رسالة و5 آلاف دولار… تفاصيل جديدة حول جريمة أنصار

صدى وادي التيم – لبنانيات/

دعت بلدية أنصار إلى وقفة اليوم في البلدة احتجاجاً على أداء الأجهزة الأمنية والقضائية غير الجدّي والفعّال مع قضية اختفاء الأم وبناتها منذ اليوم الأول. وهي دعوة متوقعة في البلدة التي يطغى فيها الحديث عن تقصير القضاء، ومبادرة أهل البلدة أنفسهم إلى كشف الحقيقة.

“الحمدلله بيّن حقهن” تقول قريبة الأم الضحية، معلّقةً على تهم المجتمع الجاهزة بحق النساء، وتضيف “لم يكن المجتمع وحده من ظلمهنّ بل القضاء الذي انقاد للأقاويل وتجاهل المعلومات والوقائع”. الكلّ مجمع على تقصير القاضية غادة أبو علوان واستخفافها بخبر الاختفاء. يقول أحدهم “لم تلتفت إلى داتا الاتصالات والموقع الجغرافي اللذين تعارضا مع إفادتي المتهم حسين. ف.”. ويضيف آخر: “إصرار القاضية على عدم توجيه الاتهام إلى المتهم على الرغم من مناشدات والد الفتيات المختار زكريا صفاوي منذ اليوم الأول الذي تلى اختفاءهنّ، سمح للمتهم وشريكه بالجرم السوري حسن غ. بالهروب إلى سوريا. ولولا مبادرة شخصية من شقيق الجاني علي ف. وابن خالته شهيد وهبي في استدراجه للعودة إلى البلدة لم تكن القوى الأمنية لتنجح في القبض عليه والكشف عن مصير الضحايا وإيجاد جثامينهن”.

فما الذي حصل؟
يروي يوسف عاصي، ابن بلدة أنصار أن “تغيير حسين. ف. لأقاويله بين الإفادة الأولى والثانية خلال التحقيق، وتعارضها مع موقعه الجغرافي وفق الدراسة التي قدّمها المكتب الفنّي لمخابرات الجيش للقضاء جعلتنا نشك في صدق براءته”. الشاب القريب من أهل الجاني ومن أهل المجنى عليهنّ استطاع مقارنة الوقائع “وعدم الاكتفاء بسماع تحليلات الناس الخرافية فتبيّن لي كذب حسين في أكثر من موضع رغم عدم توقيفه من قبل القضاء”.

ويؤكد مصدر قضائي أن إصرار القاضية على عدم التحفّظ على المتهم في حينها وإقفالها الملف أثار حفيظة المحامي المُوكل بالدفاع عن المتهم، حتى أنه سألها في إحدى المرّات إذا ما كانت تعرف مكانهنّ وإذا ما كنّ بحماية القضاء مثلًا ولا تريد الإفصاح عن ذلك!!
لاحقاً انضمّ محامي حسين ف. إلى المجموعة التي تشكّك في براءته، وبدأت محاولة استدراجه بالكلام إلّا أن هروبه إلى سوريا أكّد المؤكّد!! يقول يوسف: “تحدّث عن إرسال إحدى الضحايا رسالة له بأنهنّ مختطفات وطلبت منه جلب مبلغ خمسة آلاف دولار إلى سوريا مقابل تحريرهنّ، ثم كذبه حول سرقة المهرّبين الذين ساعدوه للخروج من لبنان إلى سوريا بطريقة غير شرعية للمبلغ المفترض، وهاتفه الذي يحوي رقم الهاتف الذي يفترض أن تالا أرسلت منه الرسالة المزعومة أكّد لنا أنه متورّط بحادثة اختفائهن”. يضيف: “هنا عمل علي شقيق حسين، وابن خالته شهيد على استدراجه للعودة إلى البلدة، بحجة أن الملف أُقفل. وعند عودته اعترف حسين لشقيقه أنه استدرج الضحايا إلى بستان عمّه حيث قتلهنّ السوري حسن غ. وساعده في دفنهن في مغارة داخل البستان. عندها تم الاتصال بالعقيد علي إسماعيل مدير مكتب مخابرات النبطية، لتنجح القوى الأمنية بالقبض عليه في اليوم التالي لعودته في بستان آخر يملكه عمّه”.

زمن جهة أخرى، تشير التحقيقات الأوّلية مع المشتبه فيه الأول حسين ف. في جريمة قتل أمّ وبناتها الثلاث من بلدة أنصار (أوقفَ قبل أيام من قبل مديرية المخابرات في الجيش)، أنه نفذّ جريمته عن سابق إصرار وتصميم. بدأت القصة باستدراج العائلة الضحية على عشاء وانتهت بإطلاق النار على الصدور والرؤوس في مغارة اختارها الجاني مسرحاً لجريمته. غير أن الجريمة التي نُفذّت قبل نحو 25 يوماً من تاريخ اكتشاف أمرها، لم يكن الجاني وحيداً فيها. فقد ألقي القبض في وقت متأخر أمس على المشتبه فيه الثاني بالمشاركة في الجريمة، حسن غ.، بالتعاون بين مديرية المخابرات في الجيش وآل ناصر الدين. ومن المتوقع ان تكشف المواجهة بين الموقوفَين المزيد من التفاصيل حول كيفية ارتكاب الجريمة التي تدخل فيها سياق قضائي – أمني طويل، بدأ بعد 24 ساعة على التبليغ عن اختفاء العائلة، وانتهى في تلك المغارة.

التبليغ عن مفقودين
خلال الفترة الماضية، أضحت قضايا اختفاء مواطنين لا سيما الفتيات منهم، مسألة طبيعية وتتبع مساراً تقليدياً، يبدأ بإبلاغ أهالي المختفي/ة عن الحالة لدى أقرب قطعة أمنية، ومن ثم يجري تعميم صورة شمسية، اسم ورقم هاتف للتواصل في حال وجود معطيات مفيدة، ومن ثم يتم النشر كمدوّنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأخيراً تُحال المسألة إلى أقرب فصيلة أمنية للمتابعة. هذا المسار، سرعان ما ينتهي مع وصول الملف إلى القطعات عادة، بناءً على اعتقاد مسبق بأن معظم الحالات المشابهة، إما تكون عبارة عن حالات فرار مع حبيب أو فرار من المنزل تحت ضغط خلافات الأهل ومشكلاتهم، وغالباً في أعقاب نشر أي رسم، يتم التوصل إلى حل للقضية عبر تسليم المفقود/ة لنفسه. لكن مسألة «عائلة أنصار» مثلت استثناء، فطيلة فترة الاختفاء لم ترد أي معلومة إضافية حول القضية ولم يحدث أن ظهر أي عنصر أو معطى يقود إلى الفتيات ووالدتهما، ما دفع بذويهم إلى اعتبارهم في عداد المفقودين، ليتصرّفوا على هذه الأسباب، ويذهبوا نحو توسيع مسار البحث بعدما نما الشك لديهم بحصول أمر مريب.

التحرّي ينتظر
عملياً، كان يفترض بالقطعة الأمنية التي وصلتها الاستنابة حول وجود أفراد مختفين، أن تباشر عملها كما ينصّ عليه القانون، غير أن ما حصل مثّل علامة فارقة. وبحسب معلومات «الأخبار»، انحصر تحرك «التحري» في انتظار أي معلومات إضافية من دون التعمّق في التفاصيل، أو التوسّع في القضية من خلال إجراء التقصي والتحرّيات اللازمة كاحتمال قائمة لحصول عملية خطف. وطوال 25 يوماً على حصول الجريمة، لم يُدرج «التحري» أي إضافة على ما جرى، وهو ما يمكن إدراجه في خانة الإهمال. يضاف إلى ذلك مسار قضائي ليس أقل سوءاً، تعامل مع قضية الاختفاء على أنها «حادثة غياب غير قصري وناتجة من قرار بمحض الإرادة»، وسرعان ما يجري حلها.

وعدت شعبة «المعلومات» بإنجاز التحقيقات ورسم الصورة الكاملة للجريمة خلال 3 أيام

تدخل مديرية المخابرات
دام ذلك إلى حين تولي مديرية المخابرات في الجيش اللبناني القضية، بعد ظهور «إشارات» أثارت شكوكاً لدى المحققين. وبناء على عمليات التقصّي والمتابعات التي أجريت والتي بيّنت أولاً وجود المشتبه به «حسين ف.» برفقة الضحايا قبل حصول الجريمة، ولاحقاً اتضاح مغادرته الأراضي اللبنانية باتجاه سوريا، من دون أي سبب أو تفسير، كان لا بد من إحضاره للاستماع إليه بصفته شاهداً. وتشير المعلومات إلى أن الجاني تم استدراجه من الأراضي السورية عبر عدد من أقاربه لمصلحة مديرية المخابرات، بعدما فقد أوراقه الثبوتية وما لديه من أموال هناك. وتشير معلومات «الأخبار»، إلى أن الموقوف/المشتبه فيه، قدّم إفادة أمام المحققين في مديرية المخابرات كشفت خيوطاً حول علاقته بالإجهاز على المغدورات، ومن جملة ما تم التوصل إليه، مسرح الجريمة ومكان الدفن. غير أن القضاء الذي وجد ضرورة في التوسّع بالتحقيق، طلب عبر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، نقل الملف من مديرية المخابرات إلى شعبة المعلومات، نظراً للقدرات التقنية التي تتمتع بها.

في فرع المعلومات
وبحسب مصادر «الأخبار»، تقدم حسين ف. بمزيد من الاعترافات بعيد ساعات من تسلّمه، يمكن اعتبارها أنها تقدم صورة مبدئية حول ما جرى تلك الليلة. فقد ذكر الموقوف أنه قام باستدراج الضحايا بناء على فكرة ناقشها مع شريكه سوري الجنسية، من خلال دعوة على العشاء في أحد مقاهي مدينة صور. وبعد قبول المغدورات تلبية الدعوة، وفي أثناء وجودهن في سيارته، ادعى رغبته في اطلاعهم على «العمل» الجاري في مغارة موجودة في خراج بلدة «أنصار» (كان قد أعدّها مسبقاً مع شريكه لغرض إتمام الجريمة)، مدعياً أنها عبارة عن «مشروع سياحي» يقوم بإنجازه. وعند وصولهم إلى المغارة قاما بضرب الضحايا على رؤوسهن من جهة الخلف ودفعهن إلى داخل المغارة ومن ثم إطلاق النار عليهن من سلاح صيد بنية القتل (عثر عليه في منزل حسين ف.). ولاحقاً وبناءً على مشورة شريكه السوري، قاما بدفن الجثث وإغلاق الحفرة بمادة الإسمنت منعاً لانبعاث الروائح، وغادرا المكان. وتشير المعلومات، إلى أن التقرير الأولي للطبيب الشرعي، لم يذكر وجود أي عبث في الجثث، ما له أن يقضي على فرضية «بيع الأعضاء» كسبب أدى إلى حصول الجريمة.

وتشير معلومات «الأخبار»، إلى أن التحقيقات مع الجاني والتي تتمّ تحت إشراف القاضي غسان عويدات، وعدت شعبة «المعلومات» بإنجازها ورسم الصورة الكاملة للجريمة خلال 3 أيام من تاريخ تسلم المتهم من مديرية المخابرات، علماً أن الأخيرة كان لها الحصة الأكبر من كشف ملابسات ما حصل، بدءاً من العثور على الجاني ثم الوصول إلى مكان دفن الجثث وإماطة اللثام عن السياق المبدئي للجريمة.

نظمية الدرويش وعبد الله قمح – الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!