قضية إختلاس وانتحار مدير فرع مصرف BLC

صدى وادي التيم – أمن وقضاء:

لم يرتبط استهتار المصارف بأموال المودعين بالأزمة المالية التي تفجرت نهاية 2019 وحسب، فللمصارف تاريخ طويل من القضايا العالقة أمام المحاكم وفي أدراج القضاة، تعود لسنوات ما قبل الأزمة.

من القضايا ما يفضح “عنجهية” بعض المصارف بالتعامل مع عملائها المصرفيين، ويكشف مدى استهتارها بحقوق المودعين وأموالهم واستخفافها بحقهم بالدفاع عن جنى أعمارهم.

بعض المصارف “تجنّد” جيوشاً من القانونيين لصوغ مخارج لها من قضايا اختلاس وإهمال، وربما تواطؤ أودى بمدّخرات مواطنين استأمنوها على حياتهم وتعبهم وإرث أولادهم. ولا نتحدّث هنا بالضرورة عن قضايا ترتبط بعمليات الاختلاس الجماعية أو ما يشبه “صفقة العصر”، التي أودت بأموال مئات الآلاف من المودعين في السنتين الأخيرتين، بل نتحدث عن قضايا تورطت فيها المصارف قبل وقوع الأزمة المالية وانهيار القطاع المصرفي.

إليكم إحدى القضايا التي فُتحت في الربع الأول من العام 2019 ولم تُغلق حتى اللحظة. قضية اختلاس وديعة مواطن لبناني غير مقيم، أما بطل عملية الاختلاس فهو مدير (سابق) لأحد فروع البنك اللبناني للتجارة BLC، لم تصل القضية إلى خواتيمها حتى اليوم، كي نجزم المدة الزمنية التي تمت فيها عملية الاختلاس. لكن يبقى من المحتمل أن تعود العملية إلى سنوات ما قبل انكشافها في شهر آذار من العام 2019.

اختلاس مليون و100 ألف دولار

يعود تاريخ الحساب المصرفي المشترك للمواطن اللبناني عادل (اسم مستعار) وزوجته إلى العام 1999، الحساب في البنك اللبناني للتجارة BLC يدّخر فيه عادل وزوجته المغتربان ما يجنونه من عملهما خارج لبنان، لم يتردّدا يوماً بإيداع جنى عمرهما في مصرف لبناني، ولم يُخيّل إليهما يوماً أن أموالهما ستقع “فريسة” مصرف بأحد مدرائه وربما موظفيه. متى اكتشف عادل اختلاس أمواله؟ كيف حصلت عملية الاختلاس؟ وما موقف المصرف؟

قبل تفجّر الأزمة المالية والمصرفية في لبنان بعدة أشهر، وتحديداً بتاريخ 2 آذار 2019 حضر المتضرر (عادل) وزوجته إلى لبنان لتأدية واجب العزاء بأحد الأقارب، تواصل مع مدير فرع البنك اللبناني للتجارة BLC في برج حمود، الذي يتعامل معه وتربطه به صلة مصاهرة، فاعتذر المدير لوجوده خارج المصرف.

قصد عادل المصرف لمتابعة شؤونه المالية كالمعتاد، لكن ما حصل كان صادماً. فوجئ عادل بأن لا أموال في حسابه المصرفي، في حين أن قيمة رصيده في الحساب المشترك مع زوجته كانت نحو مليون و100 ألف دولار.

راجع عادل موظفي المصرف فكان الجواب جازماً بـ”أن حسابه فارغ. لا يوجد فيه أي أموال من أصل مليون و100 ألف دولار”. ولم تقتصر صدمة عادل على خبر تفريغ حسابه المصرفي، فالصدمة الكبرى كانت حين طلب من المصرف الاتصال بمدير الفرع ففوجئ بأن الشخص المطلوب ترك المصرف في العام 2018 (أي قبل اكتشاف أمره من قبل المتضرّر عادل بعدة أشهر).

تماسك المتضرر أعصابه ودخل مكتب المدير الجديد للفرع المصرفي، لعلّه يجد أجوبة على أسئلة تحتاج الكثير من الجرأة لطرحها: “أين أموالي؟”. لكن المدير الجديد لم يقدّم للمتضرّر صاحب الوديعة “المُختلسة” سوى كشف حساب مختصر بأرصدة حساباته، تؤكد عدم وجود المال. المال الذي عمل المتضرّر على إدخاره وزوجته طيلة سنوات اغترابهم خارج لبنان.

.. ثم انتحار

والمضحك المبكي في قضية عادل هو أنه حين تواصل مع المدير السابق، ألقى الأخير عليه اللوم لذهابه إلى المصرف من دون إعلامه بذلك. تصادم الرجلان على الهاتف وأصر عادل على المدير الحضور إلى المصرف فوراً، لتوضيح ما حصل وإعادة أمواله، ظناً منه بأن الأموال ربما لا تزال بمتناول يد المدير.

لكن حين أقفل المدير المتهم بالاختلاس هاتفه مع عادل كانت العبارات الأخيرة التي ينطق بها. ولم يتردّد بإطلاق رصاصة من سلاح صيد في رأسه. انتحر قبل أن يواجه عادل وجهاً لوجه. أما المتضرّر الذي كان ينتظر حضور المدير السابق إلى المصرف، فلم يجزم حصول عملية اختلاس إلا حين عاود الاتصال بالمدير المتهم لاستعجاله، وجاءه خبر انتحاره.

بدأت تتضح الصورة أمام عادل المسلوبة أمواله، فمدير الفرع المصرفي السابق اختلس وديعته المصرفية وانتحر. لكن أين المصرف وإدارته من كل ذلك؟ وهل الجاني قدّم استقالته عام 2018 أم أن المصرف فصله من عمله؟ وإذا كان الأخير فصله من عمله، هل فتح تحقيقاً بعملية الاختلاس؟

كل هذه الاسئلة لم تلق إجابات لها قبل توجّه المتضرّر إلى القضاء. لم يتأخر عادل باللجوء فوراً إلى مكتب محاماة ورفع دعوى للتحقيق بقضية اختلاس أمواله واسترجاع جنى سنوات عمره وزوجته في الاغتراب.

وحسب معلومات “المدن”، فإن العنصر الأهم الذي تستند إليه القضية أن “المصرف هو مَن أوقف المدير المتهم عن العمل، ولم يتقدّم الجاني باستقالته”. من هنا تبدأ القصة. لماذا أوقف المصرف مدير فرع برج حمود عن العمل؟ هل اشتبه به أو ضبطه بعمليات اختلاس اخرى؟ وهل أحال المدير إلى القضاء؟

دعوى ضد BLC

المتضرر كان قليل الزيارات إلى لبنان ولم يكن يستخدم الصرافات الآلية على الإطلاق، بل كان يزور البنك لإيداع مبالغ مالية واستلام الوصل. وقد اعتاد أن يُحضر الأموال إلى المصرف وينتظر في مكتب المدير المتّهم بالاختلاس، ريثما يتمّ إيداع المبلغ في حسابه مقابل إيصالات نظاميّة. ولم يكن هذا الإجراء يثير استغراب المتضرر، لأن العادة جرت بأن يعامل المدراء كبار عملائهم بهذه الطريقة.

من هنا، لم يتمكّن عادل من اكتشاف أمر اختلاس أمواله على مدار أشهر، لكن الثابت بالأمر ان المدير كان يقوم يسحب الأموال من حساب عادل من دون أي مسوغ قانوني. بمعنى أنه كان يقوم بفعل الاختلاس.

وحسب المعلومات المؤكدة فقد سبق لمصرف BLC أن أوقف مدير الفرع عن العمل في شهر حزيران 2018، بسبب ورود العديد من الشكاوى بحقه. وكان البنك قد ألزمه وفق ما يؤكد مصدر موثوق بالتنازل عن تعويضه كاملاً لقاء سنوات خدمته البالغة حوالى 39 عاماً. ويجزم المصدر وجود 3 قضايا بحق الفرع المصرفي نفسه، محورها عمليات اختلاس أموال المودعين.

وتتردد معلومات عن أن المصرف تعامل مع شكاوى الأشخاص المُختلسة أموالهم، بسدادها من تعويض المدير المختلس، المستحق على المصرف والذي حرم منه بعد طرده من الفرع. إذاً المصرف اعترف بشكل أو بآخر بوقوع عمليات اختلاس من قبل مدير الفرع. وعليه، سدّد الأموال المختلسة لأصحابها. والسؤال لماذا لم يتم سداد وديعة عادل، آخر الضحايا؟ يلمح المصدر إلى احتمال تهرّب المصرف من الاعتراف بعملية الاختلاس الأخيرة، ومحاولته التهرّب من مسؤولياته لان الوديعة تفوق كثيراً قيمة تعويض المدير السابق.

وفي قضية عادل، كشف المصدر أن المدير المختلس سبق له أن فتح 22 حساباً بأسماء المتضرر وزوجته وأولاده القصّر وبتواقيع مزورة، وقد تبيّن فيما بعد أن أحد الحسابات كان يستخدمه المختلس للتداول في البورصة. وتكبد فيه خسارة تقدر بنحو 50 ألف دولار.

كان المدير يزوّر تواقيع عائلة عادل بكافة أفرادها على مدار سنوات. وبالنظر إلى أن معظم العمليات كانت تتم على الصندوق (counter)، فذلك يعني أن هناك موظفين متعاونين مع المدير في عمليات السحب من حساب شخص غير موجود داخل البلاد.

إرجاء المحاكمة

أمام كل تلك الوقائع، ألم يكن واجباً على المصرف مساءلة المدير عن الهدف من فتح الحسابات المتعددة باسم الشخص نفسه؟ ألا يُعد ذلك إهمالاً كبيراً من قبل الإدارة الرئيسية للمصرف؟ وطالما أن إدارة المصرف تخول هذا المدير مسؤولية القيام بكل الصلاحيات الممنوحة له باسم BLC، ألا يُعد المصرف مسؤولاً بشكل أو بآخر عن ممارسات المدير؟

وكان المتضرر قد ألقى الحجز عبر محاميه على أموال المصرف ضمانة لحقوقه، وتم الحجز على 31 عقاراً مملوكاً من البنك، إلا أن المصرف يحاول رفع الحجز مقابل شيك بقيمة الوديعة بالليرة اللبنانية أي مليار و600 مليون ليرة، بالرغم من أن الشيك المصرفي فقد قيمته منذ دخول البلد في أزمة مالية نهاية العام 2019 .

هذا، وتم التأكد والتثبّت فعلاً من وجود اختلاسات وتزوير لكافة التواقيع المتواجدة على المستندات المرفقة للحسابات وتلاعب ومستندات تؤكد وجود طرفي الحساب (عادل وزوجته) خارج البلد في مواقيت السحوبات ذاتها. بالنتيجة، تم الجزم بوجود اختلاسات بالمعنى الحقيقي. وعليه ادعت النيابة العامة المالية على البنك اللبناني للتجارة BLC والمدير المفوض بالتوقيع، ممثلاً برئيس مجلس ادارته نديم القصار، وعلى مجهولين وكل من يكشفه التحقيق لاحقاً.

ومنذ شهر آذار 2019 موعد فتح قضية الاختلاس وحتى اليوم، لم تصل القضية بعد إلى خواتيمها. وكل تأجيل لجلسة المحكمة يفقد عادل وعائلته جزءاً من قيمة أموالهم، ولا يرتبط التأخير بصلب القضية، وحسب بل أيضاً بتمديد مواعيد الجلسات والتأجيل وإضراب القضاة وسائر الإضرابات والاعتكافات، عدا عن الإغلاق العام وغيرها من الأسباب التي حالت دون حسم القضية حتى اليوم.

وفي أحدث فصول القضية انعقدت جلسة في 19 نيسان الحالي، في الشكوى المقدّمة ضد المدعى عليه بنك BLC ومديره المفوّض بالتوقيع المدعى عليه نديم القصار، حين كان من المفروض منهما تقديم دفوعهما الشكلية، لكن وكيل المصرف حضر مستمهلاً للإطلاع على الملف وتقديم الدفوع الشكليّة، في محاولة جديدة من المصرف للهروب إلى الأمام، فتم ارجاء المحاكمة إلى 06/06/2022 على هذا الأساس.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!