هل هناك جهة ما اشترت صور تفجير مرفأ بيروت وتعمّدت إخفاءها؟
هذا المقال ليس حول التحقيق في جريمة مرفأ بيروت، لكنّه حول اللاتحقيق في الجريمة المروّعة.
قُدِّمت إلى الدولة اللبنانية، بناءً على طلبها، صورٌ عن حالة مرفأ بيروت قبل الانفجار، وصورٌ أخرى عن حالته بعد الانفجار. ولكنّ كلّ أصحاب الصور، التي اُلتُقطت بواسطة الأقمار الصناعية، امتنعوا عن تسليم الدولة ولو صورة واحدة عن الانفجار أثناء وقوعه.
ليس صحيحاً أنّ الأقمار الصناعية التي تجوب الكرة الأرضية على مدى الأربع والعشرين ساعة، وتلتقط صوراً للأحداث الصغيرة والكبيرة على السواء، وحتى للمواقع العامّة، فاتها تصوير أكبر انفجار غير نوويّ نُكِبت به الإنسانية. من هنا السؤال: لماذا إخفاء هذه الصور؟ ومَن هي هذه الجهة القادرة على تعميم قرار إخفائها؟ ولماذا؟
أهميّة الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في أنّها عبر الصورة تستطيع أن تنقل التحقيق من التركيز على التقصير الإداري إلى التركيز على أصل الجريمة.
فالقمر الصناعي، الذي يزوّد مؤسسة دولية للتحقيق، تُدعى بيلينكات Bellingeat، تمكّن من تقديم صور تُظهر الصاروخ الذي أُطلِق من شرق أوكرانيا وأسقط طائرة الركاب الماليزية في عام 2014. فأين حجم إطلاق صاروخ من غابة كثيفة الأشجار من تفجير مرفأ بيروت المفتوح أمام الفضاء؟!
وقد تمكّنت هذه المؤسسة ذاتها في عام 2018 من تعقّب مَن تصفهم حكومات دول غربية بأنّهم جواسيس روس مكلّفون باغتيال شخصيات روسية منشقّة، مثل المعارض الروسي سيرجي سكريبال. فهل يُعقل أن تتعقّب الأقمار الصناعية حركة إنسان على الأرض في شوارع مدينة مكتظّة، وأن لا ترى انفجاراً بحجم الانفجار الذي دمّر المرفأ ونصف العاصمة؟
تركّز الأقمار الصناعية الغربية، وخاصة الأميركية منها، على ما تصفه التجاوزات اللاإنسانية التي تقوم بها الصين في شينجيانغ ضدّ الإيغور. وهو موضوع قابل للبحث والنقاش، لكنّ المهمّ هنا هو التقاط صور من الفضاء لكلّ ما تقوم به الصين في هذا الجزء من البلاد، ومن ضمنه ما يُسمّى بالمعسكرات الخاصّة لإعادة تأهيل الإيغوريين بحيث يسهل تذويبهم في المجتمع الصيني بدلاً من المطالبة بالاستقلال الذاتي. فهل تصوير معسكر أو مدرسة أقلّ صعوبة من تصوير انفجار هزّ العالم لفظاعته؟
لقد وصلت قدرة الأقمار الصناعية الأميركية والأوروبية (فرنسا، نعم فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا.. إلخ) حدّ تصوير مستودعات الصواريخ الباليستية الروسية، إلا أنّ هذه القدرة توقّفت بقدرة قادرٍ أمام تصوير مرفأ بيروت!!
تبرّر الدول، التي تملك أقمار التصوير الفضائية، أعمالها بأنّ ما تقوم به يقطع الطريق أمام ارتكاب جرائم عامّة ضدّ الإنسانية، ويمنع الدول من خرق القانون الدولي. فهل كانت جريمة تفجير مرفأ بيروت دفاعاً عن الإنسانية؟ وهل كانت احتراماً للقانون الدولي؟
في عام 2013، تمكّن قمر صناعي أميركي من أن يتعقّب رجلاً واحداً ارتكب جريمة التفجير في بوسطن أثناء احتفال رياضي (ماراتون)، وتمّ اعتقاله بعد ساعات من ارتكاب جريمته. وبين عاميْ 2013 و2020، تطوّرت قدرات الأقمار الصناعية على الملاحقة إلى حدٍّ يصعب معه، وربّما يستحيل، ارتكاب أيّ جريمة في مكان عامّ من دون أن تكون في مرمى عدسات الأقمار الصناعية، إلا مرفأ بيروت.
أكثر من ذلك، التقط قمر صناعي صور رجل دين أميركي مستقيل من السلك الكهنوتي ومتفرغ للعمل مع الشاذّين جنسيّاً. وبعدما حدّد موقعه، داهمته قوى الأمن واعتقلته بالجرم المشهود. هنا نتحدّث عن رجل واحد، يعمل سرّاً، ومنفرداً، لكنّه لم يستطع أن يخرج من دائرة مراقبة الأقمار الصناعية. فكيف بانفجار قتل أكثر من 200 إنسان وجرح الآلاف ودمّر نصف العاصمة.
أمام عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية التي تدور ليلاً ونهاراً حول الكرة الأرضية، وتلتقط صوراً لكلّ شاردة وواردة، لا يمكن أن يصدّق عاقل أنّ مرفأ بيروت وحده تمكّن بقدرة قادر أن يضلّل كلّ هذه الأقمار، وأن يعجّزها عن التقاط أيّ صورة للتفجير الرهيب.
عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، اشترت جميع الصور الفضائية التي اُلتُقطت في حينه، ودفعت ثمنها نقداً حتى لا تكشف عن الغزو إلا من خلال إعلامها وعبر المعلومات التي تتحكّم بها منفردة.
من هنا السؤال: هل هناك جهة ما اشترت صور تفجير مرفأ بيروت وتعمّدت إخفاءها؟ ولماذا؟ ولمصلحة مَن؟
حتماً ليس لمصلحة ضحايا الانفجار.. ولا لمصلحة التحقيق الذي تحوّل مع الأسف إلى تحقيق مع متّهمين بالتقصير الإداري.
المأساة في لبنان أنّنا دائماً نعرف الضحية.. لكنّنا لا نتعرّف على الجاني.. ربّما توفيراً لوقوع ضحايا أخرى؟!
محمد السماك – اساس ميديا