المصادر المائية القديمة لبلدة الخيام و اهميتها التاريخية
صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /
في المقال السابق، الذي جاء تحت عنوان «تلوث مياه الدردارة.. عرض لجذور المشكلة المتفاقمة»، قمنا بعرض لأبرز أسباب تدهور أوضاع نبع وبحيرة الدردارة.
في هذا المقال (وفي مقالات لاحقة) سنعرض بشكل علمي التكوين الهيدرولوجي والجيولوجي لينابيع سهل مرجعيون – الخيام وأبرز المنشآت القديمة التي تم انشاؤها عليها ليتسنى لنا لاحقاً فهم وتقييم صحة الحلول المقترحة لها.
ينابيع سهل مرجعيون – مرج الخيام
تشتق تسمية مرجعيون من كلمتين هما مرج و عيون و قد سمي السهل بهذا الإسم لكثرة و غزارة عيون الماء فيه، و هذه الينابيع تنقسم إلى صنفين:
الصنف الاول هو المنتشر عند سفوح الهضبة الغربية المشرفة على السهل خصوصاً قرب تل دبين، و الينابيع المنتشرة على السفوح الشرقية منه لناحية هضبة الخيام و أشهرها نبع المسيل ونبع عين أبو منصور ونبع أبو مزراب ونبع عين الضيعة…
وهذه الينابيع تتميز إجمالاً بأنها منخفضة الغزارة كونها تتغذى فقط من جريان المياه في مسارب الطبقات السطحية من التربة المتشكلة فوق طبقات صلدة أو قليلة النفاذية تنبثق فوق الارض حين تتلاقى تشكيلاتها الطبقية مع إنحدار الأرض الطبيعية لتخرج أحياناً على شكل سواقي تزداد غزارتها أو تقل طبقاً لعدد المسالك الجوفية أو الشرايين المائية التي تغذيها صيفاً أو شتاءً، و أدى عدم ثبات غزارة هذا النوع من الينابيع صيفاً و شتاءً إلى دفع السكان المحليين لبناء أقبية لها تحت الأرض (كنبع أبو منصور) أو شبكة أنفاق تتعارض مع مسارب مياهها الجوفية (كنبع عين أبو مزراب) و هذه المنشآت سمحت بنفاذ المياه إليها بشكل حر بين فراغات عقودها الحجرية بما أتاح جرها عبر مجاري أرضية داخلية نحو خزانات مستحدثة تسمح بترسب عوالق المياه داخلها ثم تفيض من فتحات جانبية في جدرانها عبر مزاريب حجرية أو حنفيات لتصب في أحواض أو أقنية حجرية أو ترابية مفتوحة، و هذه المنشآت كانت تستخدم لشرب المياه أو ملء الجرار الفخارية والإستحمام وغسيل الملابس وغيرها من النشاطات البشرية، كما كانت تستخدم لسقي الماشية وبشكل محدود لري الأراضي الزراعية القريبة منها، وقد أطلق على هذا النوع من الينابيع تسمية عيون الماء.
أما الصنف الثاني فهو المتشكل على شكل تجاويف أو حفر أرضية وسط السهل و أشهرها نبع الحمام شمال السهل و نبع الدردارة في وسطه و نبعي الرقيقة والبارد للناحية الجنوبية منه عدا عن أقصى جنوب السهل الذي كان يفيض كاملاً بالمياه شتاءً، و هذا النوع من الينابيع يستفيد، بالإضافة إلى خاصية الجريان المائي في طبقاته السطحية، من خاصية الضغط الهيدرولوجي التصاعدي للمياه أو ما يعرف بظاهرة الفوران داخل تلك الحفر أو التجاويف نتيجة لتوازن الضغط الهيدرولوجي لتلك المياه بين مصادرها في جبل الشيخ وفتحات فوهاتها في سهل الخيام بفعل المسافة و تباطئ سرعة الجريان الجوفي.
و وفقاً للدراسات التاريخية الجيولوجية و الكريتاسية التي أجراها الباحث الدكتور علي فاعور، فإن سهل الخيام يقع فوق تشكيل طبقي مقعر غير نافذ، و يؤدي ذوبان الثلوج فوق قمم جبل الشيخ و جريانها في الطبقات الجوفية بإتجاه الجنوب الغربي إلى غمر هذا التشكيل الجوفي بالمياه مما جعل السهل يعوم فوق بحيرة تتميز ينابيعها الوسطية خصوصاً بغزارة تدفقها و فورانها.
و المعلوم أن السوائل عامةً تسلك تلقائياً بفعل الجاذبية مسارات منحدرة وهي تفضل الإتجاه نحو الفراغات أو المسالك الأقل مقاومة لنفاذيتها خصوصاً تلك الموجودة في قعر الوسط الذي تتحرك فيه، و في حال تعذر ذلك تتجه للبحث عن مسارت إلتفافية حوله أو تحاول الضغط على جوانبه لإزاحته أو التغلب عليه، و في حال فشلها يبدأ منسوبها بالإرتفاع بفعل الضغط الهيدرولوجي محاولة الخروج من ذلك الوسط عن طريق الفوران أو الفيضان، و في مختلف الحالات في حال إكتشافها أي مسرب أو فضاء حر، فإن مساراتها كافة تتجمع و تتجه إليه، و قد تعرف أجدادنا على تلك الخاصية بالفطرة و المراقبة الطويلة و التجربة وإستخدموها في تطوير المنشآت المائية المختلفة.
الدردارة
قد يكون من نعم الله أن يتكون في وسط سهل الخيام تجويف طبيعي أوسع و أعمق من تجويف نبع الحمام إنبثقت منه عدة ينابيع مياه سمّيت لشدة تدفقها و فورانها بالدردارة أو المُدِرَّة للمياه، و قد شكلت تلك الينابيع، مضافاً إليها المياه السطحية الجوفية المتدفقة إليها من الناحية الشمالية الشرقية، بحيرة كانت مياهها كافية لري كامل مساحة الجزء الجنوبي من السهل صيفاً و غمر أقصى جنوبه بالمياه شتاءً.
كانت معظم أراضي القسم الشمالي من سهل الخيام تستغل تاريخياً من قبل أهالي بلدتي جديدة مرجعيون و دبين، أما الجزء الجنوبي منه فكانت معظم أراضيه تستغل بالزراعة من قبل أهالي بلدة الخيام بإستثناء السفوح الغربية منه التي كان يتقاسمها كل من قرى القليعة و الخربة و كفركلا.
ما أذكره مما تحدث به أجدادنا أن حوض بحيرة الدردارة بقي على ما هو عليه إلى حين تدخل وزارة الطاقة و المياه في خمسينات القرن الماضي، حين تم إعداد و تنفيذ مشروع لتحسين توصيل المياه إلى كافة أرجاء السهل الجنوبي، و هذا المشروع أعتمدت فيه تقنية كانت حديثة الإستخدام في حينه في المشاريع المائية و هي الإسمنت أو الباطون بسبب قلة نفاذيتها، وهذا المشروع كان عبارة عن إنشاء حاجز صد من الباطون المسلح للناحية الجنوبية من بحيرة الدردارة (عرف لحقاً بالشاحط)، كما تم إنشاء بوابة تحكم حديدية في الناحية الجنوبية الغربية من البحيرة وهو مكان مناسب بعيد عن مواقع فوهات النبع، و إتصلت تلك البوابة بقناة مائية إستخدمت فيها نفس المواد الإسمنتية القليلة النفاذية ما منع إبتلاع التربة لها و سمح بنقلها عبرها بإمتداد السهل في محاذاة الطريق العام وصولاً إلى باب الثنية، و تم تزويد تلك القناة ببوابات تحكم عرضية و عامودية على مسارات الجريان و أقنية فرعية تتجه شرقاً بإتجاه عرض السهل وفرت وصول المياه إلى كافة الأراضي الزراعية المنخفضة عنها.
سمح إنشاء الحاجز المائي أو حائط الصد بحجز و تجميع المياه داخل حوض البحيرة، كما سمحت بوابة التحكم و البوابات الأخرى التي زودت بها القناة بالتحكم بإرتفاع المياه داخل البحيرة صيفاً و شتاءً، كما سمحت بالتحكم بكمية المياه الخارجة منها عند فتح تلك البوابة و بسرعة جريان المياه في الأقنية الفرعية و بالتالي توصيلها إلى القطع الزراعية المطلوب ريها بإعتماد نظام إدارة بسيط لتوزيع المياه لا يحتاج سوى إلى مجهود بسيط من موظف مُلِم بطريقة فتح أو قفل بوابات و التحكم بها, كذلك القيام أعمال صيانة دورية بسيطة لتلك المنشآت.
و الملاحظ أن المهندسين المائيين المختصين الذين تولوا درس و تنفيذ المشروع لم يعمدوا نهائياً إلى القيام بأي أعمال إنشائية للناحية الشمالية أو الشرقية من البحيرة، بل تعمّدوا إبقاء فوهات الينابيع بعيدة عن بوابة التحكم و حافظوا على شكل التربة الطبيعية للناحية الشمالية من البحيرة و على تداخلها معها دون إحداث أي تغيير أو تعديل.
و أظن أن بعضنا يذكر جيداً أن غدير الدردراة الذي يقع حالياً تحت الجسر الحجري كان حتى وقت قريب أعلى من منسوب البحيرة و كنا نشرب منه و نغتسل فيه و أحيانا نضع البطيخ أو قناني الكولا فيه لتبرد، كذلك كنا نشاهد بعض الأحيان فوران فوهات ينابيع الناحية الشمالية من البحيرة خصوصاً في فصل الشتاء.
المصدر : خيامكم