ربع ما نأكله ملوّث جرثومياً

 

صدى وادي التيم – لبنانيات/

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

ربع ما يأكله اللبنانيون غير مطابق للمواصفات جرثومياً، خصوصاً من اللحوم والدجاج ومشتقات الحليب والمياه والبهارات. هذه نتائج عيّنات جُمعت بين عامَي 2015 و2017. في ظل الواقع الوبائي الحالي وانهيار النظام الصحي والأزمة الاقتصادية وانعدام الرقابة، يؤكّد المعنيون بأن أي تحليل حديث للأغذية سيكشف كوارث أكثر خطورة.

«ضبطُ أكثر من طن من اللحوم المستوردة التي تحتوي على إحدى الجراثيم الخطيرة على الصحة»، كما جاء في بيان لوزارة الاقتصاد والتجارة قبل أيام. قبلها، وردت، تباعاً، أخبار عن إتلاف أطنانٍ من المواد الغذائية الفاسدة من الدجاج والسوشي والبهارات وغيرها.

وفيما يفترض الواقع الصحي والوبائي الحالي منسوباً عالياً من الاهتمام بسلامة الغذاء، يعود آخر تقرير لوزارة الصحة حول سلامة الغذاء إلى عام 2017، تاريخ «انتهاء» حملة سلامة الغذاء التي بدأت في عهد وزير الصحة وائل أبو فاعور. في وقت أظهرت دراسة حديثة للجامعة الأميركية في بيروت أن ربع ما يأكله اللبنانيون غير مطابق للمواصفات جرثومياً، خصوصاً من اللحوم والدجاج ومشتقات الحليب والمياه والبهارات.

الدراسة أجراها قسم التغذية وعلوم الغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة، ويقول معدّوها إنها «الأولى من نوعها» في لبنان لجهة التحليل الإحصائي المعمّق. إذ استندت إلى نحو 12 ألف عينة عشوائية (11 ألفاً و625) جمعتها وزارة الصحة بين عامَي 2015 و2017، من مطاعم وأفران ومحال لبيع اللحوم والأسماك والدجاج ومصانع غذائية من كلّ المناطق، ضمن حملة مراقبة سلامة الغذاء التي توقّفت في تموز 2017 «بسبب ضعف الموارد المالية والمواقف السياسية».

وأوضحت الدراسة أن نتائج فحص هذه العيّنات لمعرفة نسبة التلوث الجرثومي فيها نُشرت يومها على الموقع الإلكتروني للوزارة، وتضمّنت نوع العينة ومكانها ونوع الملوّث الموجود فيها، لكنها «لم تُظهر بوضوح ما إذا ما كانت العيّنة طعاماً نيئاً أو مطبوخاً أو جاهزاً للأكل»، كما أن «تحليل الوزارة لم يحدّد الأطعمة الأكثر عرضة للتلّوث والملوّثات الأكثر شيوعاً في كلّ المحافظات، وهو ما قامت به الدراسة»

شملت العيّنات التي خضعت للتحليل اللحوم الحمراء ولحوم الدجاج على أنواعها (نيئة، مطبوخة، مملّحة، مثلّجة…)، المياه، الخبز والأطعمة المخبوزة، الأجبان والألبان، البهارات، الخضار، الفواكه المجفّفة والمكسّرات. وأظهرت النتائج أن 28.7% من هذه العيّنات «غير مقبولة جرثومياً»، ما يعني أن واحدة من كل أربع عيّنات تحتوي على جراثيم مضرّة. البروفيسور في كلية الأغذية والعلوم الزراعية وأحد معدّي الدراسة، عصمت قاسم، لفت إلى أن خطورة هذه الأرقام أنها «جاءت نتيجة التحليل الجرثومي، فكيف إذا ما أُخضعت للتحاليل الكيميائية وكانت العيّنات أكثر؟ عندها، حتماً، سنكون أمام نتائج كارثية أكبر».

الدراسة خلصت إلى أن العينات الملوّثة في غالبيتها تنتمي إلى فئة اللحوم والدجاج ومُشتقّات الحليب والمياه والبهارات. وأوضحت أن أنواع البكتيريا التي عُثر عليها في العينات شملت البكتيريا المختزلة للكبريت (SRB) التي تسبب التهاب القولون التقرّحي وداء الأمعاء الالتهابي، وبكتيريا E.Coli والبكتيريا الهوائية والسالمونيلا والليستيريا وغيرها، والتي تتسبب في الإسهال والتقيؤ ووجع البطن والفشل الكلوي وتعفّن الدم والتهاب السحايا والشلل الرئوي والعضلي والإجهاض وبعض أنواع السرطان.

ورغم أن العيّنات تعود إلى أعوام عدة، لكن النتائج تبقى «مؤشراً بالغ الأهمية»، بحسب قاسم، «لأنها تعود إلى فترة كانت الرقابة فيها مفعّلة، وكانت تجهيزات البنى التحتية أفضل، وهي تصلح، بالتالي، كمقياس لتوقّع الوضع حالياً في ظل انتشار الوباء والأزمة الاقتصادية التي خلّفت حكماً تداعيات أكثر سوءاً». وأضاف: «نحن، حالياً، كمن يمشي في الظلام، فلا فحوصات مخبرية كيميائياً وجرثومياً تُجرى على عينات من الغذاء ولا معلومات شفّافة تعلنها الجهات الرسمية حول هذا القطاع، والرقابة على التجار ومصنعي الغذاء شبه منعدمة»، لافتاً إلى أنه في ظل الواقع الوبائي وانهيار النظام الصحي والاستشفائي «لن يكون بمقدور المصابين بحالات تسمم وإسهال بسبب سوء الغذاء الحصول على الخدمات الطبية المناسبة بسهولة».

المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة، محمد أبو حيدر، أوضح لـ«الأخبار» أنّ مديرية حماية المستهلك «تُخضع اللحوم المستوردة لفحص روتيني في مختبرات متخصّصة للتأكد من سلامتها قبل السماح بطرحها في الأسواق». لكن المشكلة أن هذا «الروتين» الذي تقوم به الوزارة في ما خص اللحوم المستوردة أو بعض البضائع التي تحوم حولها شبهات بناءً على شكاوى وغيرها، لا يشمل منتجات غذائية حيوانية أخرى كونها من مسؤولية وزارة الزراعة مثلاً، وصناعات غذائية لأنها من مسؤولية وزارة الصناعة. إذ أن كلاً من هذه الوزارات تعمل بشكل منفصل ومن دون أي تنسيق في ما بينها، في وقت لم تُبصر «الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء» النور بعد، وهي التي من مهمّاتها التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة المعنيّة بهذا القطاع.

ضعف الرقابة وغياب الشفافية

تنطلق الدراسة من «قناعة» بأن سلامة الغذاء في لبنان تواجه تحديات كثيرة تشكل خطراً يتعلّق بالشأن العام. وتلفت إلى أن ما يمر به لبنان من تلوث وضعف البنى التحتية وانعدام الاستقرار الاقتصادي والأمني ينعكس على قطاع التصنيع الغذائي على شكل حالات من الأطعمة الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمغشوشة. ويؤكّد معدّو الدراسة أنّ عوامل عدة ساهمت في وصول واقع سلامة الغذاء إلى ما هو عليه، منها غياب البيانات الأساسية حول الملوّثات الكيميائية والميكروبيولوجية الشائعة في لبنان، غياب الخبرة العلمية والتقنية، محدودية الدعم المالي، ضعف الرقابة على حالات الأمراض المنقولة بالغذاء، غياب الشفافية، تداخل المؤسسات الحكومية وتعارض صلاحياتها، ضعف التوعية حول إجراءات السلامة الغذائية في الصناعات الغذائية الصغيرة، ومحدودية الأبحاث الأكاديمية التي تدرس انتشار الملوّثات وخصائصها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!