أولى نتائج الترسيم: الغجر منطقة سياحية!
صدى وادي التيم – أمن وقضاء:
في السابع من أيلول الماضي، استيقظ أهالي قرية الغجر في هضبة الجولان السوري المحتلّ التي يقع نصفها الشمالي في الأراضي اللبنانية، على وقع إزالة جيش الاحتلال الإسرائيلي من مدخلها الشرقي حاجزه العسكري الذي أغلق القرية على مدى 22 عامًا باعتبارها منطقة عسكرية لا يُسمح لأحد بدخولها من غير أهلها الذين يبلغ عددهم نحو 2,700 نسمة. وهم من العلويين، وقد فُرض عليهم جميعًا حمل الجنسية الإسرائيلية منذ أصدرت الحكومة الإسرائيلية في عام 1981 ما عُرف ب “قانون الجولان” الذي يقضي بتبعيّته ل “دولة إسرائيل”.
احتلال سياحي
عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان في عام 2000، أعلنت الأمم المتحدة أنّ الحدود الدولية بين البلدين تمرّ عبر القرية، وتقسمها إلى قسم شمالي لبناني، وآخر جنوبي. في الواقع يكرّس فتح القرية من دون قيود أمام الزوّار، وجلّهم من المستوطنين، احتلالَ إسرائيل للجزءين. غير أنّ تقريرًا لصحيفة الغارديان البريطانية اعتبر أنّ “الهدف هو السماح بعودة الحياة الطبيعية للسكّان، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية من خلال تنشيط السياحة”.
كتبت مراسلة الغارديان في القدس بيثان ماكرنان بعد زيارة قرية الغجر خلال عطلة عيد سمحات توراه (عيد الفرح بالتوراة) في نهاية الشهر الماضي: “بعد 22 عامًا، فُتحت قرية الغجر، وهي قرية علويّة سورية في مرتفعات الجولان المحتلّة. القرية المغلقة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ترحّب بالزوّار. في شوارعها الهادئة سائحون إسرائيليون يتجوّلون، يشترون الآيس كريم والعصير الطازج من الباعة المتجوّلين الجدد. ينظرون بفضول إلى تمثال للإمام عليّ، ويلتقطون صورًا له، ويصوّرون المزارعين اللبنانيين على الجانب الآخر من الوادي.
ربّما تكون الغجر أحد أغرب الأماكن في الشرق الأوسط: قرية علويّة سورية، يسكنها 2,700 شخص، وتقع على مرتفعات الجولان المحتلّة، وتمتدّ على الخطّ الأزرق الذي يفصل بين إسرائيل ولبنان. إنّها أكثر هدوءًا وجمالًا ممّا قد يوحي به موقعها: المنازل الكبيرة مطليّة بألوان زاهية، وتزيّن النوافير والتماثيل معظم المستديرات، وينعم المجتمع المحلّي بحديقة عامّة منسّقة بعناية تفترشها الزهور والأشجار.
تبادل ثقافي
على مدى 22 عامًا، أُعلنت القرية منطقة عسكرية مغلقة لا يُسمح للزوّار بالدخول إليها إلا بإذنٍ خاصّ من المجلس البلدي وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي. لكن في التاسع من أيلول الماضي، أعلن جيش الدفاع الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية، من دون أيّ إخطار، أنّهما لن ينظرا بعد الآن إلى بطاقة الهويّة للزوّار عند نقطة التفتيش على مدخل القرية. ولم يعلّق الجيش الإسرائيلي عند سؤالنا له عن سبب رفع القيود.
جاء هاني البالغ من العمر 46 عامًا من الناصرة. كان واحدًا من حوالي 3,000 زاروا القرية في عطلة سمحات توراه (فرحة التوراة) في نهاية شهر تشرين الأوّل. قال: “كثيرًا ما أزور الجولان في موسم التفّاح. وعندما سمعت أنّ قرية الغجر مفتوحة أردت الحضور. كان الأمر مثيرًا جدًّا للاهتمام”. فهو كان يعتقد أنّ سكّان القرية من الدروز. وتمنّى أن “تُفتح الحدود بأكملها يومًا ما، فهذا سيسمح بالتبادل الثقافي”.
ميريام ونّوس، البالغة 22 سنة، وُلدت في سنة إغلاق القرية. تستغرب اليوم ازدحام شوارعها بالضيوف: “كان الأمر غريبًا. في البداية، أزعجنا ذلك، كنّا آمنين جدًّا من قبل. لطالما شعرت بالراحة هنا، لأنّ الغجر مثل عائلة كبيرة يعرف أعضاؤها بعضهم بعضًا. صُدم أصدقائي في جامعة الناصرة عندما علموا أنّ لدينا أسلوب حياة حديثًا. أعتقد أنّهم افترضوا أنّ لدينا عقليّة عفا عليها الزمن”.
سكّان القرية من العلويين، ولباس النساء يميّزهنّ عن المجموعات الدينية والعرقية الأخرى: يجب تغطية كامل الجسم بالفساتين للنساء الأكبر سنًّا، والتنانير للنساء الأصغر سنًّا، لكنّهنّ لا يغطّين شعرهنّ. القرية محافظة، ومن النادر أن يغادر الرجال أو النساء الغجر لبناء حياتهم في مكان آخر.
“مع الوقت ومع انفتاح الغجر على الزوّار، تتحوّل عقليّة الناس نحو المزيد من الحداثة والانفتاح، وقد يتغيّر مستوى التحفّظ”، قالت ونّوس، وتابعت: “القرية تتطوّر بالفعل وإن كان ببطء”.
على عكس بقيّة الجولان، الذي تحتلّه إسرائيل منذ عام 1967، يتمّ التعامل مع الغجر كجزء رسمي من إسرائيل: فقد تمّ الضغط على الناس هنا للحصول على الجنسية الإسرائيلية في عام 1981. في عام 2000، عندما انسحبت قوات الدفاع الإسرائيلية من لبنان، وضع مسؤولو الأمم المتحدة الخطّ الأزرق بين البلدين، تاركين قرية الغجر مقسّمة إلى قسمين. كان من المفترض أن تسيطر الحكومة اللبنانية على القرية بالكامل بعد حرب عام 2006، لكن نُحّيت الجهود الدبلوماسية جانبًا بسبب اندلاع الحرب الأهليّة في سوريا.
يحيط السياج اليوم بالقرية بأكملها، وليس بداخلها، وأصبح خطّ ترسيم الحدود بحكم الأمر الواقع نهر الحاصباني الذي يتدفّق عبر وادٍ صغير بين الغجر والوزّاني، وهي قرية صغيرة لبنانية على الجانب الآخر. لم تكن الظروف هنا مواتية دائمًا للسياحة.
بحسب المراسلة: “كانت القرية في وقت من الأوقات طريقًا مفضّلًا لتهريب المخدّرات من قبل الحزب، الجماعة الشيعية اللبنانية القويّة والحركة السياسية، وشهدت المنطقة عدّة حلقات من القتال بين الحزب والجيش الإسرائيلي”.
فتنة الحظر الزائل
لكن على الرغم من تاريخها المضطرب، يقول المسؤولون المحليون إنّه منذ افتتاح قرية الغجر، تستقطب القرية ما يصل إلى 4,000 زائر يوميًّا، كثير منهم مفتونون بهذا المكان المحظور سابقًا. تبيع أكشاك الشوارع الجديدة القهوة والوجبات الخفيفة للسيّاح، إضافة إلى تفّاح الخريف وجبنة “الشانكليش”.
تشتهر القرية بأطباق الطعام السورية واللبنانية التقليدية مثل الشنكليش، المتبّلة من القمح والذرة والمطبوخة بالحليب، إضافة إلى البيسارة، وهي يخنة من البرغل والثوم، وأطباق محليّة أخرى. وأُنشئ مطعم جديد عند مدخل القرية يُسمّى “فلافل على الحدود”.
جاءت بيتيا التي تبلغ من العمر 44 عامًا من الكرمل لتزور القرية مع زوجها وأطفالها. قالت إنّ “هذا المكان فريد وملوّن ونظيف ومنمّق جدًّا، والسكّان المحليون مضيافون بشكلٍ لا يُصدّق”. كانت تتأمّل مزرعة الحاصباني والمزارع اللبنانية الواقعة على بعد بضع مئات من الأمتار: “ليس غريبًا أن نرى اللبنانيين هناك. لقد ذهبنا إلى الأردن ومصر. ونأمل أن يعمّ السلام في يوم من الأيام” .
كان التدفّق المفاجئ وغير المتوقّع للزائرين مفاجئًا إلى حدّ ما بالنسبة إلى سكان قرية الغجر. تكافح البلدية لإيجاد مواقف كافية لسيارات السيّاح، وتستخدم حاليًا ملعب كرة القدم في القرية. يُطلب من الزائرين الالتزام بقواعد النظافة والترتيب واحترام ثقافة سكّان الغجر والمغادرة بحلول الساعة 8 مساءً.
جمال الخطيب، الذي بدأ تنظيم جولات لمجموعات صغيرة من الزوّار يقول إنّ “فوائد فتح القرية أمام الزوّار واضحة: يجب أن تجلب الأموال إلى المنطقة. لكنّ قدوم 4,000 زائر في يوم واحد هو رقم كبير ويتطلّب التخطيط. بعض الناس يقومون بالفعل بزيارتهم الثالثة أو الرابعة. لا نعرف ماذا سيحدث. لا تزال القرية منطقة عسكرية. ويمكن أن تتغيّر الأمور هنا في أيّ وقت”.
إيمان شمص – اساس ميديا