لبنان.. ضرائب ضخمة على من يتقاضى راتبه بالدولار
صدى وادي التيم-لبنانيات/
تلقى آلاف الموظفين في لبنان، وتحديدا من يتقاضون رواتبهم بالدولار، صدمة كبيرة مع فرض وزارة المالية ضرائب على الدخل، تصل إلى نسبة 25%، وذلك في محاولة منها لتأمين إيرادات للموازنة العامة للبلاد التي تعاني من عجز كبير.
ووصف خبراء عملية التوسع الضريبي بالمجحفة والاقتصاص غير العادل من الموظفين، مقابل غياب شبه تام لشبكة حماية اجتماعية ومعيشية وتعليمية وصحية، وتحمل المواطنين تكاليف باهظة بالدولار لتوفير أبسط الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء والمحروقات.
اعتراضات ودعاوى:
يعمل بلال موظفا لدى إحدى المنظمات الدولية منذ نحو 5 سنوات، ويتقاضى راتبا يبلغ نحو 2500 دولار شهريا، لكنه منذ اندلعت الأزمة في خريف 2019، تحمّل أعباء مالية كبيرة، وأصبح وحده مسؤولا عن مصروف منزل والديه، ويؤمن ثمن أدوية وعلاج أمه المصابة بالسرطان، ويساند شقيقيه العاطلين عن العمل.
ويقول للجزيرة نت “بقيت في لبنان حتى لا أترك أهلي بمأساتهم، لكنني منذ أكثر من عام أشعر أن راتبي لا يكفي لتغطية نفقات العيش الباهظة ومساندة عائلتي وعلاج أمي، وبعد فرض ضريبة غير عادلة على الراتب، أفتش عن فرص عمل بالخارج وسأنتقل فورا ولو براتب أقل”.
وجاء إقرار قانون موازنة 2022 متأخرا استجابة لأحد شروط صندوق النقد الدولي، فيما قدم 12 نائبا طعنا بالموازنة، معللين ذلك بمخالفاتها الدستورية، ومنها إقرار الموازنة خارج المهل الدستورية، ومن دون قطع حساب، وتغييبها للعدالة الضريبية والاجتماعية.
ويتجه عدد من المؤسسات الخاصة والهيئات الاقتصادية، إلى تقديم طعون ببعض بنود الموازنة، لدى مجلس شورى الدولة، كما عمدت نقابات عمالية إلى تقديم أوراق احتجاجية لدى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، رفضا لفرض ضريبة مرتفعة على الدخل.
وكانت الموازنة التي أقرها البرلمان قد اعتمدت سعر صرف جديدا للدولار مخصصا للجمارك على الاستيراد ويبلغ 15 ألف ليرة، أي أكثر بـ10 أضعاف من سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات
ما قصة ضريبة الدخل؟
خلافا لموازنات السنوات السابقة التي اعتمدت سعر صرف الدولار الرسمي (1507 ليرات)، أوردت موازنة 2022، ولأول مرة، أن الضرائب على الرواتب والأجور، سيتم تسديدها بـ”قيمتها الفعلية” وفقا لما يحدده وزير المال وحاكم مصرف لبنان، ولم تأتِ على ذكر سعر الصرف المعتمد لهذه الغاية.
وعليه، أصدر الوزير خليل، وبالتوافق مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة قرارا باعتماد سعر صرف الدولار وفق سعر منصة صيرفة البالغ حاليا 30 ألف ليرة لاستيفاء ضريبة الدخل من الموظفين الذين يتقاضون راتبهم بالدولار، وفرضها بأثر رجعي من بداية العام الجاري.
ورغم رفع الشطور (الفئات) الضرائبية بنحو 3 أضعاف، فإن ذلك تسبب بتحميل الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بغير العملة الوطنية أعباء ضريبية كبيرة وفق ما يقول الأكاديمي والخبير الضرائبي والمالي المحامي كريم ضاهر للجزيرة نت.
وتنقسم ضريبة الدخل إلى 7 فئات وفقا لقيمة الراتب سنويا:
- الأول 2%: من يبلغ راتبه من صفر إلى 18 مليون ليرة (لمن يتقاضى أقل من 450 دولارًا) .
- الثاني 4%: من يبلغ راتبه من 18 مليونًا إلى 45 مليونًا (لمن يتقاضى أقل من 1125 دولارًا).
- الثالث 7%: من يبلغ راتبه من 45 مليونًا إلى 90 مليونًا (لمن يتقاضى أقل من 2250 دولارًا).
- الرابع 11%: من يبلغ راتبه من 90 مليونًا إلى 180 مليونًا (لمن يتقاضى أقل من 4500 دولار).
- الخامس 15%: من يبلغ راتبه من 180 مليونًا إلى 360 مليونًا (لمن يتقاضى أقل من 9 آلاف دولار).
- السادس 20%: من يبلغ راتبه من 360 مليونًا إلى 675 مليونًا (لمن يتقاضى أقل من 16875 دولارًا) .
- السابع 25%: ما يزيد على 675 مليون ليرة (لمن يتقاضى أكثر من 16875 دولارًا).
ويشير ضاهر إلى أن الشطور الضريبية لن تؤثر كثيرا على من يتقاضون رواتبهم بالليرة، وفي طليعتهم موظفو القطاع العام، لأن رواتبهم تآكلت قيمتها رغم مضاعفتها بعد إقرار الموازنة. أما من يدفعون الثمن الأكبر، فهم من يتقاضون رواتبهم بالدولار نتيجة عملهم مع شركات أو مؤسسات أجنبية عاملة بلبنان، وهم يشكلون سندا مهما للأسر، ومعظمهم لا يتعدى معدل رواتبهم ألفي دولار.
سياق الضريبة:
تذكر الخبيرة والصحفية المتخصصة بالشأن الاقتصادي عزة الحاج حسن، أن الظروف التي دفعت لفرض هذه الضريبة، جرى التمهيد لها قبل إقرار موازنة 2022، و”تذرعت السلطة أنها لا تملك إيرادات كافية لنفقاتها وتحتاج لمصادر تمويل رواتب العاملين بالقطاع العام والبنى التحتية”.
وبدلا من أن تقوم السلطة بعملية إصلاحية شاملة عبر اقتصاد منتج واستيفاء الإيرادات من الأملاك العامة المُعتدى عليها، وفق الحاج حسن، لجأت إلى الطريق الأقصر والأسرع عبر فرض ضرائب مرتفعة على الدخل وزيادة الرسوم الجمركية.
وتقرّ عزة الحاج حسن أن لبنان يحتاج إلى عملية تصحيح ضريبي، لكن مع “ضمان العدالة بين المكلفين، لأن تغيير قيمة الشطور الضريبية، جعل الموظف الذي كان يقع بحسب مدخوله بالشطر الأول أو الثاني أو الثالث وفق الموازنات السابقة، يقع اليوم بين الشطر الرابع والخامس”. وقالت: “من راتبه بالدولار، يجب أن يدفع ضريبة ولو بالدولار، ولكن بنفس النسبة المئوية التي كان يدفعها سابقا”.
وأوضحت للجزيرة نت أن الدولة ساوت بين الضريبة على الربح الصافي للتجار والضريبة على أصل الراتب للموظفين. وتشير إلى أن الموازنة فيها زيادة مداخيل وإيرادات عن طريق ضرائب ورسوم احتسبتها وفق سعر 15 ألف ليرة للدولار، وعدد من الرسوم احتسبتها وفق منصة صيرفة المتحركة، بينما جزء من نفقاتها ما زال على 1507 ليرات للدولار، ويعني ذلك “أن الموازنة كرست التناقضات بتعددية أسعار الصرف، ناهيك عن الشرخ بين عناصر الضريبة نفسها، أي أصل الضريبة التي تضاعفت أكثر من 20 ضعفا والتنزيلات العائلية ارتفعت نحو 5 أضعاف فقط”.
واكتفت مصادر مقربة من وزير المالية يوسف الخليل بالقول إن “الوزير بصدد إعادة النظر بآلية تطبيق الضريبة للمكلفين الذين يتقاضون رواتب بالدولار، وغالبا لن يكون هناك تعديل للقرار، وإنما توضيح لآليات التطبيق للضريبة على الشطور وكيفية احتسابها فقط. والأسبوع المقبل قد تصدر بوادر جديدة”.
وتعقيبا على ذلك، يقول عضو لجنة المال والموازنة في البرلمان النائب غسان حاصباني، إن الهدف من القرار هو زيادة عائدات الخزينة “لكنها لن تزيدها وفق توقعاته، لأن جزءًا كبيرًا من التحصيل والجباية لا تقوم به وزارة المالية بصورة طبيعية”.
وكان حاصباني من بين نحو 50 نائبا صوّتوا ضد موازنة 2022، ويعتبر في حديث للجزيرة نت أن هذه الضريبة ستشكل عامل طرد للأفراد والمؤسسات الأجنبية أو التي تعمل بتمويل خارجي، لأن نسبتها تفرض كما الحال في بعض الدول المتقدمة، بينما في لبنان مقابل صفر خدمات.
ويقول “إن وزير المالية عامل محدودي ومتوسطي الدخل كأصحاب ثروات ودخل مرتفع وكالتجار أصحاب الأرباح الطائلة، وإذا كان هدف برنامج صندوق النقد أن يعزز مالية الدولة ويعيد الانتظام إليها، فلن يحقق الهدف عبر هذه الطريقة”.
قانونيا، يشير النائب إلى مخالفات عدة بهذه الضريبة وغيرها، كتحديد أسعار صرف غير رسمية ومفاعيل رجعية، بينما منصة صيرفة لا يوجد لها أي طابع قانوني، بل نشأت استثنائية بعد انهيار الليرة ولم تتمكن من أداء وظيفتها بضبط السوق السوداء.
وهنا، يفيد المحامي كريم ضاهر بأنه حسب المنطق القانوني المالي، لا وجود لمسمى فرض ضريبة دخل بمفعول رجعي “لأنه لا يمكن تغيير وضع قائم، ولا فرض ضرائب بصورة رجعية”، ويشير إلى أن الطعن الذي قدمه النواب، لم يشمل قضية فرض ضريبة بمفعول رجعي “لكن المجلس الدستوري بإمكانه من تلقاء نفسه إثارة القضية لإبطالها”.
ويقول ضاهر إن المتضررين من مؤسسات وموظفين، يمكن أن يقدموا طعنا بقرارات الوزير أمام مجلس شورى الدولة بمهلة شهرين من تاريخ صدور القرار بالجريدة الرسمية لوقف تنفيذه أو تعديله.