نازحون سوريون في لبنان الغارق بمأساته: مستحيل نرجع
بعد أن تصاعدت المطالبات في لبنان مؤخراً بضرورة حل مسألة اللاجئين السوريين، وعودتهم إلى مناطق آمنة في سوريا، سلطت الأضواء ثانية على هذا الملف الشائك.
فعلى الرغم من الوضع المعيشي المتردي، يفضل العديد من السوريين البقاء في خيمهم.
وفي هذا السياق، أكدت “أم حسين” التي هربت من جحيم الحرب عام 2011، رفضها العودة مجدداً إلى بلدها الأم، لأنها تخاف على أولادها الذين استطاعت إخراجهم من سوريا بعدما فقدت زوجها وابنها البكر.
أزمة لبنان ولا جحيم سوريا
فعلى رغم الظروف السيّئة التي تعيش فيها مع أولادها السبعة في أحد مخيمات اللجوء في بلدة عرسال الحدودية في البقاع شرق لبنان، وغياب أبسط مقوّمات العيش الكريم للنازح، إلا أنها تُفضّل العيش في قلب الأزمة اللبنانية على جحيم سوريا بانتظار “الله يفرجها” وفق تعبيرها.
كما أضافت لـ”العربية.نت” “مستحيل نرجع لا أمن ولا سلام هناك ولا أي جهة أممية تضمن عودتنا وعدم التعرّض لنا من قبل قوات النظام.”
أما عند سؤال السيدة التي فرت من منطقة القلمون قبل سنوات، عما ستفعله إذا رفض لبنان الاستمرار باستقبال اللاجئين، فقالت:” سألجأ مع عائلتي إلى دولة ثالثة، لأن فكرة العودة إلى سوريا غير واردة حالياً”.
أنا المُعيلة الوحيدة لعائلتي
إلى ذلك، أردفت: “تعذّبت كثيراً في رحلة النزوح، وأنا المُعيلة الوحيدة لعائلتي بعدما فقدت زوجي وابني البكر في الحرب. فزوجي كان من أوائل الذين شاركوا بتظاهرات في القلمون ضد النظام السوري فكان مصيره الموت هو وابني على يد قوات النظام السوري”.
وتساءلت “كيف أعود وأنا من المعارضين للنظام السوري؟ أعرف الكثير من السوريين الذين قرروا طوعاً العودة إلا أن قوات النظام اعتقلتهم فوراً ” وجزمت “لن أُعرّض أولادي للخطر وتكرار سيناريو والدهم وشقيقهم.
كما أم حسين، يرفض علاء إبن حمص العودة بعدما خرج وعائلته في بداية الحرب عام 2011. وقال لـ”العربية.نت” “كيف أعود وقوات النظام السوري ستطلب منّي كما تفعل مع الذين يعودون الإلتحاق بالجيش؟ عندها كيف سأؤمّن لقمة الخبز لأطفالي الثلاثة وزوجتي؟ كما أن أمن عائلتي غير مضمون”.
العودة ستُكلّفني الكثير
كما أضاف علاء الذي يسكن مع عائلته في إحدى قرى البقاع ، ويعمل مع أهله في الزراعة، قائلاً “من يأكل العصي ليس كما الذي يعدّها”، مؤكدا أن العودة ستُكلّفه دفع مبلغ خيالي لقوات النظام من أجل ضمان سلامة عائلته وعدم أخذه إلى التجنيد الإجباري.
وأوضح أن كلفة العيش اليوم في سوريا أغلى بكثير من لبنان على رغم الأزمة القائمة .
إلى ذلك، تساءل “إذا قرر لبنان ترحيلنا، من سينهض بالمواسم الزراعية؟ فمثلاً في البلدة التي أسكن فيها اليوم مع عائلتي قرر أهلها الاستغناء عن اليد العاملة السورية، فاضطررنا عندها الانتقال إلى بلدة أخرى قبل أن يطلب منّا أصحاب الأراضي العودة مجدداً، لأنهم لم يستطيعوا الاعتناء بمحاصيلهم الزراعية”.
“مساعدات بالدولار؟!”
وكانت أصوات عدة ارتفعت خلال الأشهر الماضية في البلاد، تُطالب بإعادة النازحين، زاعمة أنهم قرروا البقاء ليس خوفاً من إجراءات النظام ضدّهم وإنما “طمعاً بالمساعدات المادية وبالدولار (الفريش) التي تُقدّمها المنظمات الدولية”.
وتعليقا على تلك النقطة، نفى علاء الأمر، قائلاً “لو كنا نتقاضى فعلاً الدولار الفريش لما كنا نعمل في الزراعة”
كما أوضح أن بعض الجمعيات تُقدّم مواد غذائية ومبلغ بسيط بالعملة اللبنانية كمساعدة، لكن ليس بالدولار
كذلك شدد على أنه يعمل “من الفجر للنجر” ليوّمّن لقمة الخبز لعائلته، لاسيما أن الأسعار في لبنان باتت مرتفعة جداً.
بدوره، أكد أنه إذا قرر لبنان إعادة اللاجئين فسيتقدم بطلب لجوء إلى دولة ثالثة “حتى لو إلى إفريقيا” ، وفق تعبيره.
تدهور الأوضاع الاقتصادية
من جهتها، رأت المشرفة العامة على خطة لبنان للاستجابة لملف النازحين السوريين، الدكتورة علا بطرس “أن الموقف اللبناني الموحّد من هذا الملف وضرورة إعادتهم هو نتيجة لتدهور الاوضاع وعدم القدرة على تلبية الخدمات العامة من قبل المؤسسات الوطنية والبلديات والضغط على القوى الامنية وبروز ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتفاقم معدلات الفقر”.
كما أضافت لـ”العربية.نت” “لبنان يُطالب الجهات الدولية بخريطة طريق لأزمة النازحين الممتدة منذ 2011، ومسألة العودة ترتبط بالشراكة بين الحكومة والأمم المتحدة ونعني بها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
الإعادة القسرية
إلا أنها أكدت أن الدولة مُلتزمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية، لكنها أوضحت أن “هناك من يُقيم في لبنان من دون أن تنطبق عليه صفة النازح ولا تتوفّر فيه صفة اللجوء ولا يملك إقامة، كما أن هناك نازحين يذهبون الى سوريا ثم يعودون “.
يذكر أنه منذ بداية الحرب السورية، يستضيف لبنان أكثر من مليون نازح سوري مُسجّل منهم حوالي 888 ألفاً لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويتوزّع العدد الأكبر فيهم على محافظة البقاع (حوالي 39 بالمئة) تليها محافظة الشمال، بيروت والجنوب.
وكان حصل على ٩ مليار دولار منذ ٢٠١٥، وهو مبلغ بحسب الدكتورة بطرس “أقل من تقييم الحاجات السنوية والكلفة الاقتصادية والاجتماعية والامنية والبيئية للنازحين، وهو ما أدى الى إرهاق المجتمع المُضيف”.
العربية نت