هكذا يشتري مصرف لبنان الدولارات وهكذا يبيع
صدى وادي التيم-إقتصاد/
اذا كان تجمّع الصرّافين في ساحة شتورا يشكل مؤشراً على حركة التداول بالدولار في السوق السوداء، فإن الأسبوع الذي مرّ يعتبر الأهدأ نسبياً كما يؤكّد هؤلاء. فخلافاً لتوقّعاتهم التي رافقت إقتحامات المصارف في الأسبوع الماضي، لم يتسبّب إقفال المصارف أبوابها لأسبوع كامل بأي زيادة في الطلب على تبديل العملات، وقد عطّلت تداعيات هذا الإقفال، تمهّل التجار في شراء الدولار، كنتيجة للأخبار الإيجابية، سواء على صعيد اقتراب تشكيل الحكومة، أو على صعيد حلحلة العقد بوجه ترسيم الحدود البرية، بحيث يؤكد بعض الصرّافين أن الطلب على الدولار تراجع بنسبة 70 بالمئة هذا الأسبوع، وقد انعكس ذلك ثباتاً نسبياً في سعر صرفه، وبالتالي لم يشهد الدولار سوى قفزة إستثنائية ليل الإثنين الماضي، يعتبر أكثر من صرّاف في شتورا أنها جاءت تلبية لطلب من مصرف لبنان على كميّة من الدولارات.
في تأكيد للشكوك حول كون مصرف لبنان إشترى الدولار من السوق السوداء ليل الإثنين الماضي، يشرح أحد الصرّافين أنّ هناك ثلاثة صرّافين في بيروت، يعملون كوسطاء يشترون الدولار بشكل دائم لمصلحة مصرف لبنان. وبالتالي يقول الصرّاف «عندما تتكثّف إتصالات الوسطاء الثلاثة بالصرّافين، وتصل الليرات اللبنانية بواسطتهم برزم من مئات الآلاف الجديدة وبأرقام متسلسلة، نحن نعلم بشكل يقيني أن الدولارات ذهبت لمصلحة مصرف لبنان». وهكذا يشرح أحد الصرّافين «يصبح مفهوماً كيف إرتفع الدولار ليلامس مستويات قياسية جديدة ليل الإثنين ومن ثم عاد ليتدهور سعره بسرعة قياسية، ويعود ويستقرّ على المستويات التي كان قد بلغها سابقاً».
بالمقابل يشرح أحد كبار الصرّافين في شتورا، أنّ الأخبار الإيجابية فرملت كبار التجار وجعلتهم يتمهّلون بشراء الدولار… وهذا ما يجعل الكميّات المعروضة من قبل الأفراد أكبر من الطلب عليها، فالناس يريدون بيع دولاراتهم قبل أن ينخفض إذا ترجمت الإيجابيات عملياً، بينما التجار ينتظرون الفرصة لشرائه بسعر أدنى ممّا هو عليه.
أما عن تجاوز الدولار مجدداً مستوى الـ38 ألف ليرة يوم أمس، بعد أن كان قد استقرّ ليومين على ما دون هذا المستوى، فيقول الصرّافون في شتورا إنه جاء نتيجة طلبية طارئة من قبل أحد التجار، وتجنُّد الصرافين للتعاون في ما بينهم على تلبيتها. ويشرح أحدهم كيف بات التعاون بين الصرّافين ضرورياً، وليس فقط على مستوى شتورا أو زحلة والبقاع إنما على جميع الأراضي اللبنانية، وذلك حفاظاً على السيولة بالعملة اللبنانية بين أيديهم جميعاً. لأن عرض الدولار من قبل الأفراد أكبر بكثير من شرائه بالمفرق. وبالتالي إذا لم يتأمّن تاجر كبير لشراء كل الكميات الموجودة في السوق، فإنّ السيولة بالليرة لن تعود متوفّرة. ومن هنا يعتبر بعض الصرّافين أن مصرف لبنان شريك أيضاً بضخ السيولة اللبنانية بشكل دائم في السوق. وإذا كان تبرير ذلك هو بتأمين الدولارات عبر المصارف على سعر المنصة بشكل متواصل، فإن لذلك تجارب إضافية يتحدث عنها الصرّافون أيضاً.
يروي أحد الصرّافين عن شخص جعل من تحصيل دولارات المنصّة وظيفة له. وهذا الشخص يتردّد بشكل دائم على الصرّافين. يودعهم صباحاً كمية من الدولارات التي يستبدلها بالعملة اللبنانية، ومن ثم يقصد المصرف ليشتري بها الدولارات على سعر المنصة، ويعود ويبيعها في السوق السوداء. وهذه تجارب تتكرّر لدى أكثر من صرّاف كما يؤكد أحدهم، وقد عرض أحدهم على زوجته الموظفة بأن تعطيه بطاقة وظيفتها ليؤمّن لها مبلغ 500 دولار شهرياً على سعر المنصة. وهذا التاجر نفسه يتعامل مع ما لا يقل عن خمسة أشخاص، يتقاسم معهم الأرباح بالإضافة الى تقاسمها مع موظف المصرف الذي يسهّل مهمته.
أما زحمة المواطنين التي تشهدها أبواب المصارف طيلة أيام الأسبوع، فلها الفضل أيضاً في تغذية السوق السوداء بكميات الدولارات، التي يشتريها المستفيدون على سعر المنصة ليبيعوها مباشرة في السوق السوداء. بينما إقفال المصارف جعل الحركة في تجمّعات الصرّافين تهدأ خلال الأسبوع الجاري، ولكن من دون أن ينعكس ذلك إرتفاعاً كبيراً في سعر الدولار عن المستويات التي بلغها الأسبوع الماضي، الأمر الذي يربطه الصرّافون بتدخّل مصرف لبنان مباشرة في السوق خلال هذا الأسبوع.
يؤكد الصرّافون في المقابل أن لا خوف على أي نوع من السيولة في السوق، سواء أكانت بالليرة اللبنانية أم حتى بالدولار. ويجزمون بأن كميات الدولارات التي يستبدلها الأفراد يومياً تفوق الخيال أحياناً. ولذلك يعتبرون أن أي خبر سياسي أو إقتصادي جيد، من شأنه أن تكون له إنعكاساته الإيجابية أيضاً على قيمة الليرة اللبنانية. ولذلك فهم يترقّبون ما سيحمله الأسبوع المقبل من تطوّرات، يعتبرون أنها ستترك أثراً كبيراً على السوق، فإما أن يبلغ الدولار مستويات قياسية مجدداً، أو يتراجع نسبياً، متوقعين أن يكون للأخبار الإيجابية عن ترسيم الحدود وقع أكبر من الإيجابيات التي ستتأتّى من تشكيل الحكومة. وبرأيهم إنه يكفي تأكيد التوصل الى اتفاق في هذا الشأن لينخفض الدولار بشكل ملحوظ، وحتى قبل أن يبدأ استخراج الغاز عملياً.
المصدر:”نداء الوطن”