قراءة في رواية”سخافيا” للكاتب عبد الحليم حمود بقلم رأفت العزب
صدى وادي التيم – فن وثقافة/
عن رواية “سخافيا” للكاتب عبد الحليم حمود كتب الاستاذ رأفت العزي :
عندما التقينا في معرض الكتاب سألته هل تنصحني بقراءة “سخافيا “
انصحك بشده قال؛ وبرغم اني اخذت روايات ثلاث إلا أنني بدأت قراءة
الرواية التي نصحني بها وإليكم أولى انطباعاتي عن الرواية. وقبلا ، لا أنصح لمن لا يتمتعون بخلفية تاريخية بعيدة عن تاريخ الرواة بقراءتها وأن أُقرأ هنا بروية وعذراً.. فهذا تحليل وليس نقداً.
لأني أعترف لا أحسن النقد ولا اخجل
في ان اقول ايضا اني لا اعرف قواعد النقد أيضا. ولكنني قارئ بسيط للتاريخ، واتمتع بحسٍ روائي وخيال قد جعلني أحيانا أعتقد أني رافقت جيش زينب الزّباء (زنويا ملكة تدمر) ، وأن اكون قائدا عسكريا في فيالق جيشها الذي قاوم روما التي حشدت جيوشها لتسترد هيبتها . ثم تخيلت أني وقبيلتي قاومنا “اورليان” بجيوشه الجرّارة ، ولم نستكين للهزيمة وانضممنا إلى تلك المجموعات التي قادها قُصيّ.
فعبرنا الصحراء السورية نحو نجدٍ حيث ولدت أعظم قبيلة عرفها التاريخ؛ حافظت على نفسها، وأعدّت العدّة وشاهدتُ كيف بنت قريش قدرتها الاقتصادية والعسكرية والثقافية ثم عادت لتنتصر على الشرق والغرب وشاهدتُ أبهى الصور.
وأظن، بل أجزم أن عبد الحليم حمود كان واحدا من الذين كانوا هناك مع قبيلته أيضا؛ تسألوني كيف عرفت؟
عندما قرأت روايته واطلعت على بعض أفكاره جزمت أيضا بأنا كنا نجلس في مجالس النبي سويا على حافة الديوان ، نستمع ،ونرى، وكنا من الحشرية بمكان دفعتنا نحو المعرفة، فتلصصا عند الغسق على بيوت أصحاب النبي، نستمع إلى ما لم تقله أفواههم في مجالسه ف اشتكوا علينا. وصَنفتنا الآية الكريمة مع “الأشرار” في نصّها : ” ومن شر غاسق إذا وقب” سألنا النبي العظيم فكان متسامحا، قال انتبهوا إلى “إذا” الشرطية واسقط عنا تلك الصفة.
لذلك قلت منذ البداية إن لم يجلس قارئ الرواية في مجالس قريش ويعرف تاريخها قبل الإسلام خاصة، سيجد في بعض أجزاء الرواية شيئا هجينا ربما، لذا، رأينا من قبل ومن بعد، تعدد الروايات المختلفة في النص الديني الواحد والتأويل المختلف لماذا؟!
لأنهم ببساطة تنقصهم المعرفة بأحداث التاريخ وحركته والمصيبة أن معظم (مرجعيتهم للتاريخ توراتية) ويفتقدون خاصية الخيال.
نجح “حمود” في تقمص شخصيتين واقنعك تماما انه يتحدث عن اخوين نبتا في نفس البيئة, وشهدا مرحلة التحول التاريخي وما أحدثته الثورة الإيرانية على الصعيد الدولي سياسيا وما أحدثته على الصعيد الديني من تحول في الفكر طال بعض مسلمات المسلمين خاصة الشيعة منهم حيث فُرضت المفاهيم الجديدة بالسحر ، والدهشة ، ثم بالقوة.
نجح حمود في التسلل إلى عقل القارئ وقال ما أراد قوله عبر وصف تلك الشخصية “أسامة” أهوال الحرب ومغامرات الطفولة, ليتبين له عند النضج ” وصدمة الوعي ” انهار منظومتين قدّسهما فيما مضى :
الرواية التاريخية، الموروثة ، و أقانيم العبادة ، ثم انهيار المنظومة الاشتراكية
الصاعق، فعاش الصراع الذاتي الذي جعله كذا وكذا (أحداث الرواية) ف ” أسامة” كان يعبر عن آرائه، عن فكره ،عن فلسفته لمعنى الحياة فحاك قصه رائعه منطقية، تتسلل الى عقل القارئ وإقناعه بحقيقة الأحداث مستعينا بالكثير من الوقائع التاريخية كانت البرهان على صدقية حدوثها .
وكان حمود وفيا للتاريخ منسجما مع فكره، فكانت خطوته الذكية في تأليف قصة العملة النقدية التي تحمل اخباراً تهم المسلمين عموما “والشيعة” منهم خصوصا : وثيقة نادرة تؤكد صفة أميرين “للمؤمنين” هما في التراث التاريخي عند بعض المؤمنين، نقيضين. علي ابن ابي طالب
ومعاوية ابن ابي سفيان .
اخترع حمود بذكاء، قصة بوليسية مثيرة، تمثلت في أن جهات عدة كانت راغبة في الحصول على تلك الوثيقة قطعة واحدة لعملة نادرة “توثق” ان معاوية كان اولاً شخصيه موجوده، ” وهذا خبر سيء للشيعة” كما قال “الجنرال الإيراني” وإن ذكر هذا على لسان الراوي إنما لترد على الذين
ينكرون وجودها من أساسه!
وتذكر كما قال “الجنرال ” ما يفرح
بعض المغالين من الشيعة :
” بأن معاوية ” لم يكن مسلماً على الإطلاق بل كان عميلاً تابعا للمجوس الفرس بل أن بعض المرويات تؤكد ان معاوية كان مسيحيا و إنه قد مات والصليب في رقبته !”
وأنا هنا لا أناقش هذا وهو اصلا غير مطروح للنقاش ولكن سألت نفسي من ضمن سياق الرواية
لماذا أخبرنا عبد الحليم حمود بهذا كأنه كان سر وانكشف؟! فماذا يبقى إذاً حين ” يتعرى الساحر من قميصه وقبعته وجيوب سترته ” هنا، وجدت الإجابة بصوت نرجس :
” لماذا تعتقد أن كشف الأسرار وانقشاع الضباب خيبة وصدمة، بينما هي حل الغاز حميدة، ستنعكس على الإنسان والحيوان والطبيعة، ولماذا تصورت أن هناك عدد معين من المشاكل بينما يبدو الأمر لا متناهي، فقد اعتدنا أن نجد خلف كل ازمة ازمات، وتحت كل مرض أمراض”
استنتج هنا وأقول بلا تردد : الأديب يفعل كما يؤمن : ” صدمة الوعي” وبحسب فهمي البسيط يعني، الضرب على الرأس وخلخلة الجذور!
يريدنا ألا نخلط ما بين هوانا و رواياتنا الملتبسة مع حقائق حسية لم يفلح ضباب الأساطير بتغطيتها إلا حينما نترك العقل بلا تفكير او حراك.
إن ربط اسم الشخصيتين علي ومعاوية أميرين للمؤمنين في زمن واحدة ليقول أن صراع أبناء العمومة هو امتداد لصراع ما قبل الرسالة ما بين “التقاة و الماديين” ما بين الأغنياء والفقراء، وصراع على الزعامة وميراث النبي فهل الجمل وصفّين كانتا من أجل الدين ؟
نتائج الصراع كان عشرات ألوف الضحايا من العرب المسلمين؛ وإن هذا ما قد فتح للشعوبيين “المغلوبين ” بوابات عبور واسعة، لروايات غذوها قد جعلت الصراع مستدام ، يمر من باب الدين ولا يتوقف إلا عندما لا تسمح لهم الظروف بذلك، ومحرك ذلك كان وما زال ” الحس القومي” الذي ما مات في نفوس بعض رجال ما كانوا وما زالوا يفتخرون بتاريخهم الذي أسقطه العرب في القادسية ونهاوند.
ما عزز يقيني بفهم الكاتب لهذا
الجانب بعمق كان ذِكره لأصول
اسماء المناطق العربية هي ليست خورمشهر” يُصر اهاليها تسميته المحمرة” الأهواز = الأحواز ، ولم يغفل الكاتب عن ذِكر الأصول العربية لنرجس الإيرانية.
وحتى لا تضيع الفكرة أعود إلى سؤالي لماذا أخبرنا عبد الحليم حمود
بقصة العملة؟ في رأيي المتواضع قد قام بدفع الأمور، وإظهار ما يمكن تأويله ويُتداول، حول الخلافات والصراع آت، ما قبل الإسلام وما بعده والتي أصبحت صراعات بنيوية بين المسلمين. عبد الحليم حمود ُيطلق ناقوس الخطر بأن محاولة إشعال نار الفتن سوف يبقى إلى أبد الآبدين إن لم نتصالح مع ذواتنا ونعترف أن لكل حضارة أخطاء و ارتكابات، مثلما لها من إيجابيات ومساهمات.. وإن ذكر كلمتي ” حروب الأخوة” في سياق الرواية لم يكن عرضياً بل أعتبرته إشارة واضحة بأن تلك الحرب اشتعلت نتيجة لفرض رؤية معينة أتتنا من ” الشرق” ؛ وهي رؤية اختلفنا عليها ولم نتفق :
مسألة الولاية . ( ألم يقتل الأخ أخاه في حروب الضاحية والإقليم).
في السياق، وما تبع ذلك من صفحات تحدث فيها الراوي عن وعي الإنسان منذ ” عهد حمورابي وبوذا وكونفوشيوس وسقراط وأن الأسئلة الإنسانية متجاوزة للسحر، و متحايلة على الاسطورة… فمنذ 2500 سنة بدأ الإنسان بالبحث عن الصح” وإن التحول العظيم كما قال ، بدأ مع ” الرازي والفارابي وابن سيناء ثم نيوتن وانقلاب دارون على حكاية الخلق التوراتية ، وتبعه اينشتاين بنسبيته وعلى خط مواز، كان في فهم الدماغ ووظائف الغدد والقلب والدم “
حتى وصل الى تشخيص الانفجار العظيم : ” التكنولوجيا لجميع القطاعات وثورة الاتصالات وتشابك القارات” وإن كل هذا يخبرنا، إن على الإنسان أن ينمي ادراكه ليكون حراً، وأن الروايات القائمة على محاور الخوف، يجب أن تنتهي عبر” تولد الصدمة ” في فهم الذات .
لقد كنت هنا يا أستاذ عبد الحليم في قتال يرقى إلى مستوى الجهاد لتنفذ إلى الدماغ الذي لا يفكر إلا عندما يشعر بالصدمة، ويسبر أغوار المعرفة ،ويخلع عنه كل الأمراض التي أحاطت بنا و نقلتنا من أمة فاعلة إلى أمة خاملة يشد بعضها البعض إلى الوراء.
وأما الجزء الجميل هو أن عبد الحليم يتمتع بحس بوليسي مثير يضعك موضع الدهشة فقدّم رواية ممتعة لا تنفكْ من قراءتها ابدا.
ما قدمته ، ربما لا يرقى إلى مستوى النقد ولكن.. هذا ما استطعت اليه سبيلا. وستجدون من أضاف ويضيف ويضيء على جوانب لم اتطرق إليها حتما.
اتمنى لمبدعنا الأديب عبد الحليم حمود
التوفيق والنجاح وإن أمامي الآن روايته الأخرى ” ذاكرة هافانا ” أرجو ألا اتورط فيه