“خربوشة”.. قصة الشاعرة التي زلزلت عرش القائد الطاغية

صدى وادي التيم-فن وثقافة/

مناشير
العيطة هي فنّ غنائي شعبي مغربي يتناول مواضيع المواطن المغربي اليومية، فبين الغزل والفقر وال م ق او  م ة نسج الشعراء الشعبيون كلماتهم التي تعبر عن واقع مجتمعاتهم، وتناقلها الناس سماعا على مر السنين.

وتعتبر “خربوشة” واحدة من تلك الأغاني التي نقلت قصة مق ا وم ة قبيلة أبناء زيد ضد ظلم القائد عيسى بن عمر، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر في مدينة آسفي المغربية. وقد أفردت لها الجزيرة الوثائقية حلقة خاصة من سلسلة “حكاية أغنية”، وسلطت فيها الضوء على هذا اللون من الغناء الشعبي المغربي.

حادة الزيدية.. شاعرة شعبية ثائرة ضد الطغيان

بحسب المؤرخين والباحثين في الثقافة والفنون الشعبية المغربية، فإن خربوشة هي لقبٌ للشاعرة الشعبية المغربية حادّة الزيدية الغياثية من قبيلة أبناء زيد، وقد لقبت بذلك نسبة إلى ما ارتسم على وجهها من آثار وندب ناتجة عن إصابتها بمرض الجدري، وبعضهم يلقبها بكرّادة، أي ذات الشعر المجعد.

أما القائد عيسى بن عمر، فهو ذلك الرجل القوي ذو السلطة والجبروت والمال، كان محبا للعيطة والفن والغناء، وكان يمنح العطايا من الذهب والماشية لمن يعجبه غناؤه، لكن خربوشة جاءته من حيث لا يحتسب، وقاومت ظلمه بالفن الذي يحب.
تسلحت تلك المرأة الثائرة بقوة الكلمة، وكان لها دور كبير في نصرة قبيلتها، وتأجيج روح الثورة فيهم ضد ظلم عيسى بن عمر، وكانت تهجوه بكلمات قاسية تقول:

وافينك عويسة فين الشان والمرشان؟

واستخدمت صيغة التصغير في ذكر اسمه، ووصفت ظلمه وجبروته، فقد اشتهر عنه إرهاق كاهل الناس بجباية الضرائب والأموال حتى في أوقات الأزمات، فقالت:

شحال غيرتي من عباد؟

شحال صفيتي من سياد؟

بلا  شفقة وبلا تخمام

حرگتي  الغلة وسبيتي الكسيبة

وصگتي النسا كيف النعام.

يتمتي  الصبيان بالعرام

“يا قتال خوتو يا محلل الحرام”.. عواقب الغدر الوخيمة

ذهبت خربوشة في كلماتها إلى أبعد من ذلك، فقد وصفت عيسى بن عمر بالخائن، ذلك لأنه حاك مكيدة لأبناء زيد حين أوهمهم بنيته لعقد الصلح معهم، ثم قام بقتل سفيرهم عندما أتاه مسالما مصالحا، فقامت على إثر تلك الحادثة معركة ضروس في منطقة بئر العرب، في مدينة آسفي المغربية.

تعديتي وخصرتي الخواطر

ظنيتي القيادة للدوام
والجيد متبقالو شان
والرعواني زيدتيه الگدام
سير آ عيسى بن عمر
يا وكّال الجيفة، يا قتال خوتو يا محلل الحرام
اعتدى جند القائد عيسى بن عمر على قبيلتها قتلا وذبحا فهجته خربوشة هجاء شديدا

لم تخف خربوشة حقدها على عيسى بن عمر بعد تلك الحادثة، فقد كانت عائلتها من أكثر المتضررين فيها، فتوعدته بزوال ملكه ونهاية سلطته، فهي تؤمن بنهاية الظلم، مثلها في ذلك مثل كل الثوار والمناصرين لقضايا شعوبهم العادلة. ولم تنسَ أن تعرِّج على ذكر جعاطة، ذلك الجلاد الذي كان يعمل عند بن عمر، ويلحق بالناس الأذى الشديد.

رحلة السجن والاغتيال.. سلاح الطغاة في كل زمان

وصلت أخبار الخربوشة إلى القائد عيسى بن عمر، وهو الذي اعتاد سماع المديح من الشعراء، لكنها هذه المرة كانت كلمات هجاء مقذع وتهكم صريح، فما كان منه إلا أن أمر رجاله بالبحث عنها والإمساك بها، تمهيدا لمحاكمتها وسجنها.

أدركت خربوشة أن رجال بن عمر يطلبونها، فلاذت بالفرار وقصدت الشاوية، وتقول الروايات إن رجال القائد عيسى تمكنوا منها، إلا أن جمعا من قبيلة أبناء زيد حالوا دون اعتقال ابنتهم، فما زال رجال عيسى يلاحقونها، حتى تمكنوا من اعتقالها في المحاولة الثانية.
أمر القائد عيسى بن عمر باعتقال خربوشة لقصيدتها التي هجته بها، ليكون مصيرها اختفاء قسريا لا يعرف مصيرها فيه

اقتيدت خربوشة إلى المحكمة ثم إلى السجن، لكنها بالرغم من ذلك لم تتوان عن هجائه والتشهير به حتى أمام هيئة المحكمة ثم في السجن، فقد نسجت هناك خربوشة أبياتا تصبّر فيها نفسها وأهلها على ألم الفراق، وتعدهم بالعودة القريبة.

تضاربت الأخبار حول تفاصيل وفاة خربوشة، فمن قائل إنها هربت من السجن وماتت، إلى قائل إن عيسى قد دبّر قتلها داخل سجنها، لكن الذاكرة الشعبية لقبيلتها ما زالت تحتفظ بمواقفها البطولية ضد الظلم، وميتتها المشرِّفة صامدة لم تتنازل أمام جبروت الظالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى