اللبنانيون في قلب “جهنم”.. الدولار سيصل لـ100 ألف ليرة إلا إذا!

صدى وادي التيم – إقتصاد/

 

مع إستمرار التأزم السياسي والفشل في تأليف حكومة، وفي ظل الإنهيار المالي والاقتصادي، يتواصل مسلسل سقوط الليرة اللبنانية أمام الدولار من دون معالجات.

فقد هوَت العملة اللبنانية في إتّجاه مستوى 10 آلاف ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، وسط مؤشرات تشي بمزيد من الإرتفاعات من دون سقف محدد.

في المقابل، يحافظ الدولار لدى الصرّافين على حاله، بين 3850 ليرة للشراء، و3900 ليرة للمبيع. وهو الدولار غير المتوفر عملياً.

إنفجار إجتماعي – معيشي
وسرّع تفلّت سعر صرف العملة الخضراء الخطى نحو الإنفجار الاجتماعي – المعيشي الشامل، مع عودة التحرّكات الإحتجاجية الى الشارع في الساعات الماضية في أكثر من منطقة لبنانية، حيث قُطعت طرقات وحُرقت إطارات، إحتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار وتردي الاوضاع المعيشية.

ارتفاع جنوني للدولار وتفلّت أسعار السلع
ويتزامن الإرتفاع “الجنوني” لسعر صرف الدولار في السوق السوداء وما يجرّ معه من تفّلّت لأسعار المواد الإستهلاكية، مع الحديث عن إتّجاه مصرف لبنان الى رفع الدعم التدريجي عن المواد والسلع الأساسية، وفي ظل تصاعد أسعار المحروقات وإتّجاه نقابة أصحاب الافران الى رفع سعر ربطة الخبز بسبب إستمرار إنهيار الليرة أمام الدولار.

وأدّى تراجع القدرة الشرائية في البلد إلى عجز بعض العائلات عن تأمين مطالبها الأساسية وقوت يومها. وتقول سمر وهي أم لثلاثة أولاد لـ”العربية.نت” “أن زيارتها للسوبرماركت باتت تقتصر على شراء مواد أساسية محددة والمدعومة من مصرف لبنان، مثل الخبز والطحين والحبوب”.

سلع كمالية
وتُضيف “أذهب الى السوبرماركت من دون أن أصطحب أحداً من أولادي كما كنت أفعل دائماً، لأنني لا أستطيع أن أشتري لهم ما قد يطلبوه مثل الشوكولا والعصير أو الكورنفلاكس أو أي من السلع الأخرى التي يحبّونها، فكلّها أصبحت من “الكماليات” بسبب أسعارها الخيالية”.

وحال سمر لا تختلف عن وضع هيام التي كانت تعمل في محل بيع مجوهرات في منطقة برج حمّود في المتن في جبل لبنان، ولم تتقاضَ راتبها منذ بدء قرار الإقفال العام بسبب إنتشار جائحة كورونا.

وتروي لـ”العربية.نت” “كيف أنها تتنقّل بين أكثر من سوبرماركت من أجل التفتيش عن السلع الأرخص. زوجي شوفير تاكسي وما يجنيه من عمله اليومي لا يكفي”.

كنّا مستورين إلى أن..
وتُضيف “خلّيها عا الله. كنّا مستورين أنا وزوجي وإبني. زوجي كان يدفع مما يجنيه من عمله بدل أجار المنزل وأقساط مدرسة إبننا، وأنا كنت أساعده بمصروف البيت. اليوم الوضع تغيّر كثيراً نحو الأسوأ. أنا لا أعرف إذا كنت سأعود الى العمل في محل المجوهرات بعد إعادة فتح البلد، ومدخول زوجي تراجع كثيراً بسبب الوضع الإقتصادي وإنتشار وباء كورونا”.

وحمّلت الطبقة السياسية التي وصفتها بـ”الأسوأ والأفشل” مسؤولية تردّي الأوضاع”، لأنها على حدّ تعبيرها لا تكترث لأحوالنا وإنما لمصالحها الخاصة والضيّقة”.

تحسّر على أيام الليرة الثابتة
أما منير فيتحسّر على أيام (1500 ليرة) أي السعر الرسمي لليرة قبل أن يتدهوّر. ويقول لـ”العربية.نت” “أنا عسكري متقاعد في الجيش اللبناني وكنت أتقاضى مليون و500 ألف ليرة (ألف دولار على سعر الصرف الرسمي). كنّا مستورين أنا وعائلتي، لكن مع تدهور سعر صرف الليرة أصبح معاشي يساوي 160 دولار”.

ويتابع “الله لا يوفقن. أصبحنا بسبب فشل الطبقة السياسية شحّاذين في بلدنا لا نستطيع تأمين حاجاتنا الأساسية. بت أنتظر صندوقة المساعدات التي تصلنا من جمعيات إجتماعية من أجل إطعام أولادي، لأن راتبي التقاعدي لم يعد يساوي شيئاً”.

ويأتي إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء في وقت تُراكم الطبقة السياسية فشلها في إيجاد حلول للأزمات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والصحية حتى بات مصير اللبنانيين “جهنم”.

لبنان أصبح زمبابوي
ولم يستغرب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود لـ”العربية.نت” الإرتفاع المتواصل بسعر صرف الدولار مقابل الليرة، لأن لا أفق واضحاً للحل في لبنان”.

ويقول “الأزمة في لبنان ظاهرها إقتصادي – نقدي غير أن باطنها سياسي بإمتياز، لأن في ظل غياب المناخ السياسي الملائم يفقد الإقتصاد مقوّماته. وللأسف لبنان أصبح زمبابوي، حيث لا ثقة للإستثمار فيه”.

الدولار سيرتفع كثيراً
ويتوقّع حمّود “أن يصل سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية (ستة أرقام. أي أن الدولار الواحد قد يساوي 100 ألف ليرة) في الأشهر المقبلة إذا إستمرّ التأزّم السياسي، لأن عودة الثقة بالليرة مرتبط بهيبة الدولة”.

منتجات تركية وسورية تغزو السوق اللبنانية
ومع إرتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير، بدأت منتجات بديلة تدخل إلى الاسواق اللبنانية بأسعار أقل.

ومن بين هذه المنتجات تلك التركية والسورية التي نجدها بكثرة على رفوف السوبرماركات والدكاكين وبأسعار أقل.

ويقول نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد لـ”العربية.نت” “أننا بتنا نتّجه إلى السوق التركية والسورية والمصرية أيضاً لإستيراد مواد إستهلاكية، لأنها أرخص مقارنةً بالمنتجات الأوروبية التي تُكلّفنا كثيراً بسبب إرتفاع كلفة الشحن واليورو”.

ونبّه الى “أن الشحّ بالدولار سينعكس حتماً على إستيراد المواد الغذائية”، متحدّثاً عن صعوبة يواجهها التجار منذ أشهر لتأمين العملة الخضراء في السوق السوداء”.

الحل مرتبط بالصراع الإقليمي
وكما الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، يعتبر نائب حاكم مصرف لبنان السابق سعد العنداري لـ”العربية.نت” “أن الأزمة الإقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان مرتبطة بالصراع الإقليمي، ولا حلّ قبل إنتهاء هذا الصراع”.

ويقول “بعد إنتهاء هذا الصراع سيحتاج لبنان الى دعم خارجي يكون عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤتمر “سيدر” الذي رعته فرنسا”.

ويلفت عنداري الى “أن المصرف المركزي يستخدم الإحتياطي الإلزامي أي أموال المودعين من أجل دعم مواد أساسية، وهذا أمر خاطئ، لأن الحكومة وليس المصرف المركزي هي المسؤولة عن سياسة الدعم”.

دعم مواد تُهرّب خارج لبنان
ويعتبر “أن هذا الإحتياطي يُستنزف، لأنه يدعم مواداً تُهرّب إلى خارج لبنان. مثلاً البن اللبناني المدعوم بات يُباع في متجر”هارودز” في لندن والدواء في الكويت”.

غياب الاصلاحات
كذلك، تؤكد كبيرة الاقتصاديين للشرق الأوسط لدى مصرف “جفريز انترناشيونال”، عليا مبيّض لـ”العربية.نت” “أن المسؤولية في تدهور سعر الصرف تقع على المسؤولين الذين تغاضوا عن تدهور المؤشرات الاقتصادية والمالية دون أية معالجة أو محاولة إصلاح تذكر على مدى سنوات طويلة، ولاسيما منذ العام 2016-2017، عندما بدأت الاحتياطات الصافية من العملات الاجنبية تأخذ منحى سلبيا أكثر وأكثر خطورة، ولم يتم تدارك الأمر بل اعتمدت سياسات فاقمت الأزمة المصرفية والمالية عبر الهندسات المالية لمصرف لبنان في ظل غياب الاصلاحات من قبل الحكومات المتتالية”.

وتُضيف “كما تقع المسؤلية على كلَ شحض وقف عائقا أمام الاتفاق على خطة للاصلاح المالي والاقتصادي وساهم في تعثّر المحادثات مع صندوق النقد الدولي في العام 2020 ممّا أدّى إلى استمرار طباعة العملة لسد العجوزات المالية فدفع بالتضخم إلى ما يفوق الـ 150% وإلى تعدد أسعار الصرف وتزايد الطلب على الدولار فأدخل الاقتصاد والمجتمع في حلقة التضخم المفرط المفرغة”.

الحد الأدنى للأجور عالمياً
وفي ظلّ تراجع سعر صرف الليرة، أصبح الحد الادنى للأجور من بين الأدنى عالمياً.

وجاء في تقرير وزّعته “الدولية للمعلومات” “في سبيل المقارنة بين الحد الأدنى للأجور في لبنان وبين عدد من دول العالم (بعضها مشابه لوضع لبنان وتكلفة المعيشة وبعضها الآخر أعلى أو أدنى) تبين أن لبنان هو مرتبة متدنية (يأتي بعد بنغلادش)، فتونس وضعها مشابه للبنان يبلغ فيها الحد الأدنى 125 دولاراً والأردن 311 دولاراً.

وفي الإطار، يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”العربية.نت” “أننا مقبلون على كارثة على الصعد كافة إذا لم يتم إيجاد حلّ سياسي للأزمة التي نتخبّط بها”.

سياسة الدعم خاطئة
وفي حين أوضح “أن رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي الى إرتفاع جنوني بسعر صفيحتي البنزين والمازوت (قد تصل الى عتبة الثمانين ألفاً)”، اعتبر “أن سياسية دعم السلع خاطئة ويجب أن تتوقّف ويحلّ مكانها سياسة دعم الليرة”.

ويشرح “مصرف لبنان يدعم السلع الأساسية، مثل المحروقات والخبز والأدوية من إحتياطاته من العملة الصعبة، وهو ما يؤدي الى إستنزافها، في حين أن الأولوية اليوم دعم الليرة من خلال ضخّ المصرف المركزي لهذا الإحتياطي في المصارف كي يُعيد تحريك العجلة الإقتصادية، ما سيؤدي حكماً الى خفض الطلب على شراء الدولار في السوق السوداء وبالتالي لجم سعره”.

ضخّ سيولة “بالدولار” لدى المصارف
ويلفت الى “أن الإحتياطي الإلزامي الموجود لدى مصرف لبنان والمقدّر بنحو 17 مليار دولار هدفه دعم الليرة وليس السلع الإستهلاكية. من هنا ضرورة ضخّه بشكل تدريجي في المصارف والسماح للبنانيين بسحب الدولار “فريش” وفق سقوف مححدة للسحب اليومي والشهري، ما سيؤدي حكماً الى تراجع سعره أمام الليرة”.

إقرار الكابيتول كونترول
غير أن ضخّ مصرف لبنان للدولار في المصارف لن يُساهم بحسب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود لـ”العربية.نت” بحلّ الأزمة، لأن المودعين، خصوصاً الكبار سيتهافتون لسحب الدولارات على حساب المودعين الصغار”.
وطالب بإقرار قانون كابيتول كونترول من أجل حماية حق الموعين”.

4 ركائز للنهوض الإقتصادي
كذلك، تعتبر الخبيرة الإقتصادية عليا مبيّض “أن مسار الحلول لوقف الانهيار الحاصل يتطلّب وضع مقاربة شاملة لاعادة الهيكلة والنهوض تتضمن برنامجاً للاستقرار المالي والنهوض الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، والذي برأيي يجب أن يبنى على 4 ركائز أساسية، وهي: إعادة هيكلة الدين العام وإصلاح المالية العامة عبر زيادة فعالية الانفاق وترشيده من جهة واصلاحات ضريبية عميقة من جهة أخرى، إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع إعطاء الأولوية لتنقيح ميزانية مصرف لبنان، إصلاح السياسات النقدية وسياسة سعر الصرف، وإصلاحات هيكلية لإطلاق عجلة النمو (حوكمة، بيئة أعمال….) .

وتابعت “علينا أن نعمل على مستويين إثنين في العام 2021: المستوى الأول -وقف النزيف- وذلك عبر قوننة القيود على رأس المال بشكل أن تكون شاملة وغير استنسابية، ويتم تطبيقها بصرامة شديدة وعبر آلية شفافة، حماية السيولة المتبقية من العملات الاجنبية وإدارته بطريقة استراتيجية وفق أولويات وذلك عبر إعادة النظر بسياسة الدعم القائمة التي تشجّع التهريب وخسارة المزيد من الدولارات؛ والعمل على توحيد الأسعار المتعددة لسعر الصرف، إنشاء خلية إدارة الأزمة من ذوي الكفاءة ملمين بالواقع اللبناني ولديهم الخبرة في التعاطي مع المؤسسات الدولية والأسواق المالية، وفتح قنوات الاتصال مع المجتمع الدولي لتأمين تمويل استثنائي لرفد القطاع الخاص بالسيولة والحد من إفلاس الشركات وخسارة الوظائف للبنانيين واللبنانيات، وذلك بالتوازي مع بدء تطبيق الاصلاحات.

تهديد بالعتمة الشاملة
وما يزيد طين الأزمات المتلاحقة بلّة، الهمّ اللبناني الدائم المتمثّل بالكهرباء التي يُذلُّ جرّاء مشكلتها المُستعصية من عشرات السنوات، إذ أن العتمة الشاملة تُهدد اللبنانيين بسبب إنتهاء عقد الباخرتين التركيتين وتعذّر تفريغ حمولة ناقلتين بحريتين محمّلتين بمادتي “الفيول اويل” بسبب عدم فتح الاعتمادات المستندية اللازمة.

ويلفت شمس الدين الى “أن إرتفاع ساعات التقنين سيؤدي الى إرتفاع كبير بفاتورة المولّد الكهربائي، خصوصاً في ظل إتّجاه مصرف لبنان الى رفع الدعم عن المحروقات”.

جوني فخري – العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!