ودائرة التأثير تطاولنا جميعاً. إنّما يشدّد جيولوجيون تواصلت معهم «الأخبار» على «ضرورة فهم الأراضي اللبنانية المتحرّكة، فالبلد يقوم على صفيحتين، و3 فوالق رئيسية عدا الفرعية، والهزّات الخفيفة شبه يومية فيها، وتصل سنوياً لحدود الـ600». علمياً، «ولفهم قوة «زلزال قهرمان وتأثيره في المنطقة، يمكن تشبيه قوته بانفجار تعادل قدرته 50 ميغاطن من مادة الـ تي أن تي، أو أكبر تجربة نووية أجريت في العالم، ما تسبّب بكسرٍ طوله 350 كيلومتراً بين صفيحة أوراسيا، وبين صفيحة أفريقيا على أراضي الدولة التركية وحدها»، بالتالي لن تقف تأثيراته في حدود منطقة معيّنة. ولمزيد من الإيضاح، يذكّر الجيولوجيون بعدد الهزات الارتدادية الذي بلغ في الأيام الثلاثة الأولى 1200 هزة، وناهز الـ2400 حتى مساء أمس، ويطمئنون إلى «أنّ حركة الارتدادات ليست تصاعدية لا بالقوة، ولا بالعدد».
هزّات مطمئنة
بالنسبة للدكتور داني عازار، أستاذ مادة الجيولوجيا في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية، «لا شيء غريباً في حصول الهزات الأرضية يومياً»، ويرى في وقوعها بكثرة «أمراً إيجابياً ومطمئناً، إذ تسهم في تحرير الطاقة المحبوسة تحت الصفائح، ما يمنع وقوع زلازل تدميرية كبيرة».
وعن ترافق الزلزال التركي مع زيادة في الهزّات التي يشعر بها اللبنانيون، يجيب عازار بـ«أن لا شيء غير اعتيادي، فحركة الصفائح مرتبطة ببعضها»، ويشبه تركيبة الكوكب الجيولوجية بلعبة «البازل»، مضيفاً بأنّ «الفالق الأناضولي الذي تحرّك في تركيا مرتبط مع الأخدود الأفريقي العظيم، أيّ ما يعرف لبنانياً بفالق اليمونة، وكلّ تحرّك كبير مشابه لما جرى في تركيا سيؤثر في كلّ الصفائح، لا سيّما الأقرب»، ويشير إلى «هزّة قوية وقعت في رومانيا القريبة من مركز الزلزال»، أمّا الوقت المطلوب لعودة الأمور إلى طبيعتها وتوازنها، فيجزم عازار بأنّه «ليس بقصيرٍ وقد تزيد المدّة المطلوبة لذلك عن الشّهر، خلالها سنشعر بالهزات دائماً».
دورة الهزّات
لبنان ليس بعيداً من الزلازل الكبيرة، أو الأزمات الزلزالية، فـ«لكلّ فالق من فوالقه الثلاثة الرئيسية دورة». تاريخياً، كلّ حوالي 300 سنة يتحرّك أحدها متسبّباً بهزّة كبيرة، إذ يشير أرشيف الزلازل اللبنانية إلى وقوع 10 هزات أرضية بقوة تزيد على 6 درجات خلال الألف سنة الماضية، وقد تسبّبت بدمار في عدّة مدن، أهمّها بعلبك وبيروت. وقد حللّ الجيولوجيون بأنّنا نعيش هذه المرحلة اليوم، إنّما لا يمكن التكهن أبداً بمكان وقوع الهزّة أو تاريخها، أو وقتها، ولكن «الحدث التركي الكبير يطمئن لبنانياً، وكذلك الأزمات الزلزالية التي تؤدّي لسلسلة هزّات خفيفة متتالية في منطقة معيّنة، كما حصل عام 2008 في جنوب لبنان، حيث سُجّل ما يزيد على 1000 حدث زلزالي في تلك السّنة، لم يشعر اللبنانيون بأغلبها»، وبحسب المركز الوطني للجيوفيزياء وصلت الأزمة الزلزالية لذروتها يوم 12 حزيران 2008، الذي سجّل 100 هزة في يوم واحد». وعليه، يحسم الجيولوجيون النقاش، بـ«لا خوف من الزلازل، ولكنّ الاستعداد الدائم أساس».
فؤاد بزي – الاخبار