بالأرقام و التفاصيل: فضيحة مدوية في قطاع الإتصالات و سرقة موصوفة لأموال الناس!
صدى وادي التيم – لبنانيات :
يعود ملف الإتصالات الى الواجهة، مجدّداً، كأحد أبرز مزاريب الهدر والسرقة واختلاس الأموال العامة.وهذه المرة، من بوابة ديوان المحاسبة الذي أصدر تقريراً مفصّلاً حول قطاع الإتصالات وثّق الفساد والهدر في كل مفاصل القطاع بشكل متوارث من وزير الى آخر. حتى ليكاد التقرير يؤكد أن ما من عقد أُنجزأو قرار اتُّخذ من دون أن يكون الهدر أساس إبرامه. ويشير التقرير إلى فضائح لا تحصى ولا سيما ما يتعلق بقطاع الخلوي، «نفط لبنان» وأحد أهم مداخيل الدولة الذي تحوّل الى مغارة علي بابا جعلت من وزراء أوصياء على أموال طائلة يغرفون منها بلا حسيب ولا رقيب. بعض المخالفات اتخذت الطابع الجزائي، ما دفع الديوان الى إبلاغ التقرير الخاص الى النيابة العامة الجزائيةومن بينها تسجيل نفقات في حساب المهمة لوزارة الاتصالات (موازنة ملحقة ) لعام ٢٠١٥ضمن النفقات المصروفة، رغم كونها عبارة عن اختلاسات وفروقات في الصندوق ولا يفترض تسجيلها في تلك الخانة قبل التأكد من إمكانية إعادتها الى الخزينة. في العام نفسه أيضاً،
لم تُبرَم عقود المشتريات والصيانة والتركيب والإنشاء في هيئة أوجيرو وفقاً للأصول،
إنما كانت تحصل بالتراضي ومن دون موافقة وزارة الاتصالات المسبقة أو محاضر تسلّم عند تنفيذها، بل اكتفت الهيئة بإرسال أحد موظفيها. وقد تخطّت قيمة هذه العقود 70 مليار ليرة.كما تبيّن أيضاً أن شركتَي الخلوي طبّقتا نظام المحاسبة الخاصة، ولم تخضعا عقودهما لرقابة الديوانالمسبقة واللاحقة، رغم أن الأموال المتأتّية من القطاع هي أموال عامة. على هذا المنوال،جرت مخالفة مبدأي الشمول والشيوع، فبموافقة وزراء الاتصالات المتعاقبين، جرى الصرف على النفقات الرأسمالية والتشغيلية ليحوّل الباقي الى الخزينة. تعامل هؤلاء مع هذه الأموالكأنها تنبت على الأشجار، فسهل عليهم «رشرشتها» على دعايات وإعلانات وعقود رعاية وأنشطة
رياضية ومهرجانات ومناسبات خاصة. كذلك أُبرمت عقود صيانة لشركتَي «ألفا» و«تاتش» رغم وجود أقسام في الشركتين يفترض بها القيام بهذه المهمة. أُنشئت شبكات 2G و3G بملايين الدولارات ليجري التخلي عنها بعد مدة قصيرة وتلزيمها لشركات أخرى. أُبرمت عقود إيجار على عقارات ومبان من دون الحاجة إليها ومن دون الانتقال إليها أبداً.
التقرير أشار إلى أن القطاع حقّق بين 2010 و2020 إيرادات قاربت 17 مليار دولار،
ورفد الخزينة العامة بنحو 11 مليار دولار. لكن تشغيل الشبكة التي تضمّ 4 ملايين مشترك، كلّف خلال الفترة نفسها 6 مليارات دولار، أي 32% من العائدات، وهو رقم خيالي. ومن هذه المليارات الستة، كلّفت المصاريف الاستثمارية الدولة 1.4 مليار دولار، منها 650 مليون دولار لتطوير الشبكات التقنية فقط، تضمّنت تضخيماً للإنفاق لأسباب مشبوهة. ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:
ــــ تطوير شركة «تاتش» (ميك 2) لمشروع الجيل الثاني: عام 2012، قررت الشركة استبدال شبكة موتورولا لجيل 2G على كامل الأراضي اللبنانية، وعُهد بالمشروع إلى شركة ZTE بقيمة
إجمالية بلغت 27.9 مليون دولار، بعد إضافة خمسة ملايين دولار إلى قيمة العقد تحت مسمّى «variance”. وفي مرحلة ثانية، أضيفت 35 مليون دولار إلى العقد بحجة توسيع الشبكة، ثم 4 ملايين دولار لقاء تحديث جودة الخدمة. هكذا، انتهى المشروع الذي بدأ بـ 28 مليون دولار بإنفاق 48 مليون دولار على «توسيع الشبكة»! المشروع الذي أُنجز في عهد الوزير نقولا صحناوي فتح شهية الوزير جمال الجراح. عام 2018،
قامت «تاتش»، بإيعاز من الجراح، بتفكيك مواقع ZTE التي كان يفترض أن تخدم حتى عام 2025، أي إلغاء المشروع الأول برمّته واستبداله بآخر تنفّذه شركة «هواوي» بكلفة بلغت 90 مليون دولار، ما تسبّب في إهدار الأموال العامة على معدات صالحة كُدّست في المستودعات، علماً بأن «تاتش» دفعت لـ«هواوي» 1.7 مليون دولار لضمان توافق أنظمة ZTE مع أنظمتها.
ـ مشروع الجيل الثاني في «ألفا» (ميك 1): أنفقت الشركة بين 2009 و2010، ما يزيد على 37 مليون دولار لقاء تكليفها شركتَيْ «نوكيا» و«إريكسون» بمشروع زيادة عدد المشتركين بـ 400 ألف مشترك لزيادة طاقة الشبكة وتغطيتها وتأمين الخدمات لما يصل إلى مليون مشترك.
ــــ مشروع الجيل الثالث في «تاتش»: نفذت الشركة مناقصة لمشروع 3G الذي لزّمته لمصلحة شركة «هواوي». المشروع الذي بدأ بقيمة 25.6 مليون دولار لاستيعاب مليون مشترك عام 2011 وانتهى بـ 128.3 مليون دولار حين قررت «هواوي» عام 2013 توسيع التقنية لاستيعاب مليون ونصف مليون مشترك، فرفعت الكلفة بـ 82 مليون دولار،
أي أضعاف الكلفة الأساسية لمشروع المليون مشترك. وقد تمتّعت «هواوي» بحصرية العقد ودُفع لها 34% من المبلغ في سنة التعاقد.مشروع الجيل الثالث في «ألفا»: بدأ بين عامَيْ 2011 و2012 بـ 41.6 مليون دولار وانتهى بدفع الدولة 170.2 مليون دولار كقيمة إجمالية. لاحقاً في عام 2013، فرّخ مشروع LTE التجريبي في «ألفا» بكلفة 15.5 مليون دولار، تلاه بين 2015 و2018 تحوّل التجريبي إلى طويل الأمد وكلّف 91.5 مليون دولار! بموازاة ذلك، أُنفق في عام 2017 نحو 73.3 مليون دولار على مشروع لتنفيذ 500 محطة إرسال جديدة، إلا أن المشروع أُلغي قبل تنفيذه، ولا تزال الشركة تحاول إعادة بيع المحطات وأنظمة الطاقة بكلفة شرائها!
ــــ مشروع الجيل الرابع في «تاتش»: كلفته تفوق 100 مليون دولار، الحصة الأكبر منه من نصيب «هواوي» التي كانت تتقاضى في بعض المشاريع 50% من قيمة الالتزام في سنة التلزيم نفسها.
ــــ تمتّعت شركة «هواوي» بحظوة لدى وزارة الاتصالات. فعند تنفيذ شركة «تاتش» مشروع 4G، وزعت الأعمال بين 75% لـ«هواوي» و25% لـ«نوكيا»، مع دفع 33% من قيمة العقد لـ«هواوي» في السنة الأولى، مقابل أقل من هذه النسبة بكثير لـ«نوكيا». وبلغت كلفة المشروع الإجمالية 35 مليون دولار. وفي ما يلي توثيق الغرفة الرابعة في الديوان برئاسة القاضية نللي أبي يونس وعضوية المستشارتين نجوى الخوري ورانية اللقيس لأعمال اختلاس وهدر ممنهج في قطاع الاتصالات على مدى 10 سنوات، منذ عام 2010 حتى عام 2020 وهي المدة التي ركّز عليها التقرير.مجلس الإشراف: 14 مليون دولار مصاريف بلا فائدة شكّل «مجلس إشراف المالك»، أو ما يعرف بهيئة مالكي القطاع، المغارة التي غرف منها
وزراء الاتصالات بلا حسيب أو رقيب. یتمثّل دوره في المراقبة والإشراف على قطاع الهاتف الخلوي من النواحي القانونية والتجارية والمالية. لكن تبيّن أن المجلس كان بلا صلاحيات،
وأن القرار دائماً للوزير الذي له أن يأخذ برأي المجلس أو يعلمه، فيما الواقع أنه في أحيان كثيرة، كان الوزير يأخذ القرار في الأمور الخاضعة لرقابة الهيئة من دون أن يعرضه عليها.
وقد أُعطي وزراء الاتصالات المتعاقبون صلاحیة تعیین هذا المجلس وفرق العمل المعاونة له وتحدید صلاحیاتهم من دون الرجوع الى أيّ جهة ومن دون الخضوع لأيّ رقابة خارجیة،
سواء من مجلس الخدمة المدنیة أو وزارة المالیة. طلب الديوان من الوزارة قرارات تعيين المجلس وفرق العمل المعاونة له مع الرواتب التي تقاضاها كل شخص، إلا أن الوزارة اكتفت بإرسال جداول الرواتب التي تعود إلى ما بين 2017 و2020، مشيرة إلى أن هذه الجداول هي «كل ما وجد لديها»، وأنه ليس لديها قاعدة بيانات رسمية تتعلق بالمجلس منذ إنشائه، «خلافاً للأصول والقواعد القانونية التي تلزم الإدارة الاحتفاظ بالمستندات العائدة لنشاطها لفترة زمنية محددة».الجداول المتوافرة بيّنت ارتفاعاً كبیراً في عدد أعضاء المجلس من سنة الى أخرى،
وفرق العمل التي تعاونه. إذ تراوح العدد بين 25 و30 شخصاً. ورأى الديوان أن الزيادة كانت غير مبررة في معظم الأحيان وغير منطقية ولا تعتمد على أي معيار واضح وشفاف،
كتكليف أربعة أشخاص بأعمال «المطبخ»، أو خلق وظائف جديدة كسكرتير تنفيذي، أو وظائف لا تدخل في عمل المجلس كوظيفة «الشكاوى» التي عُيّن لها شخص قبل
أن يرتفع العدد إلى أربعة يعملون في مكتب الشكاوى التابع لوزير الاتصالات. كذلك ابتدع الوزير وظيفة «الأرقام المميزة» التي تقضي بالاهتمام بطالبي هذا النوع من الأرقام الهاتفية
وأوكَل بها شخصين! فيما عُيّن أشخاص من دون تحديد مهام مقابل أسمائهم وسُجّلوا بعدها في الجداول اللاحقة تحت خانة «عمال مطبخ». وفي أحد الجداول بتاريخ تموز 2018،
تقاضت ثلاث سيدات تحت خانة «مطبخ» (م. ر. ور. ق. وأ. م.) تعويضاً تراكمياً قدره 6 آلاف دولار لكل شهر عن أشهر كانون الثاني وشباط ونيسان وأيار وحزيران، بينما تبيّن أن رواتبهنّ تتراوح بين 350 دولاراً و750 دولاراً،
من دون إيضاح ما قمن به لقاء هذه المكافأة السخية. الى ذلك، فاق عدد العاملين في «فريق الوزير» في بعض الأحيان عدد موظفيمجلس إشراف المالك برمته؛ فعلى سبيل المثال، وُظِّف 31 شخصاً في عداد فريق الوزير فيما فريق المجلس مؤلف من 30 شخصاً. وفريق الوزير معظمه من المستشارين والسكرتيرات الذين يحدد رواتبهم الوزير ويتقاضونها من حساب المجلس،
علماً بأن معظمهم لم يلتزموا بدوام عمل في الوزارة ولا يعرفهم أحد. وتجدر الإشارة الى أن معظم فریق مجلس الإشراف ومعاونیه هم من موظفي وزارة الاتصالات والهیئة الناظمة وهیئة أوجیرو، وبالتالي كان هؤلاء یتقاضون رواتبهم من الإدارة التي ینتمون إلیها، إضافة الى ما یتقاضونه من حساب
مجلس الإشراف، من دون أيّ رقابة لوزارة المالیة علیها للتأكد من قانونیّتها وانطباقها على القوانین المالیة ذات الصلة. كما أن بعضهم لا يزال ملحقاً بمكتب الوزير حتى اليوم! وشهدت رواتب أعضاء مجلس الإشراف تفاوتاً كبيراً ارتبط دائماً بقرار الوزير. فكان لافتاً تقاضي العاملين ضمن فريق الوزير رواتب أعلى من رواتب معظم أعضاء مجلس الإشراف،
رغم أن هؤلاء لم تُحدّد مهامهم. وضم فريق الوزير مستشارين وسكرتيرات وغير ذلك ممن يضع الوزير أسماءهم ويحدد رواتبهم ويقبضون من حساب المجلس من دون أن تربطهم به أي صلة عملية.
وبما أن عقد الإدارة الموقّع مع مشغّلي الهاتف الخلوي ينصّ على أن تموّل الشركات نشاطات مجلس إشراف المالكين بقيمة تقتطع شهرياً من الإيرادات المحصلة لا تتجاوز 0.1%
من هذه الإيرادات، تُصرف وتنفق وفقاً لتعليمات الوزير، تصرّف الوزراء بتلك الأموال من دون حسيب أو رقيب ومن دون اعتماد أيّ أسس ومعايير واضحة. واستعملوا هذه
الأموال لتغطية نفقات السفر والإقامة في الفنادق للوزير والفريق المرافق له، وحتى استئجار طائرة خاصة لسفر الوزير ومصاريف متفرقة لمكتبه من ورق
وحبر وطعام وآلة لمنع التنصّت وغيره وجميعها على حساب مجلس إشراف المالك، في الوقت الذي نص فيه العقد على أن تغطي الإيرادات نشاطات المجلس فقط.وفي أغلب الأحيان، تخطّت المبالغ التي كان يُطالب بها الوزراء الشركتين لتغطية نشاطات المجلس ما هو مسموح به وفق العقد. فعلى سبيل المثال، في عام 2019 (عهد محمد شقير)
كان المبلغ المحدد للمجلس في شركة «ألفا» 615 ألف دولار، فيما صرف المجلس 765 ألف دولار أي بزيادة 149 ألف دولار. وبلغت قيمة التعويضات المدفوعة بين 2012 و2020 ما يصل الى 6.3 ملايين دولار. وفي شركة «تاتش»،
وصلت هذه المبالغ الى 8.3 ملايين دولار. وخلص الديوان إلى أنّ «ما بين عامَي 2012 و2020 دُفعت مبالغ بقيمة 14 مليون دولار لتغطية مصاريف مجلس الإشراف، ذهب معظمها هدراً من دون فائدة». ولحظ ديوان المحاسبة رواتب دفعت بالدولار وبفروقات هائلة بين موظف وآخر. فالمهندس أ. ب.،
مثلاً، كان يتقاضى شهرياً راتباً يصل الى 7 آلاف دولار بين 2017 و2020، بينما المهندس م. ع. كان يتقاضى 1500 دولار، وتقاضى المهندس م. ش. 5 آلاف دولار، والمهندس ع. ق. 500 دولار. والبعض كان ينال زيادات غير مبررة مقابل الإبقاء على رواتب هي نفسها طوال أعوام.
وسُجّلت فروقات شاسعة بین رواتب أشخاص یشغلون الوظیفة نفسها بين من يصنّفون عاملين في مجلس الإشراف أو في «فريق الوزير».
وتبیّن من المستندات المقدمة الى الدیوان أن دفع الأموال من قبل شركتَي الاتصالات الى الوزارة لتغطیة نشاطا مجلس الإشراف یتم عبر توجيه وزير الإتصالات شخصياً كتاباً الى شركة الخلوي يحدد
فيه المبلغ الإجمالي المطلوب دفعه وتقوم الشركة تلقائياً بالدفع. وقبيل عام 2017، كان الوزراء يطلبون من الشركات تنظيم شيكات بقيمة المبالغ المطلوبة لمصلحة أحد المحامين،
ويذكرون في كتبهم أن المحامي سيقبض المبلغ المطلوب وفقاً لتوجيهات الوزير. ونتیجة تمنّع المحامي عن تقدیم قطع حساب بالمبالغ التي تسلّمها على مدى سنوات من الشركات واكتفائه بتقدیم شیك الى الوزارة بمبلغ قال إنه الرصید المتبقي من الأموال التي قبضها لمصلحة
مجلس إشراف المالك من دون تقدیم ما یؤكد صحة ذلك، عمد الوزبر الى تقدیم دعوى قضائیة بحقه باسم الدولة اللبنانیة ولم تتبلغ الوزارة حتى تاریخه أيّ جدید حول مصیر هذه الدعوى. ومنذ عام ٢٠١٧ دأب الوزراء على طلب تحویل الأموال العائدة لتغطیة نشاطات المجلس الى حساب خاص مفتوح باسم المجلس في بنك «عوده»، على أن یكون حق تحریك الحساب والدفع منه بموجب شیكات تحمل توقیعَي وزیر الاتصالات ورئیس مجلس إلاشراف. وبعد حلّ المجلس، وضعت صلاحية تحریك الحساب في البنك بيد وزير الاتصالات منفرداً. وعند استيضاح الوزارة حول مصير الرصيد في الحساب عند مغادرة رئيس المجلس، أفادت بأن الوزير الحالي ليس على علم بالحساب وسيعمد الى تحويل الرصيد الى خزينة الدولة.
المصدر: الأخبار