الأسعار ‘نار’ والرواتب تتآكل قدرتها الشرائية
صدى وادي التيم- إقتصاد/
تحرير اسعار المحروقات بعد رفع الدعم عنها وجّه ضربة قاضية الى المواطن اللبناني، في وقت يُتوقع ان يلامس سعر صفيحة البنزين خلال أسابيع الـ 400 الف ليرة نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط عالميا بالتوازي مع تحليق سعر دولار السوق السوداء متخطيا حاجز الـ 20 الف ليرة.
الحد الادنى للأجور ما زال عند 675 الف ليرة كانت تساوي قبل الأزمة 450 دولاراً، أما اليوم، ومع تفلت سعر الصرف، بات الحد الأدنى يساوي 33 دولارا مع احتساب سعر صرف الدولار عند 20500 ليرة بدخل أقل من الحد الأدنى في كل من إيران وهو 360 دولاراً، وموريتانيا 111 دولاراً، وبنغلادش 95 دولاراً. أرقام الاتحاد العمالي العام تؤكد انه خلال آخر ثلاث سنوات تحوّل زهاء 350 الف لبناني الى عاطلين عن العمل، وجزء كبير منهم هجر البلاد نتيجة الازمة، فيما تشير البيانات المتاحة الى ان نسبة #الفقر في لبنان تقارب حاليا 60%، اي ان نحو 60% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر المحدد حاليا بما يقارب المليون ليرة شهريا، وهو المدخول الذي تحققه نسبة كبيرة من العائلات اللبنانية. في هذا السياق، أوضح رئيس الاتحاد العمالي بشارة الاسمر لـ”النهار” ان نحو 50% من اللبنانيين المصرح عنهم للضمان الاجتماعي من قِبل الشركات التي يعملون فيها، يتقاضون مليون ليرة حداً اقصى، ما يشير الى حجم الكارثة التي تعصف بالشريحة الكبرى من اللبنانيين”. وأعطى مثلا ان العامل في مدرسة رسمية يتقاضى 30 الف ليرة يوميا فقط، ويعمل 4 أيام في الاسبوع، ما يعني ان راتبه الشهري لا يتخطى 500 الف ليرة، اي اقل من الحد الادنى للاجور. وعاد الاسمر الى دراسة أنجزها الاتحاد العمالي وخلصت الى ان “العائلة اللبنانية المكوّنة من 4 أفراد تحتاج شهريا الى 7 ملايين ليرة مع اعتماد سعر صرف الدولار في السوق السوداء عند 20 الف ليرة، فيما الحد الادنى للاجور لم يتم تعديله سوى باضافة بدل النقل الى عدد محدد من موظفي القطاعين العام والخاص. فعند رفع سعر صرف الدولار المعتمد لشراء المحروقات من 3900 الى 8000 ليرة، سارعت الحكومة إلى رفع بدل النقل من 8000 إلى 24000 ليرة، ولكن مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 20500 ليرة غاب هذا الأمر. فالموظف وفي حال كان يحتاج إلى صفيحة بنزين واحدة في الاسبوع، فإنّ كلفة النقل شهريا هي بالحدّ الأدنى مليون و200 الف ليرة على أساس سعر 300 الف ليرة للصفيحة، أيّ انها تفوق بدل النقل اليومي المحدد بـ24000 ليرة، في حال احتساب عدد أيام العمل في الشهر 26 يوماً، نظراً إلى أن المجموع عندها سيكون 62400″. وأكد الاسمر ان مبلغ الـ 7 ملايين ليرة شهريا يتضمن بدل النقل وكلفة المياه المستهلكة واشتراك المولد بـ 5 أمبير، اضافة الى كلفة التعليم بالحد الادنى وبعض الادوية الاساسية مع اعتماد كلفة إيجار لشقة متواضعة جدا عند 600 الف ليرة”. وطالب بأن يحتسب تعويض النقل على أساس “مئة ألف ليرة يوميا في القطاعين الخاص والعام، مع ضرورة إنصاف موظفي القطاع العام والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة والبلديات والمستشفيات الحكومية والقطاع التعليمي الرسمي والمهني والمتعاقدين والمتقاعدين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتلفزيون لبنان، عبر منحهم مساعدة شهر كامل عن كل راتب يتقاضونه لمدة سنة كاملة، على ان تحتسب هذه المساعدة في تعويضات نهاية الخدمة لمن يحالون على التقاعد خلال هذه الفترة، وتشمل هذه المنح وزيادة تعويض النقل ايضا كل الاسلاك العسكرية والمتقاعدين فيها”. وشدد على “ضرورة انعقاد لجنة المؤشر وخروجها بنتائج ايجابية في رفع الحد الادنى للأجور والشطور وملحقات الأجر للعاملين في القطاع الخاص وحصولهم على مساعدات شهرية اسوة بالقطاع العام، يصرح عنها رسميا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإعادة احتساب تعويض نهاية الخدمة على مبدأ سعر المنصة 3900 ليرة، وضمنه المنح والزيادات المصرح عنها، لتعويض المضمونين الخسارة الكبيرة الناتجة من انهيار العملة الوطنية”.
في كل الاحوال، يؤدي ارتفاع اسعار المحروقات الى شلل تام للحركة الاقتصادية وعدم قدرة الموظف في القطاعين العام والخاص على التوجه الى عمله وتباطؤ الحركة الاقتصادية وتوقفها والى انفجار اجتماعي كبير. وفي هذا السياق طالب رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، بعد ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى 300 ألف ليرة، بان ترفع المؤسسات بدل النقل للعاملين لديها بما يمكّنهم من مزاولة عملهم، أو تأمين وسائل نقل أو إتاحة العمل من المنزل لبعض الأعمال، “فلا يمكن على الإطلاق الطلب من العامل الإقتطاع من راتبه أو بيع بعض من أثاث منزله للمجيء الى العمل”.
وأكّد شقير أنّه “لا يمكن أنّ نغض الطرف عن الوضع المعيشي للعامل، فإذا أضفنا كلفة اشتراك المولّد وصفيحتي بنزين وقارورة غاز فسيكون السعر مليوني ليرة لبنانية”، وشدّد على أنّ “السكوت اليوم جريمة، وفي الوقت عينه علينا أن نبادر إلى وضع خطة مع الحكومة، لأنّه لا يوجد في أيّ بلد حدّ أدنى للقطاع العام، وحدّ أدنى للقطاع الخاص”.
وكشف عن “اجتماع سيُعقد اليوم مع الاتحاد العمالي العام والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، والأسبوع المقبل مع رئيس الحكومة، على ان يليهما اجتماعاً الخميس المقبل مع الاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة للاتفاق على حلّ يساعد الناس في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة”.
واعتبر أنّه “يجب المحافطة على العامل للمحافظة على لبنان”، مشدّداً على أنّ “تأمين بدل النقل للموظف أمر مُلحّ جدّاً”.
وإذ شدد على اهمية اعطاء منح مدرسية اذ ممنوع ان يكون هناك ولد لبناني خارج المدرسة لأن العلم هو المحافظة على البلد، قال “نحن مع حوار بناء وحل سريع جدا لتأمين عيش كريم للعامل اللبناني يضمن كرامته لأنه يكفي الذل الذي شهدناه في الاسابيع الماضية واتمنى ان يكون الحل قريب جدا”.
ارتفاع أسعار المحروقات بشكل جنوني، أدى أيضا الى زيادة صاروخية في أسعار النقل حيث تخطى “السرفيس” الـ 25 الف ليرة، الى ارتفاع اسعار السلع والغاز والخبز والطبابة والاستشفاء والتدفئة ونحن على أبواب الشتاء، كما يؤدي الى انهيار في أداء المؤسسات الحكومية التي تعتمد كليا على المحروقات لتأمين الخدمات المختلفة من كهرباء واتصالات وانترنت ومياه بالتوازي مع ارتفاع أسعار اشتراكات المولدات الكهربائية وعدم القدرة على تأمين المياه، وهو ما أكدته مؤسسة مياه لبنان الشمالي.
في هذا السياق، أكد الاسمر ان تحرير اسعار المحروقات بالشكل الذي تم من دون تأمين البدائل والتعويض على المواطنين والمؤسسات، وفي غياب المعالجات والخطط الهادفة الى تصحيح الاجور وتعويض التكاليف الاضافية، يؤدي ايضا الى انهيار المؤسسات الضامنة من الضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين وشركات التأمين والألوية الطبية في المؤسسات العسكرية، ما يحتم إقرارا فوريا للبطاقة التمويلية وبطاقة استشفائية وبطاقة للمحروقات، والإقرار والالتزام الحكومي بجدولة ودفع أموال المودعين.
بالعودة الى الكلفة الشهرية التي على العائلة اللبنانية المكونة من 4 أفراد تحمّلها بالحد الادنى، فهي تشمل 4 صفائح بنزين اي ما يقارب المليون و200 الف ليرة، اضافة الى قارورة الغاز بكلفة 230 الف ليرة، و500 الف ليرة لاستهلاك المياه، و600 الف ليرة بدل إيجار منزل، مع إشتراك بقدرة 5 أمبير بكلفة مليون و500 الف ليرة، لتصل الحاجة الى 5 ملايين و500 الف ليرة تقريبا من دون احتساب كلفة التعليم والدواء والاستشفاء والطعام والدواء وحتى شراء مادة المازوت حيث وضل سعر طن المازوت الى ما يقارب 700 دولار تدفع نقدا. وأمام هذه الكارثة، وتضخّم غلاء المعيشة بنسبة تخطت 150%، بات من الضروريّ العمل على زيادة الحدّ للأجور لإتاحة المجال للموظّف لشراء وتأمين المستلزمات الأساسية له ولعائلته مع ضرورة تصحيح تعرفة المساعدة الإجتماعية التي تتمثّل في النقل والكهرباء والماء والمساعدات المدرسية والسكن، خصوصا أنّ تعرفة بدل الإيجارات أصبحت أيضا مرتفعة جدّاً وتوازيا مع إعادة جدولة التعرفة والتغطية الطبابية والإستشفائية.
وفي إطار البحث عن حلول ممكنة، عقد إجتماع أمس في مقر الاتحاد العمالي العام حضره رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير ونائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان نبيل فهد ورئيس الاتحاد العمالي بشارة الاسمر، ونائبه حسن فقيه والامين العام للاتحاد سعد الدين حميدي صقر، وقرر المجتمعون عقد لقاء موسع بين الاتحاد والهيئات الاقتصادية ونقابات المهن الحرة الاسبوع المقبل، ولقاء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للبحث في الواقع الاجتماعي الذي تمر به البلاد وتأثيراته على الطبقة العاملة، ولا سيما موضوع الاجور والتقديمات الاجتماعية والمنح المدرسية والنقل.
موقع النهار