لا داعي للهلع… الليرة ممسوكة بخيوطٍ عنكبوتية

صدى وادي التيم- إقتصاد/

اذا أخذنا السنة كوحدة زمنية لقياس تطور ارتفاع الدولار (انهيار الليرة)، سيتبيّن لنا ان الدولار ارتفع حوالى 300% في العام 2020. واذا اعتبرنا انّ الليرة ستواصل مسارها الانحداري نفسه، من دون زيادة أو نقصان في العام 2021 الذي ينتهي بعد شهر من اليوم، فهذا يعني ان معدل سعر الدولار ينبغي ان يكون في نهاية العام الحالي 32 ألف ليرة.

في كانون الثاني 2020، وصل سعر الدولار الى 2100 ليرة، ارتفاعاً من سعره الرسمي (1507)، وفي نهاية العام نفسه بلغ الدولار عتبة الـ 8400 ليرة، بما يعني ان سعره في السوق السوداء تضاعف 4 مرات خلال سنة. لكن الدولار قد يعجز عن تحقيق الرقم الارتفاعي نفسه في العام 2021، وقد يكتفي بزيادة قدرها 3 أضعاف.

واقعياً، هذا الوضع بالنسبة الى سوق الصرف يعتبر ايجابياً، بمعنى ان البلد لم يدخل بعد مرحلة الانفلاش الكلي على مستوى سعر العملة الوطنية، ولم نصل الى مرحلة شطب ثلاثة أو اربعة أصفار لإعادة سعر العملة الوطنية نظرياً ونفسياً الى ما كانت عليه قبل الأزمة. وقد يكون من المفيد ان نتذكّر ان ايران، ومنذ وقتٍ ليس ببعيد، شطبت اربعة اصفار من عملتها بعد مرحلة من التضخّم المفرط (Hyperinflation) حتّمت عليها اتخاذ مثل هذا الاجراء. وبالتالي، لا يُفترض ان يكون مفاجئاً ان الدولار في لبنان وصل الى 25 الف ليرة، بل ان المفاجئ، على المستوى المالي والاقتصادي، ان يكون الدولار قد اكتفى في الـ11 شهرا الاولى من 2021، بالارتفاع فقط حوالى 200%، في حين انه ارتفع حوالى 380% في الفترة نفسها من العام 2020.

في المفهوم الاقتصادي، وحتى السياسي، لم يحصل اي تطور يمكن البناء عليه للقول ان مسار انهيار الليرة يمكن ان يصبح أبطأ، بل العكس صحيح. اذ ان الاوضاع المالية والاقتصادية والسياسية اصبحت اسوأ، والعام 2021 كان أشد سواداً على المستويات الثلاث من العام 2020.

ما ينبغي التنبّه له انه لا يمكن التعاطي مع ملف سعر الصرف بشكل ظرفي، واحتساب الارتفاع او الهبوط في فترات زمنية معينة كمقياس زمني لبناء الاستنتاجات. على سبيل المثال لا الحصر، اذا اعتمد الباحث النصف الثاني من العام 2020، وهو عام اعلان افلاس الدولة اللبنانية، (آذار 2020)، يتبيّن له ان سعر صرف الدولار بين تموز وكانون الاول من العام المذكور (6 أشهر)، تراجع حوالى 10%، من 9200 ليرة للدولار، الى 8400 في نهاية العام. فهل كان مسموحاً الاستنتاج ان مسار الدولار هبوطي، طالما انه انخفض خلال الاشهر الستة الاخيرة من هذه السنة بهذه النسبة؟ وهل من المنطقي البناء على هذا الوضع للاستنتاج ان الدولار في العام 2021 كان يُفترض أن يواصل الهبوط؟

مثال آخر لم يمض عليه سوى شهرين ونصف الشهر. في منتصف ايلول الماضي وصل سعر صرف الدولار الى 13900 وربما أقل. وفي منتصف تموز من العام نفسه، اي قبل شهرين من هذا التاريخ، كان سعر الدولار حوالى 23 الف ليرة. بما يعني ان اعتماد الفترة الزمنية بين تموز وايلول كوحدة قياس، يُظهر ان الدولار تراجع بنسبة 65%. فهل كان يمكن البناء على هذه النسبة للقول ان الدولار سيواصل مساره الانحداري؟

كل هذه الحسابات وفق وحدة قياس زمنية مُختارة لا تعكس الواقع، ولا تساعد في قراءة صحيحة لمسار الليرة. ما هو موضوعي وعلمي في هذا الاطار ان المسار العام لليرة هو الهبوط، بصرف النظر عن الطلعات والنزلات الظرفية، واحيانا من دون اسباب مُقنعة. اذ ان السبب الرئيسي لهذا الوضع هو الثابت في هذه العملية، اي افلاس الدولة، منذ آذار 2020، بما يعني ان المسار المالي والاقتصادي، وفي غياب معالجة هذا الوضع سيستمر في المضي من سيئ الى اسوأ، وبصرف النظر عن النسب المتوقعة لسرعة الانهيار، ومتى يمكن ان يشتد، ومتى يمكن ان يتباطأ. وبالمناسبة، اذا اعتمدنا وحدة قياس الدولار في النصف الثاني من العام الحالي، يتبين ان العملة الخضراء، وفي حال بقي السعر في حدود الـ25 الف ليرة حتى نهاية السنة، ارتفعت فقط بنسبة 8 %. وهي نسبة ضئيلة تكاد توازي نسبة انخفاض اليورو عالمياً مقابل الدولار في العام 2021.

خُلاصة هذا العرض، ان سعر الصرف لا يزال مقبولاً من الوجهة المالية، وليس المعيشية طبعاً، لكنّ لجمه يتمّ على حساب المواطن، لأنّ الانفاق، ومن ضمنه الاجور والخدمات لم ترتفع بنسب تهدف الى دعم المواطن بالحد الأدنى لمساعدته على الصمود. لكن كل الخيارات، بما فيها تصحيح الاجور، تتطلب دفع ثمنٍ ما في مكان آخر. انها حكاية ليرة لا تزال ممسوكة جزئياً بخيوط رفيعة أشبه بخيوط العنكبوت القابلة للتقطّع في اية لحظة نتيجة أية دعسة ناقصة. وكل الاجراءات خارج اطار معالجة السبب الرئيسي هي بمثابة إعادة توزيعٍ للأضرار، لا أكثر ولا أقل.

انطوان فرح – الجمهورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!