لماذا يجد البعض صعوبة في أن يكونوا سعداء؟

خلصت العديد من الدراسات السابقة إلى الإحساس بالسعادة يقلل من احتمالات الوفاة بواقع 35 في المئة لدى كبار السن.

تستمر معدلات القلق والاكتئاب وإيذاء الذات في الارتفاع في جميع أنحاء العالم. فهل محكوم علينا أن نكون غير سعداء، على الرغم من التطورات في علم النفس؟.

وكشف مقال مؤثر نُشر في مراجعة علم النفس العام في عام 2005، أن 50% من سعادة الناس تحددها جيناتهم، و10% تعتمد على ظروفهم و40% على “النشاط المتعمد” (بشكل أساسي، سواء كنت إيجابيا أم لا).

ووضع ما يسمى بـ”فطيرة السعادة” هذه أتباع علم النفس الإيجابي في مقعد القيادة، ما يسمح لهم باتخاذ قرار بشأن مسار سعادتهم. (على الرغم من أن الرسالة غير المعلنة هي أنه إذا كنت غير سعيد، فأنت السبب).

وانتُقدت “فطيرة السعادة” على نطاق واسع لأنها كانت تستند إلى افتراضات حول الجينات التي فقدت مصداقيتها. ولعقود من الزمان، أجرى باحثو علم الوراثة السلوكية دراسات على التوائم وتوصلوا إلى أن ما بين 40% و50% من التباين في سعادتهم فُسّر من خلال علم الوراثة، وهذا هو سبب ظهور النسبة في “فطيرة السعادة”.

ويستخدم علماء الوراثة السلوكية تقنية إحصائية لتقدير المكونات الجينية والبيئية بناء على القرابة الأسرية للناس، ومن ثم استخدام التوائم في دراساتهم.

وردا على الانتقادات الموجهة إلى ورقة عام 2005، كتب المعدون أنفسهم ورقة بحثية في عام 2019 قدمت نهجا أكثر دقة حول تأثير الجينات على السعادة، والتي أدركت التفاعلات بين جيناتنا وبيئتنا.

الطبيعة والتنشئة

وقال باحثون إن الطبيعة والتنشئة ليستا منفصلتين عن بعضها البعض. على العكس من ذلك، فإن علم الوراثة الجزيئي، دراسة بنية ووظيفة الجينات على المستوى الجزيئي، تُظهر أنها تؤثر باستمرار على بعضها البعض.

وتؤثر الجينات على السلوك الذي يساعد الناس على اختيار بيئتهم. وعلى سبيل المثال، الانبساطية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء تساعد الأطفال على بناء مجموعات صداقتهم.

وبالتساوي، تغير البيئة التعبير الجيني. وعلى سبيل المثال، عند توقع تعرض الأمهات للمجاعة، تغيرت جينات أطفالهن وفقا لذلك، ما أدى إلى تغيرات كيميائية أدت إلى كبت إنتاج عامل النمو. وأدى ذلك إلى ولادة أطفال أصغر من المعتاد ولديهم حالات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

ويُشار إلى أن الطبيعة والتنشئة مترابطتان وتؤثران على بعضهما البعض باستمرار. وهذا هو السبب في أن شخصين نشآ في البيئة نفسها قد يستجيبان لها بشكل مختلف، ما يعني أن افتراض علم الوراثة السلوكي لبيئة متساوية لم يعد صالحا.

وأوضح الباحثون أيضا أنه ما إذا كان يمكن للناس أن يصبحوا أكثر سعادة يعتمد على “حساسيتهم البيئية” – قدرتهم على التغيير. وبعض الناس عرضة لبيئتهم وبالتالي يمكنهم تغيير أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم بشكل كبير استجابة للأحداث السلبية والإيجابية.

لذلك عند حضور ورشة عمل حول الرفاهية أو قراءة كتاب علم نفس إيجابي، قد يتأثرون به ويختبرون تغييرا أكبر بشكل ملحوظ مقارنة بالآخرين – وقد يستمر التغيير لفترة أطول أيضا.

ولكن لا يوجد تدخل علم نفس إيجابي يمكن أن ينجح مع جميع الناس لأننا فريدون مثل حمضنا النووي، وعلى هذا النحو، لدينا قدرة مختلفة على الرفاهية وتقلباتها طوال الحياة.

فهل مقدر لنا أن نكون غير سعداء؟، قد يكافح بعض الناس أكثر من غيرهم لتحسين رفاههم، ويعني هذا الكفاح أنهم سيظلون غير سعداء لفترات أطول. وفي الحالات القصوى، قد لا يشعرون أبدا بمستويات عالية من السعادة.

ومع ذلك، فإن الآخرين الذين لديهم مرونة وراثية أكبر، ما يعني أنهم أكثر حساسية للبيئة وبالتالي لديهم قدرة متزايدة على التغيير، قد يكونون قادرين على تعزيز رفاههم وربما حتى الازدهار إذا ما اعتمدوا أسلوب حياة صحي واختاروا العيش والعمل في بيئة تعزز سعادتهم وقدرتهم على النمو.

ولكن علم الوراثة لا يحدد من نحن، حتى لو كان يلعب دورا مهما في رفاهيتنا. وما يهم أيضا هو الخيارات التي نتخذها بشأن المكان الذي نعيش فيه، ومن نعيش معه وكيف نعيش حياتنا، والتي تؤثر على سعادتنا وسعادة الأجيال القادمة.

يذكر أن التقرير أُعدّ بمشاركة جولانتا بوركيه، وهو محاضر أول، في مركز علم النفس الإيجابي والصحة، جامعة RCSI للطب والعلوم الصحية.

وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!