سعد الحريري أقفل باب حزب “تيار المستقبل” ووضع المفتاح في جيبه وغادر
صدى وادي التيم – لبنانيات /
الدكتور جورج صدقة كتب في “النهار”
-لم أفهم كيف أن الرئيس سعد الحريري أقفل باب حزب “تيار المستقبل” ووضع المفتاح في جيبه وغادر، مانعا أيّا كان من الترشّح باسم الحزب أو استخدام شعاراته.
لا أتناول هنا الأسباب التي دفعت الحريري الى اتخاذ هذا القرار الغريب. ما لم أفهمه هو أن يعتبر الحريري أن الحزب هو ملك شخصيّ له، وكأنه منزله أو سيّارته الخاصة يعمل بها ما يريد.
فكيف يمكن أن يكون الحزب بنوّابه وقياداته ونخبه ومحازبيه وشعبيّته ملكا شخصيا لفرد واحد يتصرّف به؟! وكيف أن أحدا من قياديي “المستقبل” لم يرفع الصوت ليقول للحريري نحن لسنا ملكا لك تتصرّف بنا على هواك؟!
الأحزاب هي ضرورة للحياة السياسية خصوصا في الأنظمة #الديموقراطية، وهي تجسّد في المبدأ ارتقاء العمل السياسي الى مستوى المشروع الوطني، الى مستوى ممارسة الحكم لتحقيق تطلعات عامة يطمح اليها الشعب. فالأحزاب ليست لخدمة شخص، ولا حتى لمجموعة، هي تحمل مشروعا يتجسّد في خدمة المصلحة العامة. هي تهدف الى الوصول الى السلطة من أجل تحقيق المشروع السياسي والاجتماعي الذي تناضل من أجله.
فكيف يمكن أن يقوم شخص بوقف نضال حزب وبسحب مشروعيته ونضاله وتطلعات مناصريه، فهل كل التضحيات والنشاطات التي قام بها الحزبيّون كانت لخدمة الزعيم الشخصية؟! وهل المحازبون ونخب الحزب هم مجرّد دمى عند صاحب الحزب يقرّر مصيرهم ومصير آلاف الحزبيين على هواه؟!
نرى في الدول الديموقراطية كيف تتنافس الأحزاب على السلطة من خلال مشاريعها السياسية والاجتماعية، وكل واحد يعرض رؤيته ونظرته الى المجتمع ويحاول اقناع الناخبين بها. قيادة الحزب تضع خططا، تتسلم مسؤوليات، لكنها قد ترحل في أي وقت، تتغيّر، أو تسقط تبعا لنجاحاتها أو فشلها، فيأتي غيرها الى القيادة ويستمرّ الحزب في نضالاته من دون أن يكون مرتبطا بشخص واحد يقرر مصيره. كما تتميّز هذه الاحزاب بتنوّع التيارات في داخلها وبتنوّع خياراتها، وتنوّع قياداتها.
فالأحزاب أساسية في كل الأنظمة، هي سمة الحياة السياسية، وهي تجسّد تطلّع شريحة شعبية الى مسيرة وطنيّة معيّنة وتجسّد مساهمتها ونضالها في الحياة السياسية. وتفاعل الأحزاب في مشاريعها وتنافسها على خدمة الناس هما اللذان يميّزان الدول في تقدّمها وممارستها قيم الديموقراطية، أي أن يكون الشعب مصدر السلطة. وفي هذه الأنظمة لا يمكن لشخص ان يدّعي امتلاك حزب ولا أن يقفل باب الحزب بقرار شخصي.
حتى في أنظمة الحزب الواحد، الأنظمة الشمولية، وفي أنظمة الحزب الحاكم، الأنظمة السلطوية، لا يمكن لشخص أن يدّعي ملكيته حزبا والتصرف به.
نحن نستعرض ما حدث في حزب “تيار المستقبل”، علما ان حالته ليست وحيدة من نوعها في #لبنان. فغالبية الأحزاب اللبنانية تبدو كأنها ملك اشخاص يتصرّفون بها كما يريدون. فرؤساؤها يتمسكون بمناصبهم، ولا تداول للسلطة في القيادة. هذا مشترك عند غالبية الأحزاب أنّى كانت ايديولوجيتها أو طائفتها.
كذلك في ممارسة السلطة داخل الأحزاب. فرئيس الحزب هو الذي يقرّر غالبا توزيع المسؤوليات، هو يختار القياديين الى جانبه وينتقي المرشحين للنيابة والوزارة. ورئيس الحزب يحدّد استراتيجية الحزب ومشروعه ورؤيته، وقلّة يجرؤون على التعبير عن عدم موافقتهم. وفي الأيام الأخيرة ذهبت اصوات حزبية معترضة الى حد اتهام قيادتها بتبنّي ترشيحات تبعا للثمن المدفوع. وهذا ما يفسّر أن بعضا من وزراء ونواب ومسؤولين تعاقبوا في مراكز مهمة لم يكن لهم رصيد يؤهّلهم للمركز سوى قربهم من رئيس الحزب أو ولائهم له.
معظم رؤساء الأحزاب في لبنان يتصرّفون على أن الحزب ملكية خاصة لهم. غالبا، لا مجال لرأي آخر يخالفهم. ولا مجال لتعددية فكرية داخل الحزب، ولا لتيارات في داخله. فنرى حزبيين يتساقطون عند كل محطة سياسية، ينسحبون حين يدركون أن رأيهم غير مسموع وأن عليهم أن “يسيروا في الصف”. وربما بات “القدامى” الخارجين من الأحزاب أكثر من الذين ما زالوا منضوين فيها.
لا حاجة لاستعراض كل حزب على حدة، فالأحزاب اللبنانية تعمل غالبيتها وفق نموذج واحد، مفتاحها مع رئيسها، هو يحدّد المسؤوليات، هو يوزّع الأدوار في داخلها، هو يقرّر من يُقرِّب منه ومن يُبعِد عنه. حتى مجلس القيادة الحزبي غالبا ما يختاره الرئيس أو يكون بإيعاز منه.
أين أحزابنا من مفاهيم الديموقراطية؟ فالديموقراطية هي أولا سلوك مبدئي يقوم على الاعتراف بالرأي الآخر، كما يؤمن بقرار الجماعة في إدارة الشؤون العامة سعيا لتحقيق انتظارات الشعب. فكيف يمكن لرؤساء أحزاب يفرضون رأيهم ورؤيتهم على حزبهم وجموع محازبيهم ان يتصرّفوا بديموقراطية إذا ما وصلوا الى السلطة؟
لبنان على أبواب انتخابات نيابية، وهو استحقاق يفترض أن يوصل نخبة نيابية الى مجلس النواب تقوم بوضع خطة اصلاح شاملة للوطن تعاكس المعمول به حتى الآن.غير أن مَن يسمّون مرشحي الاحزاب هم الطبقة السياسية النابعة من الأحزاب السياسية التي أوصلت لبنان الى ما دون الحضيض. فكيف يمكن لمن تسبّب بالانهيار الكبير أن يكون هو المنقذ؟ كيف يمكن لأحزاب ذات ممارسات سلطوية في داخلها أن تبني نظاما ديموقراطيا؟ وهل مجموع أحزاب سلطوية يصنع ديموقراطية؟ الجواب على ذلك شاهدناه في تعطيل استحقاقات الانتخابات التشريعيّة والبلديّة أكثر من مرة، في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة لمدة سنتين، وفي التعطيل الحكومي الذي استمرّ أشهرا طويلة.
كان يفترض بكل من فشل في إدارة البلد منذ سنوات أن يقرّ بخطئه وأن ينسحب من الحياة السياسية تاركا المسؤولية لغيره. غير أن الفكر السلطوي يعني غياب المساءلة والمحاسبة، ويعني أيضا إرادة الاستمرار في الإمساك بالسلطة. انها صفة تلازم الأحزاب السياسية في لبنان، وهذه السلطوية لا يمكنها أن تنتج ديموقراطية تطبّق مبدأ المحاسبة والمساءلة.
إن صمت قيادات “المستقبل” حيال قرار “تسكير” الحزب يطرح أسئلة كثيرة عن شكل الاحزاب اللبنانية، وعن شكل “الديموقراطية” في لبنان.