دمشق بلا مطار..طهران بلا مدرج..
الرواية الرسمية الاسرائيلية عن قصف مطار دمشق الدولي فجر يوم الجمعة الماضي وإخراجه من الخدمة، لأيام أو ربما لاسابيع، مثيرة للسخرية فعلاً: حدث إستراتيجي، بهذه الخطورة، لا يمكن أن ينسب الى هدف ردده الاسرائيليون مراراً ، وهو الحؤول دون نقل تقنيات تطوير صواريخ الحزب، في حقائب ركاب مدنيين، حسبما تفيد الرواية، التي تتعمد، كما يبدو، المبالغة في البُعد اللبناني لتلك الغارة الاسرائيلية، لتصرف الانظار عن تعطيل مطار سوريا الرئيسي، وبوابتها المفتوحة .. على إيران.
التسليم بتلك الرواية، يعني أن الحزب يلح هذه الايام على تطوير صواريخه وزيادة دقتها، لأنه على أهبة الذهاب الى الحرب، أو على عتبة التعرض للحرب، كما يعني في الوقت نفسه ان مطار دمشق الدولي هو واحد من الاهداف التمهيدية لتلك الحرب، ولم يعد يخضع للحصانة بإعتباره منشأة مدنية، تخدم المواطنين السوريين، مثلما تنفع نظام الرئيس بشار الاسد، والدولة السورية، وصلتهما الحيوية مع الخارج..لا سيما إيران.
سوريا بلا مطار دولي، وإيران بلا مهبط مركزي لطائراتها المدنية والعسكرية. الصراع الاسرائيلي الايراني يمس المحرمات، ويدخل في مسار جديد، يستكمل الضربات المتلاحقة في العمق الايراني، ويوحي بأن تعطيل مطار دمشق يعادل ضرب وتعطيل مطار طهران الدولي أو أحد المطارات الايرانية الرئيسية.. وربما يندرج في الخطة التي كشف النقاب عنها الاسبوع الماضي، عن شبكة رادارات ومنظومات صواريخ نشرتها إسرائيل بالفعل في دولتي الامارات والبحرين، لمواجهة الصواريخ والطائرات الايرانية المسيّرة.
وبكلمة أخرى، يجوز إدراج قرار إسرائيل بتعطيل مطار دمشق، في سياق خطة فرض حصار جوي كامل على إيران، يصيب في السياق نفسه الحزب، ويحرمه هو الآخر من صلة وصل جوية حيوية مع مركز إمداده العسكري الوحيد. وهو ما يمكن تصنيفه بأنه أعلى درجات الحرب الاسرائيلية، التي لا تزال إيران تنكرها، على الرغم من موجاتها المتتالية، ولا يزال الحزب يستبعدها، على الرغم من الافصاح الاسرائيلي المتكرر عن تفاصيلها العسكرية، وآخرها ما جاء على لسان رئيس الاركان الاسرائيلي أفيف كوخافي الذي تحدث عن آلاف الاهداف داخل لبنان، الموجودة في خطة الحرب التي تشمل مقرات القيادة ومنصات الصواريخ، “وكل بيت يوجد فيه صاروخ، أو ناشط يتعامل مع صاروخ، أو تيار كهربائي مرتبط بمجموعة القذائف الصاروخية..”
الصراع على أشده بين إسرائيل وإيران، وقد بلغ حد رفع الحصانة عن النظام الايراني حسب تعبير رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت، الذي جاهر بالسعي الى ضرب “راس الاخطبوط” الايراني. لكن ذلك لا يسمح بالقول أن الميدان السوري واللبناني هما مجرد نقاط إشتباك جانبية، لا من وجهة نظر اسرائيلية ولا إيرانية:
إقفال مطار دمشق ، هو تعديل جذري في قواعد الاشتباك المباشر بين الجانبين..يضع مطارات المنطقة كلها في دائرة الخطر.
أما التقدير بأن مطار دمشق لم يدمّر كلياً لكنه فقط أخرج من الخدمة، لفترة مؤقتة، تفادت السلطات الرسمية السورية تحديدها، فإن يتعارض مع حقيقة أن الاسرائيليين لم يكونوا يلاحقون حقائب ركاب مدنيين يحملون تقنيات تطوير صواريخ، بل هم تعمدوا خرق سقف جديد في الصراع، من أجل أن يعطلوا حركة الملاحة بين دمشق وطهران.. ويفرضوا شروطاً على الطيران المدني والعسكري في الاتجاهين.
موعد إستئناف الرحلات الجوية من مطار دمشق الدولي، تحول الى لغز، أو سر عسكري، يثير السؤال الافتراضي مجدداً عما إذا كانت أيام إيران في سوريا باتت فعلاً معدودة، أم أن قوة النظام الايراني باتت تقاس حصراً بقوة حضوره في سوريا؟ المرجح ان روسيا، في الحالتين، لن تكون مجرد شاهد، حتى ولو كانت معنية أساساً بتقليص النفوذ الايراني في سوريا، وبحماية تحالفها الاستثنائي مع إسرائيل.
ساطع نور الدين – المدن