السلطة تسرق اللقاحات!
صدى وادي التيم – لبنانيات/
تلقيح نوّاب من دون استحقاق، وخارج مراكز التلقيح المعتمَدة، جاء أمس ضمن عمليّة «سرقة موصوفة» يمارسها أهل السلطة، مع التأكيدات بأن 50% من عمليات التلقيح، حتى الآن، لم تأتِ وفق الخطط الموضوعة ولا بواسطة المنصّة الإلكترونية التي أُعدّت لذلك.
كان يُمكن لخبر تلقّي 15 نائباً الجرعة الأولى من لقاح «فايزر»، الذي يصل إلى لبنان بـ«القطارة»، أن يُستخدم لحثّ المُقيمين المتوجّسين على أخذ اللقاح، شأنهم في ذلك شأن مسؤولين كثر في عدد من الدول تلقّوا لقاحاتهم ضمن حملات إعلامية لتسريع عملية التلقيح، لو أنّ هناك ثقة بالأداء السياسي للطبقة التي يُمثّلها هؤلاء. إذ تشير الوقائع إلى أن 75% من اللبنانيين لا يثقون بمجلسهم التشريعي، وفق «المؤشر العربي» لعام 2019-2020، والذي تصدّر فيه لبنان قائمة الدول التي لا يرضى مواطنوها عن الأداء السياسي في بلادهم.
وكان المُقيمون في لبنان سيُصدقون أن النواب «لم يأخذوا الجرعات من درب أحد»، على ما قال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لـ «الأخبار»، لو أن حقّ آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين المُسنّين في الحصول على الجرعات محفوظ. إذ إن هؤلاء، ممن يُشكّلون الفئات الأكثر حاجة إلى التحصين والتمنيع بفعل ظروفهم، محرومون من إمكانية التلقيح ضمن الدفعات السبع الأولى التي ستصل في الأسابيع المُقبلة (مجموعها 250 ألفاً).
وكان اللبنانيون «سيغفرون» لنوابهم لو أنهم تمثّلوا بزميلهم النائب ألبير منصور (83 عاماً) الذي تلقى لقاحه في مُستشفى رفيق الحريري الحكومي بعدما تواصل معه المعنيّون هناك بناءً على تسجيله في المنصة الإلكترونية.
في معرض توضيحه لأسباب رفضه أخذ اللقاح في أواخر كانون الثاني الماضي، قال المُدير التنفيذي لشركة «فايزر»، ألبرت بورل، لـ«سي إن إن» إن ثمة لجنة أخلاقية تحدّد من يتلقّى اللقاح، كما أن هناك قوانين صارمة وضعها مركز مُكافحة الأمراض والوقاية منها، وعليه «نحن حريصون على عدم حصول بعض الناس على اللقاح قبل موعدهم». شكّل التصريح، آنذاك، مدخلاً للغوص في أخلاقيات تلقّي اللقاح، في ظلّ «معركة الأولوية» المُستعرة في كل دول العالم نتيجة الضغط الهائل على اللقاحات. من رحم تلك المعركة، حاكت اللجنة الوطنية للقاحات معاييرها بشأن الأولويات، بدءاً من العاملين في القطاع الصحي والأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً بغضّ النظر عن الأمراض المُزمنة التي يعانون منها، تليها مرحلة مَن تتراوح أعمارهم بين 65 عاماً و74 عاماً بغضّ النظر عن أمراضهم المُزمنة، ثم بين 55 عاماً و64 عاماً لمن يعانون من مرض مزمن واحد أو أكثر والعاملين في الترصّد الوبائي والتابعين لوزارة الصحة العامة.
عليه، فإنّ وقاحة الأمس ليست إلا مسّاً بتلك الأخلاقيات، خصوصاً إذا ما علمنا أن نقابة الأطباء في بيروت تلقّت طوال الأسبوعين الماضيين اتّصالات و«مناشدات» من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وممرضات ومواطنين تزيد أعمارهم على 75 عاماً لم يتمكّنوا من الحصول على اللقاح، ولم تُحدّد لهم مواعيد للحصول عليه بعد، بحسب نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف، لافتاً إلى تعذّر حصول عشرات أطباء الطب العائلي والطب العام وأطباء البنج والجراحين على موعد حتى الآن.
والوقاحة تصل إلى حد الجريمة إذا ما عُطفت على الخلاصة التي توصّل إليها «مرصد الأزمة، في الجامعة الأميركية، واستناداً إلى معطيات الأسبوع الأول من التلقيح، وفيها نحو 50% ممن حصلوا على اللقاح حتى الآن لم يمرّوا عبر المنصّة! المُشرف على «المرصد»، الدكتور ناصر ياسين، حذّر في اتصال مع «الأخبار» من «التداعيات الخطيرة الناجمة عن غياب الشفافية على الهدف المرجو بالحصول على المناعة المُجتمعية بنسبة 80%». إذ وفقاً لتقديرات «المرصد»، وفي حال استمرّت الوتيرة على ما هي عليه، «لن يصل لبنان إلى الغاية المرجوة قبل سنة 2025، وهو أمر في غاية الخطورة خصوصاً لجهة التحورات التي تطرأ على الفيروس والتي قد تستدعي تصنيع لقاحات جديدة».
غالبية النواب «المحظيين»، في معرض استنكارهم لـ «الهجمة» عليهم، لفتوا في اتصالات مع «الأخبار» إلى «سقوط» نائبَين منهما جراء فيروس كورونا وتسجيل أكثر من 20 إصابة في صفوف النواب وموظفي المجلس «الذين يعقدون اجتماعات اللجان لتسيير أمور المواطنين». علماً أن «سقوط» نائبين يقابله سقوط أكثر من 30 طبيباً وإصابة أكثر من 2500 عامل في القطاع الصحي.
وعليه، وإذا ما تم تحييد «الحصانة» التي يملكها النواب وتجعل حظوظهم بالنجاة أكبر، لا يمكن لخطوة تلقيحهم رغم أن غالبيتهم لا تندرج ضمن المرحلة الأولى من «الأولويات»، وفي المجلس النيابي لا في مراكز التلقيح المعتمدة، لا يمكن إلا أن يُنظر إليها كـ«استفزاز» ووقاحة وقلة أخلاق.
وهذا ما عبّر عنه رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري الذي هدّد بالاستقالة، معتبراً أن ما حصل «خرق لا نستطيع السكوت عنه من خلال تمييز مجموعة من الناس». وأضاف: «ما حصل اليوم يستحق الوقوف عنده. فالخطة التي نفتخر بها ونعتقد أنها الأهم التي صُنعت في لبنان كان الهدف منها حماية المواطن والمُجتمع (…)».
ولعلّ المُفارقة الكبرى تتمثّل بسلوك وزارة الصحة التي كانت، أمس، «الراعي الرسمي» لهذه العملية الاستفزازية، خصوصاً أنها أتت بعد تصريح لوزير الصحة، حمد حسن، عقب افتتاحه مركزاً للتلقيح في بعلبك الأحد الماضي، تمنّى فيه «ألا نتجاوز المعايير بتمرير بعض المحسوبيات من قبل البعض»! البعض الذين كانت وزارة حسن، أمس، تشرف على تلقيحهم على عين القانون، ورغم أنف كلّ اللبنانيين.
هديل فرفور – الاخبار