صدى وادي التيم – رياضة /
على مدى 17 سنة زرع ماراثون بيروت الفرح في قلوب اللبنانيين وحول تشرينهم الى مهرجان حافل بالحياة والحماسة والمرح. لم يكن الماراثون يوماً مجرد حدث رياضي يركض فيه عداؤون محترفون، بل كان الوجه المشرق لبيروت ولثقافة الحياة فيها وتجسيداً لما يحلم به اللبنانيون من موقع لوطنهم على خريطة الأحداث العالمية المشرّفة. منذ سنتين غاب الماراثون وغابت معه صورة لبنان الجميلة ودوره الريادي لكن شعلة السباق، وإن خبت، لم تنطفئ وها هو يعود اليوم بشكل افتراضي ليواصل دوره الرياضي والإنساني.
لقد استطاع ماراثون بيروت أن يطلق دينامية لافتة على صعيد تنظيم الحدث الرياضي الاحترافي في لبنان وأبعاده المختلفة وطنياً وإقتصادياً وسياحياً وبيئياً، وأن يؤكّد حضور لبنان على الخريطة الدولية للأحداث الرياضية البارزة. واستطاع بسنوات قليلة أن يبرز الصورة الحضارية للعاصمة بيروت ويجعلها واحدة من أبرز العواصم مثل نظيراتها في العالم، باريس، لندن، برلين، طوكيو ونيويورك وغيرها من العواصم التي تنظّم ماراثونات سنوياً. خلف هذه الإنجازات تقف سيدة ذات إرادة حديدية لا تتراجع أمام الصعاب هي السيدة مي الخليل، ومعها جمعية بيروت ماراثون التي اثبتت قدرة القطاع الخاص وفاعليته في تحقيق إنجازات تعجز عنها الدولة.
على المستوى المحلي لعب بيروت ماراثون دوراً يتخطى البعد الرياضي، وأكثر ما تفخر به السيدة مي الخليل أن هذا الحدث تمكّن من كسر الحواجز المناطقية وترسيخ الوحدة الوطنية، بعد كل ما ألمّ بها من تشظٍ إثر الحرب في لبنان، وتحوّل يوم السباق إلى تظاهرة وطنية قلّما يشهد لبنان مثيلات لها ورسالة إلى كل العالم بأن هذا الوطن قادر على الدوام أن ينهض مثل “طائر الفينيق”.
واليوم في خضم الركود الاقتصادي القاتل الذي يعيشه لبنان، ما أحوجه الى محرك فعال لدورته الاقتصادية كالماراثون، فقد شكل الحدث الماراثوني رافداً للدورة الإقتصادية، وبحسب دراسة إحصائية لشركة دولية فإنّ ماراثون بيروت حقق عام 2018 مبلغ 1،85 مليون دولار توزّعت على قطاعات مختلفة، وكان وراء تنشيط هذه القطاعات من خلال نفقات تنظيم السباق والتي تتجاوز مبلغ مليون دولار أميركي. ومن جهة اخرى ساهم الوافدون من العدائين والعداءات العرب والأجانب بتحريك القطاعين السياحي والفندقي، وتكفي الأشارة هنا، وفق ما تقول السيدة خليل، إلى أنّ عدد هؤلاء بلغ حوالى 4 آلاف عداء وعداءة إضافة إلى المشاركين اللبنانيين واللبنانيات، الذين انفقوا جميعهم مبالغ لا بأس بها على احتياجات مختلفة ساهمت في دفع حركة الأسواق.
نسأل سيدة المارثون: بغياب هذا الحدث الرياضي لا شك ان الخسائر المادية والمعنوية كبيرة بالنسبة لجمعية بيروت ماراثون وفريق عملها وبالنسبة للرعاة، فهل تلقيتم أي تعويضات او مساعدات من قبل الوزارات المختصة او بلدية بيروت؟
بحسرة تؤكد السيدة الخليل أن ماراثون بيروت من الأحداث الرياضية التي يتطلّب تنظيمها ميزانيات مالية كبيرة تتم تغطيتها من العقود الرعائية مع العديد من المؤسسات المصرفية والتجارية، لأن هذا الحدث يقام وفق مواصفات وشروط إحترافية تؤكّد عليها لوائح المسابقات في الإتحاد الدولي لألعاب القوى، وقد كانت هناك مبادرات دعم من بلدية بيروت ومن وزارة الشباب والرياضة، لكن دعم الوزارة توقف منذ أكثر من 4 سنوات ومساعدة بلدية بيروت لا تشكّل إلا نسبة مئوية قليلة من إجمالي الميزانية المطلوبة لتنظيم السباق. ومن هنا كان تعويلنا بالدرجة الأولى على الرعاية التجارية مع الإشارة إلى مساعدات مالية تقدّم من أصدقاء وصديقات الماراثون، وأعضاء مجلس أمناء جمعية بيروت ماراثون.
ورشة تنظيم ماراثون بيروت كبيرة وتتطلّب مبالغ كبيرة وجهوداً من فريق عمل يتجاوز بضعة آلاف، ويمتدّ الإعداد والتحضير له على مدار العام لأن هناك الكثير من التفاصيل التنظيمية، إضافة الى نشاطات كانت الجمعية تقيمها في العام نفسه مثل سباق السيدات وسباق الشباب، إلى جانب البرامج التدريبية للعدائين والعداءات بمن فيهم فئة القدرات الخاصة.
ذات يوم
وتتابع السيدة مي الخليل قائلة: “جاءت الأزمات المتراكمة من وباء كورونا الى الأزمة الاقتصادية لتزيد الوضع سوءاً على ماراثون بيروت، الذي كان قد توقف قبل إنتشار الوباء بفترة قصيرة نتيجة التطورات السياسية والأمنية المواكبة للحراك الشعبي ما ترك تداعيات دراماتيكية، ولاحت الأزمة المالية النقدية بأبشع صورها ما دفع بنا بكل اسف لإقفال مكاتب الجمعية وصرف جميع الموظفين والموظفات، الذين كانوا يشكلون فريق العمل وقد أعطيت لهم جميع حقوقهم حسب قانون العمل”. ردة الفعل الرسمية هذه باتت معروفة مع كل صدمة يتلقاها لبنان ولكن ماذا عن الجهات الدولية هل تفاعلت مع بيروت ماراثون بعد انفجار المرفأ؟ وهل كانت أحن على الرياضيين اللبنانيين ومنظمي الماراثون من دولتهم؟
للحقيقة تؤكد السيدة الخليل لم نتلق أي مساعدات مالية أو عينية من مؤسسات خارجية، على الرغم من أن التواصل قائم مع هذه الجهات ومن بينها الإتحاد الدولي لألعاب القوى واللجان المنظمة للماراثونات في العالم حيث لدينا مع بعضها إتفاقيات تعاون، ما تلقيناه هو العديد من رسائل التعاطف والدعم المعنوي واللوجستي خصوصاً في السباق الإفتراضي الدولي الأخير.
توماس أبراهام يُسلّم البابا تيشرت الماراثون
ماراثون بيروت باقٍ في بيروت
هنا ندرك ان صرحاً آخر من صروح لبنان العظيمة قد هوى كما بدأت تهوي الصروح الاستشفائية والتعليمية. فهل تأخذ الدول المجاورة او دول الخليج دور لبنان وتكون بديلاً عنه في تنظيم الماراثون؟ تؤكد الخليل أن ماراثون بيروت وجد ليبقى ويستمر حيث يجب أن يكون، مع الإشارة إلى حصول عدة إتصالات من قبل جهات عربية لإقامة نشاط ماراثوني، لكن لم يكتب لها النجاح بسبب تطورات وباء كورونا عالمياً؛ لكن ذلك في حال حصوله، لن يلغي مبدأ بقاء جمعية بيروت ماراثون وتنظيم الحدث الماراثوني فور إستقرار الأوضاع. والدليل أنه في زمن الكورونا هذا العام نظمنا سباقاً إفتراضياً لمسافة نصف الماراثون في لبنان والعالم، واستطعنا أن نجمع مبلغ 20 ألف دولار أميركي دعماً للصليب الأحمر اللبناني تقديراً لجهوده في إغاثة أهالي بيروت بعد انفجار مرفأ بيروت، وكذلك نظمنا مؤخراً سباقاً إفتراضياً محلياً لمسافة 5 كلم وفي السباقين كانت التحضيرات تطوعية من قبل عدد من أعضاء فريق عمل جمعية بيروت ماراثون. لكن هذا لا يرتبط بالماراثون المركزي الذي يبقى العلامة الفارقة والهوية الرياضية لجمعية بيروت ماراثون.
بحشرية واستغراب نسأل كيف يمكن للماراثون ان يكون افتراضياً؟ تجيب السيدة مي انه بعد جائحة كورونا كل التجمعات الكبيرة في العالم توقفت واثر ذلك بشكل خاص على الماراثونات العالمية فتم ابتكار فكرة جديدة هي السباق الافتراضي. اي ان المشاركين يتسجلون في الماراثون ويركضون حيثما يشاؤون، في البيت على جهاز الركض او في اي بلد او مكان. هي حتماً مشاركة معنوية اكثر منها تنافسية. بعد انفجار بيروت قررنا تطبيق مبدأ السباق الافتراضي وجمع المال لمساعدة الصليب الأحمر اللبناني تحت شعار Embrace Beirut.أجرينا اتصالات مع ماراثونات العالم مثل شيكاغو وبراغ وغيرها حيث نشروا على صفحاتهم الإعلان لماراثون بيروت الافتراضي، وطلبوا من العدائين حول العالم المشاركة وعاد ريع التسجيل بأكمله الى الصليب الأحمر، وانطلقنا بالسباقات الافتراضية لهدف إنساني محدد كل مرة وفي 20 من شهر كانون الأول الحالي سيعود ريع سباق الميلاد الافتراضي لمؤسسة سيزوبيل، وسيحصل المشاركون فيه على ميدالية مصنوعة في لبنان من الخشب المعاد تدويره.
يبدو الشغف واضحاً في كلام السيدة مي الخليل حين تتحدث عن الماراثون، لكنه شغف ممزوج بالوجع والحسرة بعد غياب السباق لسنتين متتاليتين. كان الأمر صعباً. تقول: وفي لحظة توقف دوران الأرض بنا وتبددت أحلامنا في الإستمرارية ومتابعة صناعة النجاحات والإنجازات التي مارسناها على مدى 17 سنة منذ العام 2003، لكن كلنا أمل ورجاء بالغد وسوف نكمل المشوار بإذن الله طالما لدينا الإيمان وفينا نبض. أحلامنا في جمعية بيروت ماراثون لم تتوقف ولن تتوقف وأملنا أن يكون العام 2021 عام عودة الأمان والإستقرار للبنان والعالم، ونعود لنطلق النشاطات على إختلافها. نحن نمر في مرحلة من أصعب وأخطر المراحل في تاريخ وطننا حيث الأولوية اليوم لتعافي لبنان الوطن والإنسان. حزني اليوم على وطني لبنان وعلى عاصمته الأبية بيروت ودون ذلك تبقى الأحزان مسألة نسبية…
مي الخليل
قصة ماراثون بيروت بالأرقام
– 490,000 مشارك ومشاركة هو العدد الإجمالي في سباقات الماراثون منذ السباق الأول 2003 وحتى العام 2018
– 14,000 هو عدد المشاركين والمشاركات مجاناً في السباق سنوياً وهم يمثلون ما نسبته 29% من إجمالي المشاركين
– 26 موظفاً وموظفة كانوا يشكلون فريق العمل في الجمعية بدوام كامل وهم نسيج متنوع يتسم بالكفاءة العلمية
– 1,000 شخص يعملون بصفة مسؤول ومساعد وعامل لتحضيرات السباق
– 1,400 فرصة عمل إضافية لمدة 3 أشهر قبل السباق
– 4,000 متطوع من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر ودار الأيتام وإطفاء بيروت والكشافة يعملون يوم السباق
– 10,452 وجبة طعام توزع خلال الأسبوع الأخير للسباق على فريق العمل
– 234 جمعية خيرية شريكة تحصل على حسومات على رسوم التسجيل تبلغ 25%
– 450 مسعفاً ومسعفة من الصليب الأحمر ترافقهم 55 سيارة إسعاف
– 93 محطة لوجستية على طول مسار السباق البالغة مسافته 42,195 كلم
– 1,63 مليون دولار إجمالي إيرادات مالية لصناديق الجمعيات الخيرية خلال السنوات الماضية من الحسومات على رسوم التسجيل
– 1,85 مليون دولار إجمالي العائد السنوي الذي يرفد قطاعات الدورة الإقتصادية في لبنان عام 2018
– 609 عدائين وعداءة هم عدد الخريجين من البرنامج التدريبي 542 المجاني
– 22 دراجة جديدة (هاند سايكل) قدمت مجاناً للمشاركين والمشاركات في البرنامج التدريبي لذوي الإحتياجات الخاصة المجاني
– 10 مذكرات تعاون مع ماراثونات عالمية لتأكيد التعاون وتبادل الخبرات
– 6 ساعات نقل تلفزيوني مباشر لوقائع السباق تغطي معالم مدينة بيروت
– 282,000 دولار أميركي قيمة الجوائز المالية للفائزين والفائزات في السباق لمختلف الفئات عام 2018
– 9 سنوات من تصنيف الإتحاد الدولي لألعاب القوى (2010 البرونزي – 2014 الفضي الذي استمر للعام 2018 حيث أقيم آخر سباق ماراثون)
المصدر نداء الوطن