شباب لبنانيّون يستثمرون في الإمارات… هنا الأحلام تتحقق
صدى وادي التيم-أخبار العالم العربي/
بعد ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، غادرت فئة من الشباب والشابات لبنان بحثاً عن فرص عمل في الخارج، فكانت الإمارات العربية المتحدة هي الواجهة الرئيسية لمعظمهم، لينضموا إلى نحو 135 ألف لبناني (هذا العدد قبل الأزمة الاقتصادية اللبنانية)، لتكون أكبر جالية لبنانية في دولة عربية، وفق مصادر في القنصلية اللبنانية في دبي.
وبحسب المصادر نفسها، وصل نحو 70 ألف لبناني/ة إلى دبي وأبو ظبي في السنتين الأخيرتين والأرقام في تزايد.
معظم هؤلاء غالباً ما يأتون بعقود عمل وفي مجالات عدة، وبعضهم أحياناً يجازف ويأتي للبحث عن فرصة جديدة في بلد جديد، لا سيّما إذا كان لديه صديق أو قريب، لكن المغامرة الحقيقية هي لمن جاء من لبنان، رغم كل ظروفه الصعبة، ليستثمر في الإمارات وسط منافسات كبيرة مع شركات ومستثمرين كبار.
شباب تحت الأربعين وصلوا إلى دبي بعد انفجار مرفأ بيروت الضخم، تاركين أحلامهم التي تمزقت في وطنهم، ليستأنفوا حياتهم العملية من جديد، وبوقت وجيز حققوا النجاح، لكن عيونهم شاخصة إلى المزيد من التوسّع في مشاريعهم، لتصبح أسماؤهم جنباً مع أسماء لبنانيين وصلوا قبلهم بسنوات وحققوا شهرة في مجالات عدة، أبرزها المطاعم والفنادق وشركات العقارات والهندسة، وطبعاً ألمع الأطباء وغيرهم كثر.
إيهاب أحمد التّشكيلي الذي رسم حياته الجديدة في دبي
في 4 آب (أغسطس) 2020، كان الفنان التشكيلي الشاب إيهاب أحمد يعمل مع غاليري “بلفدير آرت سبايس” الكائن في وسط بيروت، في الوقت أيضاً كان يشارك بلوحاته في معارض عالمية وصنع لنفسه زبائن من كل المستويات الاجتماعية ومن دول عدة، بينها الإمارات، وكان لديه مشغل لتعليم الرسم للأطفال، في الليلة المشؤومة دُمّر الغاليري كما دُمّرت معالم كثيرة من بيروت، فقرر أصحاب المعرض البدء من جديد في منطقة مركز التجارة العالمي في دبي، كما قرر إيهاب الانتقال مع عائلته للعيش فيها للعمل مع الغاليري وأيضاً التفرغ لرسم لوحاته وبيعها.
يقول لـ”النهار العربي”: “منذ سنة تقريباً قررت الاستقرار هنا، وأسست شركتي الفنيّة الصغيرة التي سهّلت لي الاستحصال على إقامة لي ولعائلتي الصغيرة، طبعاً إلى جانب عملي مع الغاليري، وفي وقت قصير شاركت بمعارض عدة في الإمارات، أبرزها معرض آرت فير (Art Fair) في أبو ظبي، الأهم في الإمارات. ليس ذلك فحسب، بل أصبح لي زبائن من مختلف الجنسيات والمستويات، وبدأت أصنع اسماً لي هنا، وهذا ما سيتيح لي الانتشار مستقبلاً في دول أخرى بفضل الإمارات”.
يضيف: “نوعية عملي تتطلب الهدوء والسلام للإبداع، وللأسف هذا ما فقدته في وطني، لكني وجدته في دبي لما تقدمه من تسهيلات للفنانين وغيرهم، مخططي وزوجتي البقاء هنا حتى يصبح طفلنا شاباً، لأنه لا دولة أخرى ستحقق طموحاتنا، أقله الاستقرار”.
نهاد بدأت مع والدتها من طبق واحد إلى “مطبخ لبناني”
في تجربة أخرى ليست بعيدة من الفنّ لكنها من نوع آخر، تتعلّق بفن الطبخ، صحيح أن المطاعم اللبنانية تليها السورية هي الأكثر انتشاراً في الإمارات منذ عقود، وفق دائرة التسويق السياحي والتجاري في دبي، لكن تجربة نهاد غياض مع والدتها عائشة غادر هي المميزة.
ابنة الـ29 التي وصلت إلى دبي منذ ستة أشهر فقط للبحث عن فرصة عمل، بعدما فقدت كل شيء في لبنان، “وجدت وظيفة في شركة تجارية لكن الراتب كان منخفضاً جداً، صبرت حتى أثبت نفسي في البلد الجديد، في ذلك الوقت كانت أمي في لبنان، وهي في الأصل شيف طبخ، لكن كما حال كل اللبنانيين الأشغال متوقفة والأوضاع تسوء، طلبت منها أن تزورني كي لا أكون وحيدة هنا، وطبعاً تأشيرتها السياحية لا تسمح لها بالبقاء أكثر من ثلاثة أشهر”.
القدر المقرون بالإصرار والكفاح والمثابرة يساهم في تغيير مسار الشخص ليقف بوجه التحديات، وهذا ما يمكن قوله عن نهاد ووالدتها اللتين قررتا، بعد شهر من وجود الأخيرة في دبي، التفكير بمشروع ما قريب من مهنتها.
تقول نهاد: “بدأت الفكرة حين كان أحد الموظفين اللبنانيين من زملائي يبحث عن مطبخ لبناني، وعرضت عليه فكرة تزويده يومياً بوجبة تحضّرها أمي، ونجحت الفكرة التي انطلقت من زميل إلى لبنانيين موظفين أحبوا الوجبات، وكنت أستغل فترة الاستراحة كي أقوم بتوصيل الطلبيات بنفسي، لم أفكر بالتعب ولا بأي شيء آخر سوى تحقيق مشروع صغير تكون أمي فيه هي السند والمساعد”.
وفق القانون الإماراتي، لا يمكن صنع الطعام وبيعه في المنزل، ويتطلب الأمر الكثير من الإجراءات، والشرط الأساسي الحصول على مطبخ صغير مستقل يمكن مراقبته من قبل وزارة الصحة والبلدية وغيرهما.
أرادت نهاد أن يكون عملها نظامياً، لأن هدفها هو تكبير مشروعها والبقاء في دبي لتحقق حلمها، فتركت عملها وبحثت وسألت كثيراً عن كيفية العمل على فكرة تقديم الطعام المنزلي.
“قمت بزيارة بلدية دبي واطلعت على كل الشروط المطلوبة، لفتح مطعم صغير جداً، لكن وجدت أنه يتطلب مبالغ كبيرة وأوراقاً كثيرة، وفعلياً لا أملك سوى ربع المبلغ الإجمالي،بالصدفة البحتة وحين كنت أشتري علب توضيب الأكل من شركة صاحبها لبناني، نصحني بتجربة المطبخ المؤجر، وهي فكرة رائجة في دبي، حيث هناك مثلاً مجموعة مطابخ في مناطق عدة في دبي يمكن للشخص استئجار مطبخ صغير (ضمن مجموعة مطابخ في المكان الواحد)، وما يحتاجه الشخص هو دفع الإيجار وتكون كل أوراقه قانونية، ثم انتقلت إلى فكرة الترويج لمطبخنا، وكانت منصة زوماتو الأنسب من حيث عدد المتابعين لها وترويجها الممتاز”.
منذ شهرين تقريباً أطلقت نهاد ووالدتها مشروعهما الصغير البسيط Cyclamen Beirutوبرأسمال يقارب الـ6 آلاف دولار أميركي، لكن رغم ذلك أصبح لديهما زبائن، لبنانيون تحديداً، يفوق عددهم المئات. وهنا تشكر ناهد الجالية اللبنانية التي دعمتها في مشروعها والذين كانوا بمثابة شركة إعلان لها، وأصبح لديها اسم ولو صغيراً وبوقت وجيز، لكنها على يقين (وفق كلامها) بأنه سيصبح كبيراً بفضل أولاد بلدها وحتى من الجنسيات الأخرى التي ترغب في تذوق الطبق اللبناني.
“لافو” فقد حياته في لبنان وبُعث من جديد في دبي
انطلق مقهى ومطعم “لافو” اللبناني من مدينة دبي للإعلام عام 2019، ليكون الفرع الثاني من المشروع السياحي الموجود في منطقة الأشرفية في بيروت، لكن بعد سنتين من الأزمة أقفل أصحاب المشروع فرعهم في لبنان وانتقلوا إلى دبي للتفرع له.
وفي غضون ثلاث سنوات أصبح لهذا المكان اسم لامع بين أوساط العاملين في الإعلام والشخصيات الاقتصادية والعامة، سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين.
محمد خليفة شاب في أواخر العشرينات هو واحد من أصحاب هذا المشروع الذي تحدث إلى “النهار العربي” قائلاً: “حين فتحنا مشروعنا في دبي لم تكن جائحة كورونا قد وصلت بعد، في الأشهر الأولى كان الإقبال جيداً، وبخاصة أنّ معظم الناس في دبي يحبون المطاعم والمقاهي اللبنانية، لكن في مطلع عام 2020 وانتشار كوفيد-19 توقفنا كما الجميع، وهنا كانت التحديات في الاستمرار، وبعد أشهر من الحجر رجعنا بقوة”.
يضيف خليفة: “يختلف العمل في قطاع المطاعم في الإمارات عمّا هو عليه في لبنان، ويتطلب الأمر الكثير من الإجراءات القانونية، والحمد لله نجحنا فيها، وها نحن اليوم بوقت قصير صنعنا اسماً لنا”.
ويختم حديثه بالتوجه إلى الشباب اللبناني الجديد في الإمارات ويرغب بالاستثمار في هذا القطاع: “عليك بالصبر لأنك ستواجه منافسات شديدة، فدبي قائمة على المطاعم والمقاهي، كونها بلداً سياحياً، لذلك لا تستسلم، وتقيّد تماماً بالقوانين، والأمر يتطلب بداية بعض المصاريف لأن الإجراءات هنا ليست كما لبنان، ولكن تحقيق النجاح غير بعيد هنا”.
وفي مجال السياحة البعيدة من المطاعم والقريبة من الترفيه، يبرز مشروع “سيرك دو ليبان” الذي غادر لبنان منذ كارثة 4 آب (أغسطس) 2020، بعد ما دُمّر جزء كبير منه بحكم وجوده على الواجهة البحرية المتاخمة لمرفأ بيروت، ولكن رفض مؤسسو السيرك الاستسلام، فانتقلوا إلى دبي، وسيتم إطلاق أول عروضهم الضخمة فيها في أواخر شهر أيلول 2022.
أحد الشركاء المؤسسين للسيرك، إيزاك أبو ساري، تحدث عن مشروعه الفريد في دبي: “بعد 16 سنة من العروض الضخمة التي قمنا بها في لبنان وعدد من الدول العربية، وبحكم الأوضاع التي قضت على لبنان، قررنا الاستقرار بين دبي والسعودية التي في الأصل وصلنا إليها عام 2018”.
ويضيف أبو ساري: “كانت الهيئة العامة للترفيه، سواء في دبي أو السعودية، متعاونة جداً، ورحبت بمشروعنا السياحي والثقافي، وقدمتا لنا الدعم والتقدير، ولم يكن لدينا أفضل من خيار تينك الدولتين للإبقاء على مشروعنا على قيد الحياة، وفي أيلول المقبل سنطلق أول عروضاتنا الضخمة في دبي”.