بعد 51 عاماً عرفت والديها اللبنانيين بالـ DNA.. إيمانويل في بيروت

صدى وادي التيم – متفرقات /

كانت استحابتي سريعة لطلب موقعنا “مناطق نت”، بالعمل على موضوع عن إمرأة تبنتها عائلة فرنسية وهي في عمر أشهر قليلة، ثم نجحت بعد 51 عاماً في التعرف على والديها البيولوجيين في لبنان.

من البديهي أن يتساءل المرء أسئلة وجودية تتعلّق بنشأته وعائلته وتاريخ ومكان ولادته والظروف المتزامنة معها، ولمعظم الأشخاص أجوبة عن هذه الأسئلة وهي متوفّرة. أما بالنسبة للأشخاص المتبنيين، فغالبًا ما تكون هذه الأجوبة غير متوفّرة، أو قيد البحث، كما هو الحال بالنسبة لإيمانويل.

بدأت مهمة بحث إيمانويل عن والديها البيولوجيَّين عندما بلغت سن السابعة والأربعين وهي رحلة بحث شاقة وطويلة ومليئة بالتساؤلات والشكوك والانتقادات تصل حتى إلى درجة التمييز، واصفةً أن الحافز الأوّل لها كان في مناسبة عيد ميلادها.

قالت لي “جاءتني رؤية أو صورة لامرأة لها بطن مستديرة، وفي ذلك النهار أدركت أنني كنت نفسي يومًا ما في بطن امرأة ما. أصبحت فكرة أنّ لدي أم بيولوجية فكرة راسخة في ذهني.” وذكرت بالمناسبة أنّ العديد من الأشخاص الذين تم تبنيهم يكرهون مناسبة عيد الميلاد، لأن جزء كبير منهم يجهل يوم الولادة الفعلي، أو يعتبرونها “ذكرى التخلي”.

لم يكن من السهل على إيمانويل أن تبدأ رحلة بحثها، فهي تُدرك تمامًا الألم الذي قد تسبّبه هذه الخطوة لأهلها بالتبنّي. وتقول لهم “أنا أقوم بهذا الأمر لنفسي، أنا لا أقوم بذلك ضدّكم. وعندما أتحدّث مع المتبنَّيين الأصغر منّي سنًّا، أقول لهم  الشيء نفسه. هذا حقّهم.”

بدايات

ولدت إيمانويل عام 1966 ونشأت في دار الأيتام قبل أن يتم تبنيها من قبل عائلة فرنسية. كانت أمّها البيولوجية حامل بها في سن السابعة عشرة عن طريق علاقة خارج الزواج، وأُجبرت الأم على إخفاء حملها طيلة فترة الحمل إلى أن أرسلت إيمانويل بعيدًا بعد الولادة خوفًا من “الوصمة” الاجتماعية ومفاهيم الشرف السائدة. إضافة لذلك في معظم الأحيان لا يكون هناك خيار للأم، فالأب أو العائلة أو المجتمع أو “النظام” كما تصفه إيمانويل هو من يقوم بإجبار الأم على اتخاذ القرارات، خصوصًا في المجتمعات المحافظة الأكثر ذكورية، وغالبًا ما يتسبّب ذلك بصدمة أو حتى تراوما للأم.

عام 2014 اتخذت إيمانويل قرارًا بالبدء بمهمة البحث عن أهلها البيولوجيين بدءاً بوالدتها. حاولت أن تبحث عن الطرائق المتوفّرة للوصول إلى بعض الأدلة أو الآثار التي من الممكن أن تقربها من العثور عليهما، فأخذت تبحث في دور الأيتام والسفارات والمؤسسات المختلفة. ومن بعدها اختارت القيام باختبارات الحمض النووي (دي أن أيه تيست)، وأتت النتيجة وتأكّدت أن الجزء الأكبر من أصلها يأتي من المنطقة اللبنانية-السورية، فهي كانت على دراية بأصلها اللبناني. كما واكتشفت لاحقًا أنها تتشارك أيضًا جزءا من جيناتها مع أقرباء من جهة والدتها قد هاجروا إلى أستراليا، وأقرباء من جهة والدها قد هاجروا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

تمكّنت إيمانويل من العثور على قريب لها من خلال اختبار الحمض النووي والتواصل معه مباشرة من خلال قاعدة البيانات المتوفّرة في مراكز الاختبار، والتي تسمح للأشخاص بالتواصل مع من يشبهونهم جينيًّا. كان من حسن حظّ إيمانويل أن أمّها كانت من القليلين الذين شاركوا حقيقة أن لديها ولداً، ما جعل الأمر معروفاً عند العائلة والأقرباء، وعندها تمكّن قريبها من إعلامها عن مكان وجود والدتها وتوجيهها للالتقاء بها، فاتضح الأمر أن والدتها في أستراليا.

التقت إيمانويل بوالدتها للمرة الأولى بعد رحلة البحث المضنية في أستراليا عام 2017، وتصف نفسها بالمحظوظة بذلك. أما الآن فالمرحلة الثانية هي البحث عن والدها الذي لم يعد للأم أي صلة به لكي تتمكّن من العثور على “سلامها” الداخلي.

التمييز ضد المتبنّيين

إلى جانب صعوبة الوصول إلى الآثار والأدلّة والفحوص البيولوجية وقاعدات البيانات المختلفة، أي الجزء التقني من البحث، كان الشق الأصعب لإيمانويل هو ما واجهته من صعوبات اجتماعية وثقافية وأعراف وتابوهات ترافق جميع المتبنيّين خلال رحلة بحثهم.

“يعتبرون هذا الأمر محرّم، ويقولون إن لديك عائلة هناك… برأيي علينا وضع حد لكل من يقول إن “لديك عائلة بالفعل”، أو من يقول “لديك عائلة أفضل هناك… لماذا تبحثين عن العائلة البيولوجية؟”

“عندما نقول إننا متبنّيون ينتهي الأمر، لا أحد يساعدنا. وهذا التابو يصل أيضًا إلى الولايات المتحدة وأستراليا.”

“يعتقدون أن قصة المتبنّيين هي قصة أميرات (برينسس)، ويتهموننا بأننا سنحطّم عائلة، ولكن من هم الذين حطّمونا نحن؟”

تضيف إيمانويل أن رحلة البحث هي حق طبيعي لكل شخص، وهو أمرٌ يتجاوز الاختلافات الطبقية والدينية فالجميع يريد العثور على عائلته البيولوجية، ويتضمّن ذلك الأمّهات اللواتي لديهن “حزن دائم في قلوبهن”، واللواتي من حقّهنّ أيضًا البحث عن أولادهنّ.

تجدر الإشارة إلى أن الدولة اللبنانية لم تصادق على اتفاقية 1993 التي تنص على حماية الطفل والتعاون فيما يتعلّق بالتبني على الصعيد الدولي على أنه لا يمكن تبنّي الطفل في الخارج إلا إذا لم يتم العثور على الأبوين في البلد الأصلي. وتتساءل إيمانويل عن عدد الأشخاص المتبنيين في لبنان فهي أمور لا تظهر في العلن معظم الأوقات، ولكن تشكّل كمًّا كبيرًا من الوقود لمحبّي النميمة ومطلقي الإشاعات في الضيع والقرى. تُقدّر إيمانويل عدد المتبنّيين في لبنان بحوالي العشرة آلاف شخص، وعلى الأقل ثلاث آلاف وخمس مئة شخص بدأوا بالفعل في البحث عن أهلهم البيولوجيين.

أمّهاتنا، نحن نبحث عنكن! ومع ذلك

نشرت إيمانويل قصتها ونداء على صفحة غوغل سايتس تحت عنوان ” أمّهاتنا، نحن نبحث عنكن! ومع ذلك…”

https://sites.google.com/view/adoptesduliban/accueil

تقول إيمانويل أن عائق أساسي في عملية البحث عن الوالدَين غالبًا ما يأتي من قبل الوالدين نفسهما. ويعود ذلك أيضًا إلى أعراف وعادات ومفاهيم للشرف وتقاليد محافظة.

“نحن لسنا هنا لإزعاجهم” هي الفكرة التي تردّدها إيمانويل.

ماذا بعد؟

أمّا الخطوة التالية بالنسبة لإيمانويل فهي العثور على والدها البيولوجي، و”طي الصفحة”، وأن يقوم هو نفسه بسرد قصة ما حدث، وأن يبيّن الأسباب والظروف التي دفعته للتخلّي عنها. وعند معرفة الحقيقة سيكون بإمكان إيمانويل أن تعثر على سلامها الداخلي.

عثرت إيمانويل على رجلٍ تقول إنه قد يكون والدها، وهي شبه متأكدّة من ذلك ولكنها لا زالت لم تتمكن من التواصل معه مباشرة، والعائق الأساسي كان غالبًا ما يأتي من قبله، متذرعًا بالحفاظ على السمعة والخوف من الاستغلال المادي.

“…أحاول فقط أن أجعله يفهم أنني بحاجة لمعرفة قصة ولادتي، أن كل البشر على هذا الكوكب لديهم هذه الحاجة الأساسية لمعرفتها. وفعلت كل ما في وسعي حتى لا أؤذي عائلته، لأفعل ذلك بهدوء.”

“هذا الرفض مؤلم حقًا بالنسبة لي، إنه هجر جديد.”

ولكن إيمانويل تكرر دائماً أن “الماضي أصبح وراؤنا، وأنا لست هنا لاتهام أي شخص، لكن إذا كان في إمكاني، لكنت بحاجة إلى معرفة قصة ولادته أيضًا.”

إن الموعظة الأساسية وراء رحلة إيمانويل والرسالة التي تشدّد على إيصالها هي أن مهمة البحث في الأساس لا تكون لأية أغراض شخصية أو ماديّة أو أغراض مختلفة عن الهدف الأساسي، وهو حق المرء في البحث عن قصّة ولادته ونشأته وأهله البيولوجيّين، وإسقاط العادات والمفاهيم والمحاولات المجتمعيّة لسلب المتبنّيين هذا الحق أو التمييز ضدّهم على أساسها، فهذا حق إنساني أساسي من الدرجة الأولى.

وصدق القول “الآباء يأكلون الحصرم والابناء يضرسون.”

 مروان عيسى – مناطق نت 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!