رسالة المطران الياس كفوري الى اللبنانيين، بمناسبة عيد الميلاد المجيد
صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /
توجه متربوليت مرجعيون وصور وصيدا للروم الارثوذكس المطران الياس كفوري برسالة الى اللبنانيين، بمناسبة عيد الميلاد المجيد، جاء فيها:
“لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة ، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني “.(غلا 4:4)
” لمّا حان ملء الزماء ” تعني لما اكتملت النبوءات وحان الوقت المناسب حسب التدبير الإلهي ارسل الله ابنه …..” إن الله بعدما كلّم الآباء قديماً في الأنبياء كلاماً متفرق الأجزاء ومختلف الأنواع ، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في الابن الذي جعله وارثاً لكل الأشياء وبه أنشأ الدهور ..” ( عبرا 1 : 1 ) .
الله كلّم الآباء في الأنبياء . تعترف الرسالة الى العبرانيين أن أنبياء العهد القديم تكلموا باسم الله , أو أنهم نقلوا كلام الله للشعب . وهؤلاء الأنبياء هم الذين تنبأوا بمجيء المسيح . ومنهم : أشعياء الذي قال ” ها العذراء تحبل وتلد ابناً يدعى عمانوئيل ( الذي تفسيره الله معنا ) …. وقال عن المسيح : ” مثل خروف سيق الى الذبح ، وكحمل صامت لم يفتح فاه . بتواضعه ارتفعت حكومته . أمّا جيله فمن يصفه …” . هؤلاء الأنبياء هم : أشعياء , أرمياء , حزقيال , دانيال , والأنبياء الإثنا عشر الصغار . وفي الختام نذكر إيليا النبي ويوحنا المعمدان خاتمة الأنبياء الذي أتى ليهيء الشعب لمجيء المسيح. وهو الذي قال عن المسيح :”هوذا حملُ الله الرافع خطيئةالعالم..”
تتابع رسالة العبرانين:”كلّمنا (أي الله) في هذه الأيام الأخيرة في الأبن الذي جعله وارثاً لكل الأشياء وبه أنشأ الدهور (دستور الإيمان). وهو ضياء مجده ورسم جوهره، وحامل الكل بكلمة قوته.وبعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس عن يمين الجلال في الأعالي”(عبرا1:1).
الله كلّمنا في الأبن الذي نقول عنه في دستور الإيمان”الذي به كان كل شيء” هذا الابن “المساوي للآب في الجوهر”تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء”وأخذ من مريم جسداً بشرياً ليتّحد بنا .”مولوداً من مرأه.مولوداً تحت الناموس،لننال التبني”(غلا4:4)هذا حصل بسبب محبة الله لنا.الله،عندما رأى الإنسان ساقطاً وخاضعاً للخطيئة، لم يشأ أن يبقى متفرّجاً على سقوط خليقته وجبلته وخضوعه (واستعباده)للخطيئة، كما يقول بولس الرسول .عندما رأى
الله ذلك ،أي”عندما حان ملء الزمان .أرسل الله ابنه” هذا الأمر يذكّرنا بمثل الكرم والعمّال الوارد في الأناجيل .يقول:”إنسان غرس كرماً وسلمّه الى كرّامين وسافر زماناً طويلاً .وفي الوقت أرسل الى الكرامين عبداً لكي يعطوه من ثمر الكرمْ .فجلده الكرّامون وأرسلوه فارغاً ..وهكذا فعلوا بعبدين أخرين .فقال صاحبُ الكرم:ماذا أفعل؟ أرسل ابني الحبيب ،لعلّهم إذا رأوه يهابون .فلما رآه الكرّامون تأمروا فيما بينهم قائلين :هذا هو الوارث .هلمّوا نقتلهْ لكي يصير لنا الميراث .فأخرجوه جارج الكرم وقتلوه .يتابع ..يأتي صاحب الكرم ويُهلك هؤلاء الكرّامين ويعطي الكرم لآخرين .” (لوقا9:20-19) .
هذا المثل ينطبق على الشعب العبراني تماماً .الذي أخرج يسوع”خارج المحلة”وقتله. هؤلاءالناس الذين قال عنهم السيد المسيح إنهم قتلة الأنبياء . فقد أرسل لهم لله (في العهد القديم) أنبياء .”فمنهم من رجموا .ومنهم من قتلوا ..وآخرهم كان زخريا النبي الذي قتلوه بين المذبح والهيكل “. وفي النهاية أرسل الله لهم ابنه الحبيب فقالوا هذا هو الوارث .هلُّم نقتله ونستولي على الميراث.”وبما انكم أبناء أرسل الله روخ ابنه الى قلوبكم صارخاً يا أبَّا الآب .فلستَ بعد عبداً ،بل أنت أبن .وإذا كنت ابناً فأنت وارث لله بيسوع المسيح”.
أتى المسيح متجسداً ليُبطل فرائص الناموس ويزيل حائط العداوه الذي ورُفِعَ بين الله وبين الإنسان بسبب الخطيئة. أتى المسيح ليصالح الأثنين ،كما يقول بولس الرسول ،ويجعلهما واحداً بجسده المتأله.
في الميلاد انتقلنا من عهد الناموس الى عهد النعمة .وفيه أيضاً انتقلنا من عهد العبودية الى عهد الحرية .يرمز العهد القديم الى ذلك بخروج الشعب العبراني من مصر (وتخلّصه من نير العبودية للمصرين أي لفرعون ) الى أرض الميعاد .الأرض التي تدرّ لبناً وعسلاً .الأرض التي دعا الله إبراهيم ليسكن فيها (مع اسحق ويعقوب الوارثين لموعده)ويقيم نسلاً مباركاً الله .
في الميلاد أصبحنا أحراراً وحصلنا على حرية أبناء الله:”فلستَ بعدُ عبداً بل أنت ابن. وإذا كنتَ ابناً فأنت وارث لله بيسوع المسيح”.
إذاً.في ميلاد المسيح أصبحنا أبناء لله .وأصبحنا أحراراً .المسيحية تقدّس الحرية .لكن أية حرية؟”حرية أبناء لله “.اي الحرية التي يعطيها الأب لابنه .فيتصرف الأبن بهذه الحرية ضمن احترام الأب.آخذاً بالأعتبار أن أباه يحبه.فلاحرية إذاً إلا بالمحبة .نحن أحرار.ولكننا نستخدم حريتنا ضمن إطار المحبة. والمحب لايمكن أن يسبب الأذى لمحبوبه .من هنا تتركز علاقتنا
ببعضنا البعض،وبيننا وبين الأخرين على أساس الحرية المرتكزة على الأحترام والمحبة. فلا تتجاوز حريتنا حدود الأخرين .
في الميلاد نتعلّم التواضع .عندما نرى ابن الله “المولود من الآب قبل كل الدهور ” يولد في مذود البهائم .ويعيش مع الفقراء والمرضى والمساكين .لايسكن قصراً منيفاً مثل ملوك الأرض. “ابن البشر ليس له موضع يسند إليه رأسه”.هذا ماقاله يسوع عندما سئل :أين تسكن ؟
في الميلاد نتعلّم التضحية وبذل الذات عن الآخرين .بينما هو جالس عن يمين الآب في السماء ،”أخلى ذاته أخذاً صورة عبد ، صائراً في شبه البشر وموجوداً كبشر في الهيئة”(فيليبي5:2).
فلنتعلّم في هذا العيد أن نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو.وبالتالي أن نحب القريب كما نحب أنفسنا . لن يصلح الوضع عندنا ما لم نتمم هذه الوصايا وهذه الدروس التي تعلمناها في الميلاد .لن تصطلح الأمور ما لم يتنازل كلُّ منا عن شيء من خصوصيته من أجل كرامة الأخر وبالتالي من أحل حفظ كرامة الوطن.
نصلي في هذا العيد المبارك من أجل المشردين وضحايا الحروب وخاصةً ضحايا “الزلزال” الذي هزّ بيروت في الرابع من آب الماضي.نصلي من أجل راحة أنفس الضحايا ومن أجل مؤازرة الذين فقدوا أحباءهم أو خسروا بيوتهم أو أصبحوا معوّقين بسبب الانفجار .سائلين الرب أن يتحنن عليهم وأن يحنّن قلوب المسؤلين ليقوموا بواجبهم الإنساني والوطني تجاههم.
في هذا العيد نطلب الى لله العلي القدير أن يعيد لنا بسلام أخوينا المطرانين بولس ويوحنا (مطرانيي حلب) المخطوفين وسائر المخطوفين والمحتجزين ظلماً ،الى بيوتهم وعائلاتهم .
نسأله في عيد ميلاده أن يحلّ السلام في العالم وهو ملك السلام ومخلّص نفوسنا .
المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة .
الين سمعان