مشروع التواصل… رؤيتنا الواضحة …بقلم طارق حديفة
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم:
تفاعلت في الآونة الأخيرة قضية المطران موسى الحاج، والّتي ترافقت مع تفاقم الأزمات و وصول البلاد إلى الإنهيار الشامل، في أخطر مرحلة لم يشهد لبنان لها مثيل منذ قيام الكيان، قضية عاد معها روّاد الفيدرالية نشر فكرتهم القديمة-الجديدة. وبغض النظر عن رؤيتنا المعارضة لفكرتهم، هذه المعارضة النابعة من رأينا المؤيد لقيام دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية المركزية القوية القادرة. إلّا أن ما لفتنا هو قيام البعض غير القليل وفق ما شاهدنا على مواقع التواصل الإجتماعي، بربط فكرة الفيدرالية أو التقسيم بهذه القضية فغاب عنهم بأن العداء مع اليهود هو عداء وجود لا عداء حدود. وما يعنينا من هذه القضية هو ما أثير حولها بأن قسم من المضبوطات تعود لطائفة الموحدين الدروز، وقد بيّن سماحة شيخ العقل الشيخ نصر الدين الغريب موقف مشيخة العقل والهيئة الدينية من هذا الموضوع.
و إنطلاقاً من موقف صاحب السماحة، وقبل الدخول بصلب رؤيتنا حول “مشروع التواصل الوطني” لا بد من لفت نظر الجميع إلى حقائق تاريخية تثبت بأن أبناء معروف كانوا على مر الأزمنة بعيدين كل البعد عن فكرة إنشاء كيانهم المستقل، بل هم المضحين الأوائل في سبيل الوطن الواحد الموحَّد الجامع لكل أبنائه.
نقول ذلك ليس من منطلق الدفاع عن أنفسنا، فأبناء معروف يوزعون الشهادات بالوطنية، ولا ينتظرون براءة ذمة من أحد.
فيوم جاءت القبائل العربية في العام ٧٥٨م (١٤١هجري) واستوطنوا سن الفيل وأقاموا امارة فيها للدفاع عن الثغور العربية من الهجمات
الافرنجية حتى باتت هذه الامارة هي الحجر الاساس لما عرف فيما بعد بالكيان اللبناني، ويوم قدّموا الدماء حتى سميّ نهر الموت بذلك نسبةً لإستشهاد ٧٧ أمير ارسلاني في تلك الموقعة، ويوم أقام الأمير فخر الدين حكمه الوطني، ويوم شاركوا بالوفود المطالبة بإقامة لبنان الكبير ومن ثم قيادة معركة استقلاله والدفاع عن وحدته وعروبته وصولاً ليومنا هذا حيث هم صمام أمان مقاومته الّتي تستكمل ما بدأوه هم قبل قرون، فالمقاومة نهج معروفي عمره من عمر هذا الكيان وأكثر.
في كل تلك المحطات والمراحل، لم يكن بني معروف سوى أبناء هذه الأرض وحماتها، ولم يسعوا يوماً خلف إقامة دولة درزية بل كانوا ينبذون ويواجهون كل مَن يقدّم هذا الطرح لأنهم يعتبرون بأن الدين لله والوطن للجميع.
وهذا التمسّك الصادق بالهوية الوطنية وبذل الدماء والتضحيات في سبيلها ليس بجديد، فقد تميّز الموحدون الدروز في بلاد الشام بتاريخ حافل بالبطولات والدفاع عن الأرض والعرض، فهم منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلّم، أبناء الصحابي سلمان الفارسي (رضي الله عنه) ما نكثوا يوماً بعهد ولا خلفوا بوعد ويشهد لهم ولائهم لأرضهم ووطنهم وعروبتهم في البلاد التي ينتشرون فيها، لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، ففي سوريا ثورة سلطان باشا الأطرش على المستعمر الفرنسي عام ١٩٢٥ أكبر دليل، وموقف أبناء الجولان السوري المحتل برفض الهوية الاسرائيلية رغم كل الضغوطات والممارسات الإضطهادية بحقهم يرسخ القناعة بأن هذه الطائفة المعروفية طائفة وطنية قومية بإمتياز، وفي لبنان كان الدروز من أكبر المساهمين في نيله الاستقلال عبر مواقفهم مع الامير مجيد ارسلان عام ١٩٤٣ وبعدها معارك الناصرة والمالكية عام ١٩٤٨
وفي الأردن يقف أبناء العشيرة المعروفية الى جانب المملكة الهاشمية ولهم شهداء كثر في الجيش الأردني ومواقف لا تعد ولا تحصى، أما في فلسطين فمنذ عام النكبة أصر الموحدون على البقاء في أرضهم في فلسطين المحتلة وما باعوا شبر من أرضهم رغم اغراءهم بأموال وذهب، ورغم كل محاولات إقتلاعهم منها ورغم كل محاولات دمجهم ضمن مؤسسة الكيان الصهيوني عبر الترغيب والترهيب، لكن أبناء هذه الطائفة بقيوا على أصالتهم وانتماءهم لعمقهم العربي التاريخي في بلاد الشام وحاربوا كل محاولات سلخهم عن هذا النسيج الوطني وبرز ذلك في الكثير من الحركات التحررية. فبعد إحتلال فلسطين، حاول المحتل فرض واقع على الدروز من خلال التجنيد الاجباري لإظهارهم بمظهر التعامل، بينما في الحقيقة تتزايد أعداد الرافضين بين الشباب الدروز لهذا الواقع، كما تنشط حركة التواصل بين أهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨ واخوانهم في دول الجوار للتأكيد على الهوية القومية العربية.
ممثلي الأمة: “اعتذر عن التكلم بطائفية، في عصر أصبحت كلمة الطائفية ثقيلة على الأسماع، لكن عندما نطالب بتمثيل الطائفة الدرزية في الحكم، كحق لطائفتنا فحسب بل كواجب وطني عليها، لأننا نصر على وجوب تحمّل الدروز المسؤوليات في إدارة دفة الحكم ولا نقبل بغير ذلك. علماً بأن تاريخنا معروف فنحن لسنا طائفيين، ويا حبذا لو لم تكن الطائفية موجودة. ولكن لماذا نقف بخيال أصبعنا، الطائفية موجودة في الدستور، في المجلس، في الوزارة، وفي الكيان الوطني، فإذا كنتم تريدون هدمها فنحن أول مَن قدّم لكم المعاول والمطارق.”
أمّا رؤيتنا لمشروع التواصل الوطني فهي واضحة وضوح الشمس، فأبناء معروف صمدوا في أرضهم عام ١٩٤٨ يوم كان هناك الأمير مجيد ارسلان و طلبوا منهم البقاء في فلسطين لأن المعركة هي “معركة تهويد الأرض”، ومن ذلك الحين موقف أغلبيتهم واضح وجلي بالالتزام بالقيم والمبادئ المعروفية العروبية، ولم يتغيّر ذلك مع مرور الأيام والسنين، فعام ٢٠٠٥ بدأ التنسيق الفعلي للمشروع الوطني ما بين عضو المجلس السياسي في الحزب الديمقراطي اللبناني الشهيد الشيخ صالح العريضي ورئيس حركة الحرية للحضارة العربية الاستاذ احسان مراد، وقد تطور هذا التنسيق حتى بعد إستشهاد الشيخ العريضي، ليثمر زيارات تاريخية عامي ٢٠١٠ و ٢٠١٨ إلى سوريا برعاية سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد وعطوفة الأمير طلال ارسلان، وذلك بوفود تقدّمها رئيس لجنة التواصل الدرزية عرب ٤٨ الشيخ أبو محمد علي المعدّي (عام ٢٠١٠، و قد جرى منعه من قِبَل سلطات الاحتلال عام ٢٠١٨ وتم مصادرة جواز سفره) وفي العام المنصرم تم ارجاع الوفد من الجانب الاردني بعد اجتيازهم الحدود الفلسطينية- الاردنية.
هذا هو مشروعنا للتواصل والّذي لا يمر عبر معابر مزعومة، إنما يرتكز على رؤية واضحة وثوابت راسخة، تباركه المشايخ الأعيان وتحتضنه الشام قيادةً وأرضاً وترعاه الزعامة الارسلانية الموحِّدة نهجاً ومسلكاً…
فنحن كل ما نطالب به هو حقنا بالتواصل الانساني مع أهلنا وأبناء نسيجنا، ومساواتنا مع ما يحصل مع غيرنا، المسموح لهم بزيارات دينية لإقامة واجباتهم، بينما بالنسبة لنا، حتى الزيارة الوحيدة يتم عرقلتها سنوياً من الاحتلال والمطبعين معه..
وخير ما نختم به هو ما نستمده من كلام شيخنا المرجع الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ حين قال: “بني معروف عصبٌ واحد لم يتصنّعه خَلَف ولم يتكلّفه سَلَف”، ومن كلام سماحة شيخ العقل الشيخ أبو فيصل نصر الدين الغريب، بقوله:” بني معروف معروف شجرة واحدة راسخة، في الأرض جذورها تمتد من فلسطين إلى لبنان فسوريا والاردن، ورغم مرور السنين وكيد المحتلين لم ولن تقطع هذه الجذور”، ومن تأكيد رئيس لجنة التواصل الدرزية عرب ال٤٨ الشيخ أبو محمد علي المعدّي، بقوله: “بوقوفنا عند حقنا، بالارادة والعزيمة الصلبة والالتفاف الجماهيري حول اللجنة والعناية اللهية، سوف نتغلّب على كل العقبات رغم أنف المتآمرين والمتخاذلين والشامتين…”
فهذا هو النهج وهذه هي الرؤية وعلى الله فليتوكل المؤمنون، والسلام…