بطرس فرحات … نحات ريفي يمنح الحجر عاطفة
الميادين
قبل فترة استضافت جامعة البلمند في شمال لبنان الفنان النحّات بطرس فرحات، في معرض ضمَّ أكثر من ثمانين منحوتة من أعماله، الجديد أكثرها، ومنها بعض القديم.
المنحوتات كانت حجراً بغالبيّتها، مع بعض منحوتات، أو نصوب من الأشجار، جذوعاً أم أغصاناً، أحجامها تتراوح بين المتوسّط والصغير، تتّسم بحالٍ تعبيرية يغلب عليها الطابع العاطفي-الإنساني، وتغيب عنها ضخامة الصخور الكبيرة، والمنحوتات التي تقوم عليها “السمبوزيومات”، كما يغيب عنها صنف من أصناف النحت، وهو المعدن- الكولاج.
وبذلك يؤكّد فرحات في تصريحٍ للصفحة الثقافية في الميادين نت على هويّته الفنية “كنحّاتٍ ريفي، فُطريّ التجربة”، يتفاعل مع مواد الطبيعة في محيطه، فاقتصر في تجربته الفنية المديدة أساساً على الحجر الصلب، وبعض خشب، وهي عناصر وفيرة في بيئته الجبلية حيث يقوم محترفه، ومتحفه الطبيعي في بلدة جاج، أعالي قضاء جبيل في جبل لبنان.
تجربة فرحات “فُطرية” كما يحلو له التأكيد عليها، مصقولة بالتدريب على يد أساتذة مَهَرَة في دورات وورش عمل، في أكثر من جمعية، ومنها المعهد الروسي في بيروت، لكن تطوّر عمله الفني طاعن في بدايات عُمره، يوم كان يتفاعل مع الحجر.
منذ نعومة أظفاره، حمل فرحات الأبوشرد، والإزميل، والشاقول، والشاقوف، والمطرقة وسواها من أدوات البناء، يصقل بها الحجارة الخام من صخور بلدته، بهدف البناء. والصقل مُتعدِّد الأساليب والغايات، فمنه ما يُكعّب الحجر، ومنه ما يجعله زاوية، أو مُنحنياً، أو مائِلاً قليلاً حسب المكان المُخصَّص له، ولوظيفته فيه، فهو مفتاح تتماسك عتبات الأبواب، والنوافذ، والقناطر به، وهو زاوية مُستقيمة الحدّين، أو مُجرّد حال مُكعّبة للجدار، وفي كل الحالات يحتاج الحجر إلى مُعلّمين مَهَرة، يحوّلونه من حالٍ غير نافِعة إلى أخرى نافِعة. وهذا ما جرى مع فرحات كبنّاء صغير، فيافع، فشاب، فرجل.
بمرور الوقت، يتمكّن البنّاء من تطويع الحجر، ويصبح بإمكانه أن يعطيه الشكل الذي يريد، والحال التي يرغب، باستدارة، أو تفريغ، أو نعومة، أو خشونة، ويمكنه تطويع حجرين أو أكثر من ألوان وأصناف متنوّعة، يُزاوجها لتعطي جماليّة خاصة.
أحياناً ينحت سلسلة متواصلة الحلقات، من دون تكسّر، وتخرج من يديه مُتداخِلة بالنحت وليس بالتركيب.
تقنيات كثيرة اكتسبها فرحات في مساره الفني الطويل، بداية من العام 1991، ويتذكَّر وصوله للنحت بقوله: “بدأت بالنحت منذ الصِغَر، وكنت أميل للنحت بالفطرة، لذلك اشتغلت في نحت حجارة البناء في البداية، ومع اكتساب خبرة النحت، انتقلت إلى النحت الفني”.
عن الدافِع الذي أوصله إلى النحت الفني، قال: “استلهمتُ الفكرةَ من المثلِ القائل: “وراء كل رجل عظيم امرأة”، كنت في أوائل العشرينات عندما شغفت بفتاة إسمها ليلى، كانت تلهمني للتعبير عن عواطفي بطريقةٍ ما، فكان النحت مُفجّراً لعواطفي مواهب فنية”.
فرحات مواليد 1965، بدأ العمل في نحت حجارة البناء منذ العشرين من العُمر، واتّخذ المهنة ليس توارثاً، ولا نقلاّ عن أحد، بل محبّة بالنحت والحجر، كما يقول، شارِحاً موقفه: “شعرت أنني أستطيع أن أعبِّر عن نفسي بنحت الحجر، وبالطبع كانت مهنة رائِجة في جبال لبنان منذ القِدَم يوم كانت كل البيوت تُبنى من الحجر، لكن الطلب عليها اليوم تراجع أمام تقنيات البناء الحديثة، غير أن الطلب عليها يتم بصورة مختارة عبر ورش بناء فيلات كبيرة وقصور، أو ترميم قطع قديمة”.
تتّسم غالبيّة أعمال معرض “حكاية حجر” بالتجريد، وبالنسبة إليه، هي عناوين كثيرة منها “هجرة الأدمغة”، و”نقاش عاطفي”، و”أجيال”، و”أجنحة مُتكسّرة”، و” أمومة”، و”تضرّع”، و”حرارة لقاء”، و”عطاء”، و”لن نفترق”، و”عناق المغيب”، و”أحرار”، و”حمل”، وعناوين أخرى كثيرة.
يظلّ فرحات مُنكفئاً في محترفه أكثر الأوقات، يلجأ إلى أعماله، ينظمها شعراً، يعزفها كالموسيقى، كأنها كل ما لديه في الحياة، ينزوي ويتفاعل معها، ويرتاح إليها كعائلته التي لم يبدأ ببنائها بعد. أول معارضه أقيم في بلدته جاج سنة 2005، وبعد تاريخ طويل من العمل، أدرجت وزارة السياحة اللبنانية متحفه الطبيعي الذي يضمّ 185 منحوتة، على الخارِطة السياحية للبنان.
حائز جائزة النحت لعام 2016 من جمعية الفنانين اللبنانيين، وفي تموز 2017، أقام معرضه الفردي الثاني الذي ضمّ 185 منحوتة برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، وشهد الحدث توقيع كتابه عن تجربته مع النحت بعنوان “حلم الحجر”.
يؤكّد بطرس فرحات قائلاً “أنا نحّات ريفي، فُطريّ التجربة”.